تحولت بروكسيل يوم الأحد الماضي إلى عاصمة للتضامن مع الشعوب في العالم، وخاصة مع شعوب المنطقة العربية التي بدأ فيها ربيع الثورة الشبابية يختلط تدريجيا بدماء حرب تشبه القدر المحتوم. بضعة آلاف من الناشطين السياسيين والحقوقيين وممثلي الأحزاب السياسية، ومقيمين أجانب من كل الأعراق والجنسيات والديانات هتفت ضد الطغيان، ضد العنصرية وضد الظلم. "نتظاهر تضامنا مع الشعوب، تضامنا مع شعوب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في سبيل تحقيق حريتها ومطالبها العادلة"، يقول أحد المشاركين. مطالب عادلة ما تشهده المنطقة العربية من تجديد لدمائها الراكدة عبر تسلم الشباب زمام التغيير فيها، كان حاضرا بقوة في مسيرة بروكسل التي تنظم سنويا في التاسع عشر من شهر مارس المصادف لليوم العالمي لمناهضة العنصرية. وقد ارتأى المنظمون هذه السنة أن تكون المسيرة يوم الأحد 20 مارس، واختاروا لها شعار: التضامن مع الشعوب. والملاحظ أن الجالية المغربية والجاليات العربية كانت حاضرة بقوة بشعاراتها المنادية بالتغيير والحرية ودولة الحق والقانون: "نحن نتضامن مع حركة 20 فبراير من أجل دستور ديمقراطي ينبثق من القوى الحية للشعب المغربي، وكذلك مع حرية التظاهر وحرية التعبير وإرساء دولة الحق والقانون في المغرب". هذا ما قاله خالد المنصوري من التجمع الديمقراطي للريف بخصوص دعمه لمطالب حركة 20 فبراير. كما كان لما يجري في ليبيا واليمن والبحرين نصيب الأسد من التضامن الذي عبر عنه سكان بروكسيل. ولعل الشعارات التي كان يهتف بها المحتجون لدليل على مدى التأثر والاهتمام بما يحدث في المنطقة. خيبة أمل. كانت ليبيا والبحرين حاضرتين بقوة في مسيرة بروكسيل. أغلبية من رفع الأعلام البحرينية هم من أصول مغربية وعراقية. وبدا واضحا من الشعارات المرفوعة أن المتظاهرين أصيبوا بخيبة أمل تجاه الصمت العربي بخصوص البحرين وغاضبين من التدخل السعودي بصفة خاصة تحت غطاء "درع الجزيرة"، ولكن الهدف غير المعلن هو إسكات صوت المطالبين بالتغيير. فهناك ازدواجية واضحة في المواقف الرسمية للأنظمة العربية وحتى الأنظمة الغربية التي تركز الآن جهودها على ليبيا، تاركة شعب البحرين وحيدا في مواجهة قدره. "درع الجزيرة برا برا، البحرين حرة حرة"، يصيح أحد المحتجين في مكبر الصوت. أيضا، لم تخل الشعارات المرفوعة من انتقاد واضح للتدخل الأجنبي العنيف في ليبيا، دون أن يعني ذلك دعما للنظام القذافي. ذلك أن القصف الجوي والبحري الغربي لليبيا، يحيي في ذاكرة كثير من المتظاهرين ذكرى الهجوم على بغداد وإسقاط نظام صدام حسين. "أوباما قاتل! ساركوزي قاتل!" بيد أن أحد المشاركين عبر عن استيائه من هذا الشعار، مشددا على أن الفرق شاسع بين حيثيات وملابسات التحالف السابق على بغداد والتحالف الحالي على طرابلس الغرب. احترام متبادل العاصمة الهولندية أمستردام شهدت هي الأخرى مسيرة سلمية بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنصرية. وقد حرص المنضمون هنا على أن تكون المسيرة مناسبة للتحذير من تصاعد العنصرية وكراهية الأجنبي في بلدهم، وخاصة في ظل حكومة يمينية يدعمها الحزب من أجل الحرية الشعبوي لزعيمه خيرت فيلدرز. يقول حسن عيي من جمعية العمال المغاربة بهولندا: "نقف اليوم هنا احتجاجا على تنامي العنصرية وخاصة ضد الحزب من أجل الحرية الذي يهدد استقرار الأجانب عامة والمسلمين خاصة في هولندا. كما نحتج على سياسات هذه الحكومة اليمينية التي تأخذ قرارات تمس بالمصالح الأساسية للمواطنين من أصل أجنبي ومن أصل إسلامي. ونحتج كذلك على الفكرة النمطية السائدة التي تحاول ترسيخ فكرة أن مشاكل هذا المجتمع يسببها الأجانب، هذا في الوقت الذي يعد فيه هذا المجتمع مجتمعا متعدد الثقافات. يجب البحث عن التعايش باحترام متبادل. نحن لسنا جددا عن هذه البلاد بل نحن مواطنون". هل يشعر المواطن الهولندي من أصل أجنبي فعلا بالعنصرية وهل يعايشها في حياته اليومية؟ سؤال طرحناه على كريمة أوشن وهي إحدى المشاركات في مسيرة ساحة 'الدام‘ في أمستردام. "أحيانا أشعر بالعنصرية ولست الوحيدة. هناك الكثير من المهاجرين لديهم هذا الإحساس. التغييرات السياسية في البلاد تسير في هذا المنحى، فعلى سبيل المثال يمكن إلقاء القبض على طالبي اللجوء السياسي لمجرد أنهم مقيمون إقامة غير قانونية في هولندا. وأرى من خلال تجربتي الخاصة منذ استقراري في هولندا قبل أكثر من عشر سنوات، أنه منذ دخول خيرت فيلدرز ميدان السياسة، زادت العنصرية ضد الأجانب". *بالاتفاق مع إذاعة هولندا العالمية