أهل طنجة القدامى لازالوا ينادونه ب"التشيكو"، والجيل الذي بعدهم يناديه ب"الطاكسي خضر"، بينما أصبح اسمه الحالي هو "الطاكسي الصغير"، ببساطة. تعدّدت الأسماء والأوصاف، لكن الوسيلة واحدة والهدف واحد: التنقل بأفضل وأرخص وأسرع طريقة داخل المدار الحضري لمدينة طنجة. وهو الأمر الذي يبدو أن الطاكسي الصغير في طنجة يوفره بالشكل الأفضل، إلى جانب باقي وسائل المواصلات الأخرى. أما أصل اسم "التشيكو"، فيعود لأول شركة اسبانية بمدينة طنجة بدأت في تقديم خدمة التاكسي الصغير، بشكلها العادي وعن طريق الاتصال والحجز، قبل أن تبدأ ألوان الطاكسي في التغير ليأخذ شكله الحالي، وهو الأزرق الخفيف مع خط أصفر أفقي يخترقه في الوسط، ويوجد حاليا بطنجة 1920 سيارة أجرة، بينما عرفت سنة 2015 زيادة لم تتجاوز الثلاثين سيارة في المُجمل. بالنسبة لتفاصيل هذه الخدمة مالياً، فالعداد يبدأ بالحساب انطلاقا من درهم واحد و60 سنتيما (مع زيادة 50 % ليلا)، بينما السعر الأدنى لأية رحلة هو 5 دراهم. يحتسب العداد 30 سنتيما عن كل مئة متر أو عن كل دقيقة توقّف. للزبائن شكاوى ولأنه أكثر وسائل النقل استعمالا، فأكيد أن لمستعمليه انتقادات وملاحظات وتحفظات، استقينا بعضها منهم، حيث قال لنا محمد، "شخصيا أعاني من مشكلة كبيرة جدا تتمثل في رفض الكثيرين من سائقي الطاكسيات حملي أنا وأسرتي لأننا ثلاثة أشخاص/ هذا بالنسبة لهم ضياع للوقت والمال، فهم يفضلون أن يحملوا أكثر من زبون في الرحلة الواحدة كي يستطيعوا الربح أكثر، بينما وجود ثلاثة أشخاص يمنعهم من ذلك". وبتذمر يضيف محمد: "يستعملون طرقا ذكية في رفضهم هذا طبعا، ولا يُعلنونها بشكل مباشر، فمنهم من يتظاهر بعدم رؤيتي، ومنهم من يشير لي بأنه ذاهب للغذاء أو الصلاة أو ما شابه، بل إن بعضهم قد يغير مسار طريقه إن لاحظ وجودي من بعيد". يحدث هذا في الأيام العادية، أما في أيام الذروة، خصوصا فصل الصيف، فمن المتعارف عليه لدى الطنجاويين أن إيجاد طاكسي شاغر لثلاثة أشخاص هو من رابع المستحيلات، ولا أحد يفكر حتى في المحاولة. حالات بعض الطاكسيات الميكانيكية كانت محط شكوى زبائن آخرين الذين اعتبروا أنه من العار أن تتجول سيارات من هذا النوع بالمدينة، حيث قال لنا أيمن إنه فوجئ يوما بسائق التاكسي يشعل قداحة كي يقرأ العدّاد المحدّد لسعر الرحلة. "حالة السيارة الميكانيكية كانت في حالة يرثى لها وتعاني اهتراءً شديدا، وشعرت أن السائق يبذل مجهودا كبيرا ليستطيع السيطرة على مقودها، وعلى مسارها عموما، كان هذا قبل أن أكتشف أنه لا وجود للأضواء الداخلية وأن صاحبنا يستعمل قداحة لقراءة العدّاد"، يوضح أيمن. بين جشع البعض وقلة أدب البعض الآخر وخداع آخرين، تنوعت المشاكل التي حكاها لنا الزبائن، فهناك سائقون يطيلون الرحلة عمدا كي يسجل العداد سعرا أكبر، وهناك من يتعاملون بوقاحة ويستعملون ألفاظا بذيئة حتى مع الزبونات، وهناك من أخذ حاجيات تركها زبائن لنفسه بدل تسليمها لقسم المفقودات بمصلحة الديمومة. وللسائقين أيضا شكاواهم من جانبهم، عبر العديد من سائقي الطاكسيات عن الإكراهات التي يعانون منها بشكل يومي على أكثر من صعيد، فمشاكلهم لا تتوقف عند ما يحدث مع الزبائن، بل تتعداها إلى مشاكل ميكانيكية قد تعانيها السيارة، ومشاكل مع صاحب المأذونية، وأخرى مع شرطة المرور. ولعل على رأس المشاكل التي يعانيها السائقون، مشكل ما يعرف في أوساطهم ب"الريسيطا"، وهو المبلغ الذي ينبغي أن يدفعه السائق يوميا إلى صاحب المأذونية الذي يشتغل عنده، ويتراوح بين 150 درهما و200 درهم في فترة الصباح، وبين 200 و400 درهم في المساء، بحسب الفصل وبحسب رغبة صاحب المأذونية نفسه. هذا المبلغ، حسبما صرح لنا عدد من السائقين، هو إجباري، سواء استطاع السائق أن يحقق دخلا أم لا، وعند سؤالنا عن طريقة تدبير الأمر في حالة لم تصل الأرباح إلى المبلغ المطلوب، أجابنا أحد السائقين "والله إننا نضطر لإكمال المبلغ من جيوبنا. فهم يشترطون علينا منذ اليوم الأول هذا؛ أي إنهم يخبرونك بالمبلغ الذي يطلبون منك إحضاره بشكل يومي، وما عليك إلا العمل بشكل محموم لتترك لنفسك هامش ربح، وإلا ستضطر لإكماله من جيبك". ويواصل السائق ذاته موضحا أكثر، "الزبائن يلوموننا على أشياء كثيرة وهذا من حقهم، لكنهم لا يعرفون ما نعانيه. فمسألة حمل الزبائن الثلاثة بالنسبة لنا مكلفة جدا وقد نؤدي ثمنها من جيوبنا. أخلاقيا، نعرف أن ذلك ليس صحيحا، لكن هذا ينبغي أن يقال لصاحب المأذونية وليس لنا، ناهيك طبعا عن عشرات الخروقات التي نضطر لارتكابها بشكل يومي ونحن نسارع الزمن لنكمل الريسيطا للباطرون". عبد السلام، صاحب مأذونية، صرّح لنا أنه من الصعب جدا التعامل بطريقة تقاسم الأرباح مع السائقين، لأن ذلك يفتح الباب واسعا لبعضهم من أجل السرقة في وقتٍ يستحيل معه مراقبتهم. "نضطر لفرض الريسيطا حماية لأنفسنا من بعض السائقين"، يشرح عبد السلام، "لكن البعض يتمادي ويفرض مبالغ شبه خيالية مستغلا حاجة السائقين ومسألة الطلب التي تفوق العرض، ربّما ينبغي على السلطات أن تتدخل في هذه المسألة بقانون واضح". طرائف وأمانة الطرائف التي تقع لسائقي الطاكسيات هي بالمئات ويصعب حصرها. لكن، لعلّ أشهر قصة يتداولها الشارع الطنجاوي هي حكاية السائق المسنّ الذي أوقفه أحد الزبائن، ليلاً، وسأله إن كان متوجها إلى أحد الأحياء بالمدينة. وعندما أجاب السائق بنعم، اعتقد الزبون أن الإجابة كانت هي النفي فأقفل الباب. المشكلة أن السائق المسنّ، ذو النظر الضعيف، اعتقد أن الزبون قد ركب معه، وعندما وصل لوجهته طلب من الزبون النزول، لكنه لم يتلق سوى الصمت كجواب، فكرّر الطلب ليجد الإجابة نفسها. وعندما استدار وجد المقعد فارغا فصُعق معتقدا أن الأمر يتعلق بجنّي أو ما شابه، ففتح باب سيارته وانطلق لا يلوي على شيء تاركا الجمل بما حمل. أما أشهر حكاية في الأمانة فهي قصة إعادة أحد السائقين لمبلغ 10 ملايين سنتيم لصاحبها، الذي كان قد تركها في المقعد الخلفي داخل كيس بلاستيكي. السائق حملها وتوجه نحو مصلحة الديمومة ليجد صاحبها هناك وهو يكاد يجنّ، خاصة أنه لم يكن يتذكر رقم السيارة ولا مواصفات صاحبها، ولم يصدق أن الأمانة قد تدفع أحدهم لفعل كهذا. يحلّ "التشيكو" الكثير من مشاكل الطنجاويين في التنقل، ويوفر لهم وسيلة نقل مقبولة من جميع النواحي، لكنه، طبعا، يحمل معه عشرات المشاكل اليومية والإكراهات التي لا ينجو منها حتى سائق التاكسي نفسه، الذي يبقى- أحيانا - الحلقة الأضعف في المنظومة كلها في قطاع يشوبه الكثير والكثير جدا من الفوضى.