خرج المغاربة مرة أخرى إلى الشوارع فأثبتوا فعلا أنهم شعب عظيم يستحق بجدارة كل التقدير والاعتزاز، مئات الآلاف من الشباب والنساء والشيوخ يجوبون المدن والقرى مع غياب تام للشرطة وقوات الأمن، شكرا للسلطات على هذه الهدية الثمينة، شكرا لأنها أعطت هذه الفرصة لشعبنا العزيز لكي يثبت أن له من الرقي والذوق الحضاري مايجعله في مصاف شعوب الدول المتقدمة، وأنه لم يكن يستحق الضربات التي نزلت عليه مكسرة ومهشمة في كل المحطات كلما رفع صوته مطالبا بحقه، لم يكن يستحق السجون، لم يكن يستحق الإهانة و"الحكرة".. هاهو شعبنا العزيز يقف بسلام وثبات لكي يبرهن للملك مرة أخرى أنه شعب يستحق التكريم والافتخار، وأن مايروجه المغرضون والمتملقون من أن المتظاهرين مجموعة من المتطرفين والمخربين مجرد كذب وتزوير. شكرا للمغاربة، أحفاد طارق بن زياد وابن تاشفين وعبد الكريم الخطابي، مغاربة أثبتوا أنهم كبار رغم كل ماتعرضوا له من تفقير وإهانة وعزل طوال خمسة عقود من الزمن، سياسات تدميرية أورثتنا الكراهية والتمزق والهجرة والغرق والأمية والدعارة... ورغم كل ذلك لم يعجزوا عن الخروج إلى الشوارع من أجل كلمة حق صادقة، ويرفعوا مطالبهم المشروعة بأرقى أشكال الاحتجاج السلمي، بدون عنف ولاتخريب ولاانتقام ولاغضب متهور..ماذا ننتظر أكثر من هذا ياترى ؟ إنه شباب استثنائي أبدع أغنيته الجميلة، التي ستظل تتردد في الآفاق: "الشعب يريد إسقاط الفساد، والشعب يريد تغيير الدستور، والشعب يريد ويريد ويريد.."، وإذا أراد الشعب استجاب القدر.. في مدينة أكادير صنع شباب سوس العالمة مجدا جميلا، درسا جديرا بالتأمل والنظر، وذلك عندما قطعت مسيرتهم حوالي عشر كيلومترات ولم تسجل أدنى حادث، أي تميز هذا جعل هؤلاء بهذا القدر من الفهم والمسؤولية في غياب تام للشرطة وقوات الأمن. إننا بالفعل نعيش مرحلة جديدة من تاريخ المغرب تختلف تماما على ماكنا نعرفه قبل العشرين من فبراير، أعرف أنها حقيقة عصية عن الاستيعاب، لكنها حقيقة، حقيقة مغرب يريد أن يستأنف طريقه بعد توقف دام عقودا طويلة، نزل فيه القدر ووقع المحذور الذي نبه إليه الأمير عبد الكريم الخطابي رحمه الله، قبيل فرض أول دستور ممنوح عام 1962، حيث رفع الرجل صوته منذرا: "أوجه ندائي إلى الشعب المغربي كله، في قراه وحواضره وبواديه، أن يتنبهوا للخطر الماحق الذي يهددهم عن طريق هذه اللعبة المفضوحة، فليس هناك دستور بالمعنى المفهوم للدساتير، وإنما فقط هناك (حيلة) ولاأظن ستنطلي عليهم.. فقد شاهدوا مثيلات لها فيما مضى". انطلت الحيلة ياعبد الكريم، ودفع الأجداد والأباء ثمنها من كرامتهم وحريتهم ومعاشهم، وهانحن في قاعة الانتظار نتفرج على اللعبة التي تغير ألوانها بين الفينة والأخرى. وهاهي رسالتنا تصل اليوم عبر ربوع المغرب الحبيب مدوية ولامعة براقة مثل نجم ساطع في الأفق، وهاهو ذا الشعب العظيم ينتظر الجواب على أحر من الجمر، جواب يعلن القطيعة مع الماضي، وينادي: حي على المستقبل، مستقبل التوافق والحرية والكرامة. *صحفي مغربي مقيم في الدوحة