على ضوء الخطاب الملكي ليوم 9 مارس 2011،والذي أعطى الخطوط العامة للإصلاح العميق للوثيقة الدستورية بالمغرب،والتي كانت أولها التنصيص على التعدد الثقافي بالمملكة والاعتراف الرسمي بالأمازيغية،سأتناول باقتضاب أهم تطورات النظام الدستوري المغربي وموقع اللغة والثقافة فيها.هذا،وبعد عقد المغرب لجملة من الاتفاقيات مع الجمهورية الفرنسية في 2 مارس 1956،تم إلغاء نظام الحماية الذي كان سائدا بالمغرب منذ 1912 ،رغم بقاء بعض الأجزاء من التراب المغربي محتلة من طرف اٍسبانيا،.وقد عرفت فترة مابين حصول المملكة المغربية على استقلالها حتى سنة 1962،مجموعة من التفاعلات السياسية أفرزت نظاما دستوريا مغربيا ،كانت أهم مميزاته المحافظة على النظام الملكي الذي كان سائدا قبل دخول الحماية الأجنبية وأثناءها،عكس بلدان أخرى بشمال إفريقيا كالجزائر وتونس التي اندثارا للأنظمة السياسية التي كانت سائدة قبل الحماية،وهو ما جعل البنية السياسية المغربية تتفرد منذ ذلك الوقت.ولفهم تطور النظام الدستوري بالمغرب يجب التمييز بين مرحلة ما قبل إقرار الملكية الدستورية،ومرحلة ما بعد دستور 1962. المرحلة ما قبل الدستورية تميزت فترة ما بعد الاستقلال بإنشاء مؤسسات ،و إقرار قوانين كان الغرض منها ،الإعداد لإقرار نظام دستوري بالمغرب وتجلت هذه المؤسسات أسلاس في: * المجلس الوطني الاستشاري: أنشئ بظهير ملكي صادر في 3 غشت 1956 ،وكان المجلس حسب الظهير المنظم ،يمثل الرأي العام الوطني ومختلف الهيئات السياسية و الثقافية ،ويتكون من 76 عضوا معينون أو مختارون من طرف الملك، وكانت اختصاصات المجلس مجرد اختصاصات استشارية، إذ لم تكن له صفة تشريعية ولا تقريرية ،و انتهت مهمة هذا المجلس في 23 يوليوز 1959 . * العهد الملكي : جاء العهد الملكي على شكل خطاب وجهه العاهل الراحل محمد الخامس إلى المغاربة، حيث وضع خطة زمنية لإنشاء المجالس البلدية و القروية، والمجلس الوطني التشريعي المنبثق عن المجالس المنتخبة، وكذا إنشاء مجلس وطني منتخب عن طريق الاقتراع العام المباشر في مرحلة لاحقة. * إصدار قانون الحريات العامة: يعتبر إصدار قانون الحريات العامة في 15 يوليوز 1958 ،خطوة نحو إعداد نظام دستوري بالمغرب ،ويتكون هدا القانون من ثلاثة ظهائر تنظم حق تأسيس الجمعيات وعقد التجمعات العمومية ،إضافة إلى إصدار الصحافة ، كما تجدر الإشارة إلى صدور قانون اللامركزية المحلية في نفس الفترة تقريبا. * مجلس الدستور: أعلن العاهل الراحل محمد الخامس في 26 غشت 1960 ،عن تأسيس المجلس الدستوري الذي يتكون من أعضاء يمثلون رجال القانون، والقضاء، والدين، والعلم، وممثلين عن هيئات وطنية وشخصيات أخرى. وأوكل إلى المجلس إعداد دستور للمملكة قبل دجنبر 1962 ، ووضع الظهير المؤسس للمجلس الإطار العام للدستور في : احترام مبادئ الإسلام، مراعاة الطابع الخاص للمغرب ، إحداث مؤسسات ديمقراطية، الالتزام بنطاق الملكية الدستورية. وقد انتخب علال الفاسي رئيسا للمجلس، إلا أن أعمال المجلس توقفت بسبب خلافات رئيسه مع أعضاء المجلس وخلافات أخرى أخرى داخل حزبه،أي حزب الاستقلال. وعلى ما يبدو فقد كان بالإمكان أن يكون هذا الدستور المنبثق عن المجلس أكثر ديموقراطية من حيث الشكل أو المضمون، كونه سيصدر عن ما يشبه مجلس تأسيسي.كما أنه كان بالإمكان أن يكون أكثر إنصافا للغة الأمازيغية و للأمازيغ كون مبادئه العامة لا تحدد اللغة الرسمية للدولة في العربية ،كما لا تنص على انتماء المغرب إلى الوطن العربي. * القانون الأساسي للمملكة : بعد وفاة الراحل محمد الخامس ، بويع ولي عهده الحسن الثاني ،الذي أصدر في 2 يونيو 1961 القانون الأساسي للمملكة المكون من 17 فصلا ،يضم أسسا دستورية اعتمدتها الدساتير اللاحقة ،و تتمثل أهم هذه الأسس في : الإسلام دين الدولة الرسمي، اللغة الرسمية للبلاد هي اللغة العربية ، متابعة الكفاح لاستكمال الوحدة الترابية ، كفالة الحريات العامة و الخاصة ، أن يستهدف النظام الاجتماعي تحقيق العدالة الاجتماعية ورفع مستوى المعيشة ، خارجيا : التشبث بعدم التبعية ،و بمؤتمر باندونغ ،والجامعة العربية ، و الوحدة الأفريقية . من الظاهر أن القانون الأساسي للملكة لسنة 1961، تراجع كثيرا عن مكتسبات مبادئ المجلس الدستوري لسنة 1960 ،حيث ينص القانون على ترسيم اللغة العربية لوحدها ،وكدا على تشبت المغرب بالجامعة العربية وهو ما يعني إقصاء اللغة الأمازيغية. المرحلة الدستورية * دستور 14 دجنبر 1962 تم إعداد دستور 1962 ،تحت إشراف الملك الراحل الحسن الثاني، وحصل على أغلبية قوية عند عرضه على الاستفتاء، و يتكون هذا الدستور من تصدير و 12 بابا، وفي المجموع 110 فصول. وفي تصديره نجده ينص على أن : المملكة المغربية دولة إسلامية ، اللغة الرسمية هي العربية ، الانتماء إلى المغرب الكبير و السعي نحو الوحدة الإفريقية الموافقة على مبادئ ميثاق الأممالمتحدة . ونص بابه الأول على أن الحكم بالمغرب هو نظام ملكية دستورية ديمقراطية، وعلى أساس الدستور الجديد جرت أول انتخابات تشريعية سنة 1963، لم تدم تجربتها البرلمانية سوى سنتين حيث أعلنت حالة استثناء في سنة 1965. ما يثير الانتباه في دستور 1962،هو اقتصاره على ذكر مصطلح المغرب الكبير ،وهو ما يعتبر تقدما على الدساتير اللاحقة التي تستعمل مفهوم المغرب العربي، و هو ما يعتبر تكريسا لتهميش الأمازيغية. * دستور 24 يوليوز1970 قام الملك الحسن الثاني بوضع دستور للمملكة سنة 1970 ،بعد خمس سنوات من حالة الاستثناء ،وأهم ما ميز الدستور الثاني عن سابقه: تقوية السلطات الملكية ، إذ أصبح بإمكان الملك ممارسة السلطة التنظيمية . التقليص من سلطة البرلمان حيث أصبح يتكون البرلمان من مجلس واحد ، تخفيض سلطة الحكومة. *دستور 10 مارس 1972 تم إصدار دستور جديد سنة 1972، لم يتم العمل به إلا سنة 1977 . *المراجعات الدستورية لسنة 1980 ، 1992 و 1996 عرف دستور 10 مارس 1972 ثلاثة مراجعات حتى يومنا هذا. وقد شملت مراجعة 23 ماي 1980 تمديد الولاية البرلمانية من أربع سنوات إلى ست سنوات . أما المراجعة الدستورية لسنة 1992 فقامت بإعادة العلاقة بين الجهاز التنفيذي ( الحكومة ) والجهاز التشريعي ( البرلمان ) ،كما أنشئت مؤسسات دستورية جديدة، كما أن هذه المراجعة تضمنت الإقرار والتشبث بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا . أما المراجعة الدستورية لسنة 1996 ،فقد أحدثت غرفة ثانية بالبرلمان هي مجلس المستشارين وإعادة النظر في التقسيم الإداري للمملكة. *باحث في علم السياسة