حين اهتزت الأرض تحت أجسام السكان النائمين في أقاليم الحسيمة والناظور ومعهما تازةوالحسيمة وتاونات وتطوان، هرع المواطن تلقائيا لمصادر الأخبار لعله يعرف ما الذي يجري حوله، وفي المناطق القريبة. انتظر المواطنون بيانات من الجهات المسؤولة لمعرفة ما يجري، لكن وبعد مضي ساعات من الصمت والغموض، ومع تكرار الهزات الارتدادية، التجأوا إلى القنوات البديلة: الإنترنت والقنوات الأجنبية. سكان مليلية المحتلة الذين تأثروا بالهزات اعتمدوا كالعادة على القنوات المحلية والأندلسية التي عبأت طواقم صحفية لمتابعة الأحداث أولا بأول. بالمقابل ظل الجانب المغربي بدون تغطية من القنوات العمومية لنقل الوقائع. وهذا فتح الباب على مصراعيه لشبكات التواصل الاجتماعي التي يبدو أن البعض استغلها لترويج أكاذيب ومغالطات، واختلاق حوادث غير حقيقية. هذه الواقعة، إضافة إلى الاحتقان الذي رافق قبل أسابيع التحركات والاحتجاجات على المرسومين المتعلقين بالأساتذة المتدربين، أظهرا الحاجة الماسة أكثر من أي وقت مضى، إلى إعادة الحياة لمشروع القناة الإخبارية الوطنية. ربما لم يستوعب المسؤولون بعدُ خطورة الفراغ الزمني الذي يمضي قبل الوصول إلى مواعيد النشرات الإخبارية في القناتين الأولى والثانية، والتي بطبيعتها لا تستطيع استيعاب كافة الأخبار والملفات المطروحة وطنيا وإقليميا ودوليا. لقد شاهدنا في عام 2015 كيف تخلف الإعلام الرسمي عن مواكبة الفيضانات الجارفة التي ضربت مناطق متعددة في جنوب المغرب. وبما أن الطبيعة تخشى الفراغ، فقد تولى المواطنون والناشطون عمليات التغطية بكاميرات هواتفهم المحمولة ونشرها على شبكات التواصل الاجتماعي التي يبدو أنها وفرت قدرا من المحتوى الإخباري الخام، الذي وإن لم يشف غليل المواطنين والرأي العام، فإنه على الأقل قدم قدرا معينا من الصور عما كان يجري. حينما تحدثت الحكومة المغربية قبل بضع سنين عن مشروع قناة إخبارية متخصصة، قد استبشر المتتبعون خيرا، وتوقعوا أخيرا أن يجد المغاربة تلفزة تصالحهم مع أخبار بلدهم، وتقدم صورة حقيقية لما يشهده من إنجازات وإكراهات. لكن مضت السنوات، وتوارت البشرى خلف خيبة الأمل، ليستمر المواطن في الاضطرار للاعتماد على القنوات الأجنبية في المتابعة السريعة لأخبار بلده، علما بأن معالجة هذه القنوات لا تكون دائما دقيقة وعميقة وكافية ومحايدة، إما بسبب جهل الصحفيين العاملين فيها، أو نظرا لصور نمطية معينة عن المغرب، أو ببساطة لأن الخبر المغربي لا يشكل إلا جزءا يسير من نشرات أخبارها التي تعج بمواضيع دولية أخرى أكثر أهمية. لم يعد أحد معذورا بجهله لأهمية امتلاك آليات الإخبار والتواصل الفوري مع المواطنين في بلد يريد حكامه انتهاج سياسة القرب. ولو نظر المسؤولون المغاربة حواليهم لوجدوا أن الجارة الشمالية إسبانيا تعج بالقنوات الاخبارية الجهوية والوطنية، والشيء نفسه ينسحب على فرنسا، فلماذا نشكل نحن الاستثناء. كما أنه لا يمكن التذرع بحاجة المغرب إلى الأطر الصحفية والتقنية المؤهلة، بعد أن أصبح الإعلاميون والفنيون المغاربة يعملون في غالبية المحطات الإخبارية العربية والدولية وبمختلف اللغات. لقد مضت أربعة أعوام على تشكيل حكومة ما بعد اعتماد دستور 2011، ولا يمكن للمغاربة أن يستمروا في الافتقار إلى من ينفذ حقهم الدستوري في المعلومة والخبر الذي يهمهم. أما الاعتقاد بأن "كم حاجة قضيناها بتركها" أو بتأجيلها، فستكون له تداعيات أسوأ. فإما أن نملأ الفراغ بمشروع إعلامي وطني مسؤول ومهني، وإلا فإن الظروف الأكثر حرجا لن ترحم تأخرنا. * صحفي مغربي مقيم في بريطانيا