لعل أي متتبع لواقع الكرة المغربية من خارج البلاد سيربط التخبط الكبير والنتائج السلبية والنكسات المتوالية التي تضرب اللعبة في جميع المسابقات المتعلقة ب"الساحرة المستديرة"، بضعف الإمكانيات أو ضعف الميزانية المخصصة لتطوير هذه الرياضة والنهوض بها، حتى ترقى إلى مستوى الدول الإفريقية، قبل التطلع لمستويات "القارة العجوز". غير أن الحقيقة المرة هي أن ما تتميز به الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم من امتيازات تجعلها أحد أغنى المؤسسات الرياضية في المغرب، الشيء الذي يؤكد بالملموس ضعف و"عجز" هذه الأخيرة عن وضع اليد على مكامن الخلل، والشروع في وضع خارطة عمل لإصلاحها وتقويتها، مكتفية برفع سلم الأجور والمنح، حتى أصبحت ال FRMF ملاذا لكل من يطمع في الاغتناء بأسرع الطرق. وبعد مرور قرابة السنتين على تنصيب فوزي لقجع، رئيسا للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، لم تتغير الأوضاع كثيرا، لتستمر الإخفاقات، بإقصاء منتخبات أقل من 17 سنة، أقل من 20 سنة، أقل من 23 سنة، من إقصائيات كؤوس إفريقيا، إضافة إلى إقصاء المنتخب المحلي من الدور الأول في "الشان"، ناهيك عن المشاكل العديدة التي يواجهها المنتخب الأول في حجز مكان له في كأس إفريقيا المقبلة، وتأهله للدور النهائي في تصفيات كأس العالم 2018 ب" دْعَاوي الوالدين"، دون الحديث عن مستوى الأندية الوطنية مقارنة مع نظيراتها الإفريقية. أموال طائلة مقابل "الأصفار" لم تغير الأموال الطائلة التي تصرف على الكرة المغربية من قبل جامعة كرة القدم، شيئا من الواقع المرير الذي تعيشه اللعبة، إذ أن المنتخبات الوطنية والأندية لا زالت عاجزة عن مقارعة المنتخبات والأندية الإفريقية، التي تطورت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة على جميع المستويات، تكتيكيا، بدنيا وتقنيا، وكونت أجيالا جديدة قادرة على مواصلة التألق على غرار الأجيال السابقة. أموال الجامعة "المبعثرة" يمينا وشمالا لم تركز على تقوية نقاط الضعف في الكرة المغربية عبر الاهتمام أكثر بالأجيال الصاعدة وتفعيل دور مراكز التكوين، ودفع الأندية الوطنية للاستثمار أكثر في تكوين لاعبين بمواصفات احترافية، والأهم تكوين الأطر التي ستمرر كل ذلك للشبان والأجيال القادمة، مكتفية برصد هذه الأموال للتجمعات الخاصة بالمنتخبات الوطنية والمنح والمكافآت، مقابل تخصيص جزء بسيط للقاعدة و"الساس". ملايين توزع على الجميع مقابل تأهل إلى نهائيات بطولة إفريقيا "الشان" ووعود بصرف مكافآت خيالية في حال العودة ب"اللقب"، الذي ما كان ليعود بأي إيجابيات على الكرة المغربية، في وقت تعيش فيه الأندية الوطنية أزمات متتالية، ترمي بها إلى "مستنقع" البحث عن اللاعب الجاهز، ليغيب مع ذلك التكوين و"تُقتَل" عوض أن تصقل مواهب الشباب، ويضيع "الحلم" بالإنجازات على مستوى الأندية، التي لم تنجح في رفع دوري الأبطال منذ 17 سنة (آخر كأس لأبطال إفريقيا حملها الرجاء البيضاوي سنة 1999). رواتب خيالية لأطر "عاجزة" وفي الوقت الذي يَتلقّف فيه عشاق كرة القدم شتى أنواع الأمراض "القلب، السكري، الأعصاب.. إلخ "، وهم يتابعون مردود الأندية الوطنية والمنتخبات على المستوى القاري، وما يجنونه من وراء ذلك من خيبات أمل، تكون الأطر المشرفة على ممثلي كرة القدم الوطنية، منشغلة ب"غرف" ما استطاعت من "أموال الشعب"، دون أدنى اهتمام لواقع كرة، ضمنت لهؤلاء دخلا شهريا. فما بين 130 مليونا سنتيما رواتب شهرية، خاصة بالطاقم التقني للمنتخب الأول، ونصفها تقريبا لمنتخب اللاعبين المحليين، وعشرات الملايين الأخرى، التي توزع على أعضاء الإدارة التقنية الوطنية ومدربي الفئات السنية للمنتخبات، وأطقمهم المساعدة والطبية والمعدين البدنيين ومدربي حراس المرمى، إضافة إلى بعض "الخبراء" الأجانب، تكون الجامعة المغربية ملزمة بصرف ما يقارب 300 مليون سنتيما شهريا، دون احتساب العديد من المصاريف المتفرقة الأخرى والتي قد تفوق الرقم المذكور بكثير. والغريب في الأمر، أن التغيير الوحيد الحاصل بين جامعة لقجع واتحاد الفهري هو أن المبالغ المالية الضخمة التي توزع شهريا، غالبا ما كانت تصرف في حقبة الجامعة الماضية للأجانب، في وقت عكفت جامعة لقجع على "مغربة" مجموعة من المناصب، إلا أنهما ارتبطا في صفة واحدة فقط ألا وهي "العجز". تبذير المال العام بعيدا عن "الكرة" لم تكتف جامع الكرة في المغرب بالتلويح في أكثر من مناسبة بتوفيرها لكل سبل الراحة والأمان وما إلى ذلك للمنتخبات الوطنية، من طائرات خاصة ومعسكرات في فنادق فخمة وأطنان من الأكل، بل امتد "كَرمُها" إلى تخصيص ميزانية مهمة للقيام بمجموعة من المبادرات التي لن تخدم كرة القدم في شيء. أول مظاهر التبذير أو ما ظهر منها كان "قضية" منح 300 مليون سنتيما لإذاعة وطنية خاصة، بغية تكفلها بتنظيم دوري لكرة القدم في بعض المناطق جنوب المملكة، متجاوزة دور العصب ومجموعة من المؤسسات التابعة لها، والتي كانت أولى بذلك وبتكلفة أقل بكثير من 3 ملايين درهما. ثاني المبادرات التي غرفت أيضا من حقيبة الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم الشيء الكثير، هي تنظيم مباراة دولية ودية في مدينة العيون، شارك فيها عدد هائل من النجوم الدوليين السابقين في إفريقيا وأوروبا وأمريكا الجنوبية. ابتعدت الجامعة كثيرا من خلال كل ما ذكر عن دورها الأساسي في تطوير ما يمكن تطويره في رياضة أحبها المغاربة بشغف، قبل التفكير في مثل تلك المبادرات التي كان أولى بجهات أخرى التكفل بتنظيمها وتمويلها، وفي خضم كل ذلك يبقى التساؤل..ألم يحن الوقت لتقلص الجامعة من مصاريفها بعد كل هذه الإخفاقات؛ ما إن لم تعرف الطرق الصحيحة لصرفها؟ * لمزيد من أخبار الرياضة والرياضيّين زوروا Hesport.Com