بيانات "همم".. تُبارِك جرائم التشهير "الصديقة" وتَبتغي وأد الفضائح الجنسية    فتح أبواب قباضات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بشكل استثنائي يومي السبت والأحد القادمين    تداولات الإفتتاح ببورصة الدار البيضاء    توظيف مالي لمبلغ 1,6 مليار درهم من فائض الخزينة    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الأربعاء    المغرب يسجل أدنى مستويات المياه السطحية في إفريقيا خلال عام 2024    قمة متناقضة بين أ. الدشيرة المتصدر وأ. خريبكة المنبعث ولقاء ملغوم لاتحاد يعقوب المنصور أمام "الكاك"    حريق كارثي يُهجّر آلاف الأسر والسلطات الأمريكية تستنفر    تطوان: توقيف شخص بحوزته كميات كبيرة من المخدرات والمؤثرات العقلية    سلطات الحسيمة تشن حملة لتحرير الملك العمومي وتنظيم الفضاءات التجارية    عامل إقليم السمارة يشيد بأهمية النسخة الثامنة لمهرجان الكوميديا الحسانية    مولاي إبراهيم الشريف: مهرجان مسرح الطفل بالسمارة يعزز بناء جيل مثقف    بنسعيد: الدعم الاستثنائي للصحافة بلغ 325 مليون درهم خلال سنة 2024    منظة الصحة العالمية توضح بشأن مخاطر انتشار الفيروسات التنفسية    ترامب ينشر خريطة جديدة للولايات المتحدة تضم كندا    انطلاق معالجة أول عملية تصدير من مليلية المحتلة إلى المغرب    ديشان يستعد للعب "آخر مونديال"    باولو غيريرو يعتزل التنافس الدولي    نقابات الصحة تعلن إضرابا شاملا احتجاجا على التجاهل الحكومي وتدعو المواطنين لفهم تداعياته    "همم" تستنكر انتهاكات حرية التعبير وتطالب بتحقيق عاجل في حملات التشهير ضد الصحافيين والنشطاء    ارتفاع أسعار النفط وسط تقلص إمدادات    وزير الخارجية الفرنسي: عقوبات الاتحاد الأوروبي على سوريا قد تُرفع سريعاً    ترامب يطالب حلف "الناتو" بالسخاء    إسرائيل تقتل 51 شخصا في قطاع غزة    نجم موسيقى الستينيات "بيتر يارو" يرحل عن 86 عاما    "الصدفة" تكشف عن صنف من الورق العتيق شديد الندرة    تأجيل محاكمة إسماعيل الغزاوي إلى 15 يناير وسط دعوات حقوقية للإفراج عنه    منظمة الصحة العالمية: انتشار الفيروسات التنفسية عالميا لا يزال ضمن المعدلات الطبيعية لموسم الشتاء    كيوسك الأربعاء | الضريبة على السيارات: ما الذي سيتغير في عام 2025؟    كأس الرابطة الانجليزية.. نيوكاسل يقترب من النهائي بتغلبه على مضيفه أرسنال (2-0)    مغرب الحضارة آفة *" _التدخين ": كارثة على الأنفس والأموال ضررها أكثر من نفعها وجب إتخاذ القرار    إصابة داري وعطية الله تُربك الأهلي    أوجار يدعو الوزراء إلى النزول للشارع ويتحدث عن نخبة اقتصادية "بورجوازية" ترتكب جريمة في حق الوطن    ‮ ‬الوطني الذي‮ وافقه التاريخ في‮ أربع ‮!    العلمي وبوريطة يمثلان جلالة الملك في حفل تنصيب رئيس غانا الجديد    توقعات مديرية الأرصاد لطقس اليوم الأربعاء    زلزال شيتسانغ بالصين: تواصل جهود الإنقاذ    الدرك الملكي بخميس متوح يحجز 420 لترا من مسكر ماء الحياة بضواحي أم الربيع    محكمة طنجة تُدين طبيبًا ومساعدًا في قضية اختلاس أدوية وبيعها    الدعم الاستثنائي الموجه لقطاع الصحافة والنشر سينتهي في شهر مارس المقبل بعد تفعيل المرسوم الجديد ذي الصلة (بنسعيد)    العلمي وبوريطة يحضران حفل تنصيب رئيس غانا الجديد    مواجهة تفشي بوحمرون يجمع مسؤولي الصحة والتعليم بالحسيمة    وزير الاستثمار: 48 مشروعا استفاد من المنحة الترابية للأقاليم الأقل تنمية    ارتفاع حصيلة زلزال التيبت إلى 126 قتيلا    فتح فترة التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1447 ه    وفاة الرمز التاريخي لليمين المتطرف في فرنسا عن 96 عاما    بعد الفراغ السياسي في كندا.. مطامع أمريكية بضم البلاد إلى ولاياتها    محمد بنشريفة مدرباً جديداً للمغرب التطواني    المغربي بوعبيد يعزز صفوف "صحم"    1,5 مليار درهم قيمة الاستثمارات الأجنبية في السينما بالمغرب    دراسة: الحليب لا يفرز البلغم عند الإصابة بنزلات البرد    كلية الآداب بتطوان وجماعة العرائش يوقعان اتفاقية إطار للتعاون    بنسعيد يستعرض دواعي مشروع قانون حماية التراث    وزارة الأوقاف تعلن موعد فتح تسجيل الحجاج لموسم حج 1447ه    الأوقاف تعلن عن فتح تسجيل الحجاج إلكترونيا لموسم 1447 هجرية    مدوّنة الأسرة… استنبات الإصلاح في حقل ألغام -3-    تفاصيل انتشار فيروس يصيب الأطفال بالصين..    بنكيران: الملك لم يورط نفسه بأي حكم في مدونة الأسرة ووهبي مستفز وينبغي أن يوكل هذا الموضوع لغيره    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الجرموني: مراكش وفاس ووجدة وأكادير بؤر للعنف الجامعي
نشر في هسبريس يوم 29 - 01 - 2016

عادَ العنف داخل الجامعات المغربيّة ليضربَ بقوّة بحْرَ الأسبوع الماضي، بعد أنْ أوْدتْ مواجهاتٌ بينَ طلاب داخل الحرَم الجامعي بمدينة أكادير بحياة أحد الطلبة، فيما جُرحَ آخرون؛ وبعْد أربعة أيامٍ من هذا الحادث، شهدتْ مدينة مراكش مواجهات ضارية بين طلاب بالقرب من كليّة الآداب والعلوم الإنسانية، أسفرتْ عنْ إصابة طالبٍ بجروح خطرة استدعتْ خضوعه لعملية جراحية، فيما أصيب طلاب آخرون بجروح متفاوتة الخطورة.
العُنفُ داخلَ الجامعات المغربيّة أضحى يطرحُ أكثرَ من علامة استفهام، خاصّة وأنَّ المكان الذي تدورُ فيه رحى هذه "المعارك" يُفترضُ أن يكونَ فضاءً لمطارحة الأفكار ومُواجهة الرأي بالرأي، لا بالعصيّ والسلاسل الحديدية والأسلحة البيضاء والحجر.. فما هي أسبابُ العنفِ داخل الجامعة المغربية؟ وهلْ يعكسُ هذا العنفُ أحدَ أوْجُه فشل النظام التعليمي المغربي؟ وما السبيل للقطْعِ مع هذه الحوادث التي لا تشرّفُ الجامعة المغربية؟
انعكاس للعنف المجتمعي
بالنسبة لرشيد الجرموني، أستاذ علم الاجتماع في سلك التعليم العالي، فإنَّ العنْفَ الممارَس داخل أسوار الجامعات المغربية ليس سوى إفرازٍ لما يمُورُ في المجتمع المغربيّ بشكل عامّ، وهُوَ تجلٍّ لعَطب في التنمية، وانعكاس لفشل المشروع التربوي المغربيّ، وافتقار الجامعات المغربية إلى بِنية استقبالٍ توفّرُ الشروط القمينة بضمان الراحة للطلاب، ومساعدتهم على الدراسة، ويُلخّصُ الجرموني وضعية الجامعة المغربيّة في تسميتها ب"السجن الكبير".
ثمّة أسباب أخرى، يرى الجرموني أنّها تؤجج العنفَ داخل الجامعات المغربية، وعلى رأسها أسلوب التعامُل مع الطلاب، بحيثُ إنَّ وزنَ الطالب داخلَ الجامعة يُقاسُ بالنقطة التي يحصل عليها فقط، دونَ إيلاء أهميّة لجوانبَ أخرى من هذا الكائن بصفته إنسانا قبل كل شيء، ويجري ترجمةُ هذا "التهميش" إلى عُنف حين يفشل الطالبُ في تلقّي المعرفة والتواصُل مع الأساتذة.
غيْرَ أنّ العُنفَ داخلَ أسوار الجامعات المغربيّة، والذي باتَ مثيرا للقلق، لا تنمو أسبابه فقط داخل الجامعات، بلْ إنّ جذوره تمتدُّ إلى الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها الطالب، فإذا كانتْ معاهد التعليم العالي، التي يدرس بها أبناء "الطبقة الراقية"، تنعدمُ فيها أعمال العنف، فإنَّ أعمال العنف تتمركزُ في الجامعات ذات الاستقطاب المفتوح، حيثُ يدرس أبناء الطبقة الفقيرة في الغالب.
ويُفسّر الجرموني سببَ أعمال العُنْفِ داخلَ الجامعات المغربية ذات الاستقطاب المفتوح، بكون الطالبَ الذي يدرس في هذه الجامعات يجدُ فيها متنفّسا ليصرفَ العُنفَ الذي يُمارَسُ ضده في المجتمع؛ ويضيف المتحدّث أنَّ العنفَ في الجامعات المغربية يُعبّر عن احتقان اجتماعي، وضعف التنميّة وهشاشتها، وحينَ ينتقلُ الطالبُ ليدرس في الجامعة لا يُخوّل له هذا الفضاء الجامعي التعبيرَ عن ذاته، ومن ثمَّ يُعيدُ إنتاج العنف الممارَس عليه في المجتمع.
تعبير عن احتقان اجتماعي خَطِر
يَطرحُ العنفُ المُمارَس في الجامعات المغربيّة سؤالا حوْلَ سبب عدم قدرة الجامعة على الرقيّ بسلوكيات الطلاب وتهذيبها، خاصّة وأنَّ المرحلة الجامعيّة تُعتبرُ قمّة الهرم التعليمي بالمغرب؛ وجوابا على هذا السؤال يقول رشيد الجرموني إنَّ ثمّة شروطا موضوعية ينبغي أنْ تتوفّرَ لتؤدّي الجامعة دورها كما ينبغي، وبما أنها غير متوفّرة، فذلك يجعل الجامعة عاجزة عن أنْ تصيرَ فضاء لتحسين سلوكيات الطالب.
وإذا كانَ ثمّة طلابٌ يمارسون العنفَ داخل الجامعات، فإنّهم، في المقابل، ضحايا عنفٍ رمزي يُمَارس ضدّهم، ويتجلّى، بحسب الجرموني، في التدبير البيداغوجيّ السيّئ، متمثلا في المُقرّرات الدراسية التي "تُفرض عليهم من الفوق"، ولا يُستشارون في وضعها، وبالتالي يجدُ الطالبُ نفسهُ "مُهمّشا".
ويوضّح الجرموني أنّ هذا "التهميش" الذي يطالُ الطالبَ، ينضافُ إليه عامل آخر يُساهمُ بدوره في تنامي العنف، وهو أنّ التعليمَ الجامعيّ يُذْكي في نفس الطلاب شعورا بفقدان الأمل من الترقّي الاجتماعي، في ظلّ تضاؤل فرص ولوج سوق الشغل بعد التخرج، ويتفاعلُ هذا العنف مع العنف الديني والإثني والإيديولوجي، فيتفاقم، ويُردف المتحدث: "الجامعة المغربية لا تربي الطلبة على السلوك المدني، هي جامعة للتلقين فقط".
بُؤَرٌ مشتعلة
لعلَّ ما يثيرُ الانتباهَ في العُنف المُمارس في الجامعات المغربيّة، هُوَ أنّ ثمّة جامعاتٌ تُعتبرُ "بُؤرا" لهذا العُنف أكثرَ من غيرها، وتُعتبرُ جامعات ابن زهر بأكادير، وجامعة القاضي عياض بمراكش، وجامعة ظهر المهراز بفاس، وجامعة محمد الأوّل بوجدة، المُربّع الذي تتشكّل منه هذه "البؤرة المشتعلة"، وفق تعبير رشيد الجرموني، ويشرح المتحدّث سبب ذلك بوجود عواملَ أخرى، تنضافُ إلى العوامل التي ذكرها سلفا، وعلى رأسها الصراعات الإيديولوجية والإثنية.
وتتشكّلُ أطراف الصراع داخلَ هذه الجامعات الأربع، في الغالب، من الإسلاميين واليساريين والصحراويين والأمازيغ. "الطلابُ الذينَ يقومون بأعمال العُنف، والذين همْ وقودُ العنف داخل هذه الجامعات، لهم (بروفايل) خاصّ، حيثُ يدخلون إلى الجامعة وهُم مشحونون بالعنف الذي تغذّيه خلفيّاتهم الإيديولوجية"، يشرح الجرموني، معتبرا أنَّ العنف داخل الجامعات المغربية هو أفقي وعمودي، يُمارَس بين الطلبة بعضهم البعض، ويُمارسُ من طرف الطلبة ضدّ الأساتذة والإداريين.
مقاربة تجزيئية واختزالية
في مقابلِ تنامي أعمالِ العنف داخلَ الجامعات المغربية، تعتمدُ الدولة مقاربة أمنيّة صِرْفة لمواجهة أعمال العُنف هذه، حيثُ يجري إرسال تعزيزات أمنيّة لفضّ الاشتباكات التي تُستعملُ فيها شتى أنواع الأسلحة، ويُحاكمُ مَنْ ألقيَ عليهم القبض، ويُطوى الموضوع؛ هذه المقاربة الأمنيّة الصّرفة، يُوازيهَا غيابٌ لأشكال التعبير السلميّ والتعايش داخل الجامعات المغربيّة، وَمِنْ أسباب ذلك، بحسب الجرموني، اضمحلال دور الفعاليات الثقافية داخل الجامعة المغربية، وفشل الجامعة في إنتاج المعرفة.
ويرى أستاذ علم الاجتماع أنَّ الدولة تعاملتْ بنظرة أمنيّة مع الجامعة المغربية منذ عهد الحسن الثاني، الذي لمْ يكنْ ينظر إليها على أنها فضاء علمي لإنتاج المعرفة، "بل مجالا لتفريخ الإسلاميين واليساريين"، هذه النظرة، يُضيف المتحدّث، أثّرتْ على نظرة المجتمع نحو الجامعة المغربية، ففيما كانَ الكثيرُ من الطلاب يتمنّونَ ولوجَ الجامعة لمتابعة دراساتهم العليا، أصبحَ غيرُ المحظوظين هم من يقصدون الجامعة.
الجرموني اعتبرَ أنَّ المقاربة الأمنية التي تنهجها الدولة إزاء العنف في الجامعات المغربية مقاربة تجزيئية واختزالية، لن تُجديَ نفعا، طالمَا لم يتمّ تفعيل الأدوار التربوية الأساسية للجامعة، وجعْلها فضاء لائقا لتلقيّ المعرفة، مُشيرا إلى أنّ الجامعة المغربية أضحتْ مجالا لسَجن الطلبة لمدة معينة، لتقول الدولة للمجتمع إنها تهتم بالتعليم الجامعي، "والحقيقة أنه ليست هناك أي نظرة تنموية للجامعة، من طرف الحكومات المتعاقبة، وحتى الحكومة الحالية لم تعمل على تفعيل الأدوار الحقيقية للجامعة وإعطائها إشعاعا حضاريا"، يقول أستاذ علم الاجتماع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.