تعالج هذه الدراسة مسالة العنف داخل الحرم الجامعي بالمغرب، ولقد تمت بمبادرة من المجلس الوطني لحقوق الإنسان وعمل المركز المغربي للعلوم الاجتماعية بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء على إعدادها.وأشرف عليها الأستاذ الجامعي محمد الطوزي بمعية مجموعة من الباحثين. عرفت الدراسة العنف ب: «كل شكل من أشكال العنف الجسدي والمعنوي في حق الطلاب والطالبات أو مستخدمي المؤسسات الجامعية من أساتذة و إداريين كيفما كانت الأسباب أو الدوافع». وقد اهتمت هذه الدراسة بالعنف المرئي، الذي يقع بين الطلبة الشيء الذي يؤدي إلى مواجهات واصطدامات بين مجموعات الفصائل المتصارعة من جهة، وبين هؤلاء الطلبة والقوات العمومية من جهة أخرى. وارتكزت الدراسة في تحليلها لظاهرة العنف على ثلاثة أبعاد رئيسية وهي: 1- تاريخ العنف داخل الحرم الجامعي بالمغرب 2- خريطة توزيع الفاعلين داخل الحرم الجامعي المعروفين بأعمال العنف 3- تصنيف العنف المرتكز على محفزات و ممارسات الفاعلين. تاريخ العنف داخل الحرم الجامعي يوضح التحليل التاريخي على أن ظاهرة العنف قديمة وتضاعفت بفعل مجموعة من الأحداث التي أدت إلى ظهور أوجه مختلفة للعنف. وتقدم الدراسة الحالي محاولة لتحديد فترات هذه الظاهرة على الشكل التالي: 1- مند حصول المغرب على الاستقلال حتى سنة 1960: عرفت هده المرحلة تأسيس اول نقابة طلابية مستقلة بالمغرب. الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، الذي انتقل من مرحلة التطبيع إلى مرحلة راديكالية خلال المؤتمر الخامس سنة 1960، ثم بعد ذلك مع أحداث 23 مارس 1965. 2- الفترة الممتدة ما بين 1969 و 1981 و تعليق المؤتمر السابع عشر للإتحاد الوطني لطلبة المغرب. حيث تميزت التحركات الطلابية خلال هذه المرحلة بأفكار اليسار الراديكالي مع اتخاذه لمواقف سياسية، راديكالية كذلك. 3- الفترة الممتدة ما بين 1981 و2003 وأحداث 16 ماي. تزامنت هذه الفترة مع بروز التيار الإسلامي داخل الحرم الجامعي و مواجهته للتيار اليساري. ولقد شهدت هذه الفترة كذلك اغتيال الطالب المعطي بوملي سنة 1991 والطالب آيت الجيد بنعيسى سنة 1993 و بعد ذلك الحكم ب 20 سنة سجنا في حق 12 طالبا من جماعة العدل والإحسان . 4 - الفترة الممتدة ما بين 2003 و 2013: شهدت هده الفترة تغطية إعلامية لهذه الأحداث كما عرف الحرم الجامعي ظهور فاعلين جدد وسط الحركة الطلابية منهم: اليسار الراديكالي الذي توزع على عدة فصائل، الحركة الثقافية الأمازيغية التي برزت أكثر فأكثر داخل الجامعات، فضلا عن الطلبة المنحدرين من الأقاليم الجنوبية إلخ .... اتخذ العنف داخل الحرم الجامعي منحى آخر عند عدد من الطلبة المنتمين لنفس الحركة. كما أصبح طلبة التيار الديموقراطي القاعدي أكثر انتشارا في العديد من الجامعات وغالبا ما يدخلون في مواجهات مع الإسلاميين و الحركة الثقافية الأمازيغية (حالتي وفاة سنة 2007 بين الحركة الثقافية الأمازيغية و طلبة التيار الديموقراطي القاعدي). خلاصات الجزء الأول: - العنف الجسدي ليس سوى مظهر من بين المظاهر الأخرى و يمكن أن يرتبط أيضا بالإقصاء والكرامة الانسانية وعدم اعتراف المجتمع بفئة معينة من المواطنين، والعنف الرمزي ليس أقل أهمية. - وتعتبر الدولة فاعلا رئيسيا في العنف داخل الحرم الجامعي. وتتمثل مسؤوليتها غير المباشرة في تفشي ظاهرة العنف داخل الجامعة، بالنظر الى الظروف المعيشية للطلبة والوسائل المتاحة لهم من جهة؛ وبشكل مباشر من خلال التدخلات العنيفة من طرف قوات الأمن لفض المواجهات بين الفصائل الطلابية أو عدم تدخلها من جهة أخرى. - ارتبطت ظاهرة العنف داخل الحرم الجامعي بضعف الإطار القانوني و التشريعي للنشاط النقابي و الطلابي. - شكل المؤتمر السابع عشر للإتحاد الوطني لطلبة المغرب ''نقطة تحول تاريخية'' في مسار النشاط الطلابي بالمغرب. ففي هذا الإطار ينبغي الحديث أكثر عن ''الفصائل والمكونات الطلابية التي تتواجه فيما بينها و التي تحاول التنصل من المسؤولية عن الفشل مما يؤدي إلى تشتتها وإلى بلقنة متطرفة للحركة الطلابية''. كما اتخذ العنف أشكال وممارسات جديدة حيث أصبح مرهونا أكثر فأكثر على الجانب السوسيو اقتصادي و السياسي للطلبة. - تحول الإحباط الذي ترسخ لدى الطلبة إلى يأس مغذي للعنف في حق أنفسهم وفي حق الآخرين. أصناف و خرائط العنف داخل الحرم الجامعي تختلف أنواع العنف داخل الحرم الجامعي وترتبط بالعناصر المسببة فيه والتي قد تكون ذات صبغة إثنية، جهوية أو سياسية. لا يمكن تعميم أي صنف (إيديولوجي) فكري و سياسي بسبب الطبيعة الواقعية لهذه المسببات. إلى جانب ذلك لا يمكننا إضفاء الطابع السياسي على العنف حتى و لو كانت الجهات الفاعلة فيه سياسية. حيث يأخذ المستوى الأولي للعنف في بعض الاحيان شكل الإنتماء الجماعي. وتحدد الدراسة مختلف السياقات التي تؤثر على الانتقال إلى الفعل الجماعي العنيف، يتعلق الأمر ب: 1- التنظيم الداخلي للفصيل أو المجموعة (كبيرة، صغيرة، مجموعة صغيرة، إلخ,...) 2- تنظيمه (درجة التسلسل الهرمي) 3- أهدافه(سياسية، نقابية..) وتقسم الدراسة العنف أيضا إلى نوعين : عنف حركي وعنف ذو طابع طقوسي . يتوافق النوع الأول مع مجموعة من الممارسات العنيفة السائدة داخل الجامعات، وتشمل : - الشتائم و التشهير، - الطرد، - التهديدات و التحرشات، - الاعتداء الجسدي، - الإختطاف، الاحتجاز و الإستجواب، - الإغتيالات، - الإضراب عن الطعام، - محاولة الإنتحار. أما بالنسبة للنوع الثاني فيتعلق الأمر بأنواع الممارسات الاعتيادية للعنف الخاص، المرفوض داخل المجموعات الطلابية. والأمثلة الأكثر تداولا في هذا السياق هي تلك المتعلقة بالطقوس المرافقة لاستقبال الطالب الجديد و المحاكمات الطلابية. - ارتبطت الممارسات العنيفة بمناسبة استقبال الطلبة الجدد دائما بمدارس المهندسين الرائدة التي تتأرجح بين الممارسات العسكرية (الاستيقاظ ليلا، والضغط النفسي، الخ.)، والممارسات الثقافية (الرقصات، والتمثيليات، والمؤتمرات، الخ.) والممارسات النقابية (الأناشيد النقابية، التلقين النقابي). بالنسبة للطلاب، يتعلق الأمر بطقوس الإندماج داخل مدرسة المهندسين. - المحاكم العسكرية هي بالأحرى شكل من أشكال التسيير الذاتي الطلابي و تنظيم الشؤون و الصراعات الداخلية بين الجامعات. ترجع هذه الصراعات المتداولة داخل المحاكم الى المشاجرات والسرقات والتحرشات، والتجسس على النشطاء.... الخ. قد يحدث أحيانا أن تعرف هذه المحاكم تجاوزات و انحرافات وليس غريبا أن تعمل على فرض أمر شمولي بمنعها لبعض الأنشطة التي تعتبر غير أخلاقية أو تتعارض مع أيديولوجية تعزيزها. وتقدم الدراسة أيضا تصنيف العنف وفقا للفاعلين / الأهداف: - العنف بين قوات النظام و الفصائل الطلابية - الفصائل الطلابية (اقتتال أو احتراب فصائلي) - العنف بين بعض الفصائل والطلبة (مقاطعة الامتحانات و الدروس) - العنف بين الفصائل والموظفين الإداريين؛ - العنف بين الفصائل/ الطلبة وأعضاء هيئة التدريس؛ - العنف بين الفصائل/ الطلبة وسكان الأحياء المجاورة للأحياء الجامعية - العنف بين الطلبة فيما بينهم، هذا يأخذ شكل التضامن العرقي أو الإقليمي أو الجغرافي؛ - العنف بين الفصائل/ الطلبة الدخلاء القادمون من خارج الحرم الجامعي. يعاني الرجال والنساء و بطريقة متفاوتة من مختلف الآثار المترتبة على العنف داخل الحرم الجامعي. يضاف العنف المرتبط بوضع الطالب إلى ذلك المرتبط بالوضع كامرأة. وتفيد الدراسة إلى أن مرتكبي وضحايا العنف في الحرم الجامعي ينتمون إلى فئة من الأشخاص الذين هم على مستوى عال من الثقافة. "يحدث جزء من جرائم العنف في العلاقات الهرمية ويرتبط بوضع وقوة الفاعلين. على سبيل المثال في حالة التحرش الجنسي بين الأساتذة والطلاب ". تعتبر النساء أيضا ضحايا ممارسات ثقافة روح التعهد والالتزام. كما وضعت الدراسة خريطة للعنف داخل الحرم الجامعي ترتكز على نهج يجمع بين: 1) سمعة الحرم الجامعي ، 2) العنف المسجل في الحرم الجامعي. سمح هذا النهج بالتمييز بين: الجامعات الأكثر عنفا : فاس، مراكش، أكادير، الراشيدية. الجامعات الأقل عنفا : سطات، الجديدة، و بني ملال. تغذي بعض العوامل المتغيرة هذه الحالة من العنف في بعض الحُرُم الجامعية بالمقارنة مع الآخرين: الأقدمية وتاريخ الحُرُم، وعدد الطلاب، وتكوين القوات الحاضرة في الحرم الجامعي، والبيئة الجغرافية، الأصول الاجتماعية للطلاب، الخ. أما بالنسبة للأحياء الجامعية، غالبا ما يحدث العنف بين المقيمين وغير المقيمين. العدد المحدود للأحياء الجامعية (19 في المجموع)، المحسوبية لولوجها، أوضاعها المقلقة ،مسألة الأمن كلها عوامل تضاعف من وثيرة العنف . العنف خارج الجامعات عند اعتقالهم، يدعى بعض النشطاء على أنهم ضحايا اعتداءات جسدية و نفسية ومعظم هذه الممارسات يمكن اختزالها فيما يلي : - شتائم، تهديدات، مضايقات، تكبيل اليدين، عصب العينين، الصفع، الضرب والجوع، وما إلى ذلك. التوقيع على محاضر استجوابات جاهزة مسبقا وبيانات واعترافات كاذبة تحت وطأة التعذيب. - الحبس مع سجناء القانون العام. - العنف المرتبط بالطلاب المنحدرين من الأقاليم الجنوبية يرتبط هذا العنف بمجموعتين من نوع: - مطالب وطلبات تشكل موضوع للمعالجة الإدارية خاصة بالمقارنة مع الطلبة الآخرين. يتعلق الأمر بالدفاع عن المكتسبات و تعزيزها؛ - اشتباكات مع الطلاب المنحدرين من مناطق أخرى من المغرب -العنف ضد الطلاب المنحدرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء - تشير الدراسة لحالات قليلة من العنف مشوبة بالعنصرية فيما يتعلق بطلبة جنوب الصحراء الكبرى. الفصائل وإدانة العنف اعتمد نشطاء النهج الديمقراطي القاعدي صراحة استخدام العنف لحل النزاعات. بينما أعلنت باقي الفرق و الفصائل في بياناتها و تصريحاتها رفض جميع أشكال العنف والمواجهة. كما اقترحت الحركة الثقافية الأمازيغية في عام 1999 وثيقة شرف ضد العنف والإقصاء لتجاوز أزمة الإتحاد الوطني لطلبة المغرب. وفي هذا الاطار عقد الطلبة الثوريون، هم أيضا ندوة في سنة 2003 ضد العنف السياسي في الجامعة. كما نشرت جريدة العدل والإحسان سنة 2009 المبادرة الوطنية لتكريس ثقافة الحوار. الاستنتاجات والتوصيات الواردة في الدراسة يتجلى العنف في الجامعات من خلال اعتماد أساليب عمل وممارسات مختلفة . ترتبط هده الأحداث بشكل وثيق بالسياق السياسي المغربي العام وبتاريخ البلاد منذ الاستقلال. ارتبط تاريخ العنف بمفهوم القوة وبأحداث سياسية ونقابية كبرى مثل حظر الإتحاد الوطني لطلبة المغرب، التمثيل النقابي الرئيسي للطلبة منذ عام 1981 وتعليق المؤتمر السابع عشر للإتحاد الوطني لطلبة المغرب، ومساحات التعبير، بالإضافة إلى المواجهات الطلابية في إطار الإتحاد الوطني لطلبة المغرب، حيث وقعت هده المواجهات في مناطق أخرى، خاصة بالمواقع الجامعية. وعلى عكس قراءات وسائل الإعلام و بيانات مختلف المسؤولين فان العنف لا تحدده الصراعات الأيديولوجية دائما .بحيث لايمكن تعميم أي صنف أيديولوجي وسياسي. بالفعل، فإنه ينبغي التأكيد على الطابع الواقعي لمسببات العنف والجوانب التي تتوافق معه. لايمكننا أن نعطي دائما طابعا سياسيا للعنف حتى لو كانت الجهات الفاعلة فيه سياسية. وحسب خريطة العنف، فان بعض المواقع الجامعية تعرف مزيدا من العنف أكثر من أخرى (فاس، مراكش، أكادير)، حيث ترتبط بشكل كبير بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للطلبة من نفس المواقع الجامعية، الكثافة السكانية، والوضع في الحرم الجامعي بالمقارنة مع المدينة، وتوزيع السكان حسب نوع الدراسة (الآداب والعلوم الإنسانية و الحقوق أو العلوم التقنية) وتاريخ معين لكل موقع جامعي. إذا كانت بعض المواقع الجامعية مثل فاس والدار البيضاء تعاني من العنف بين الفصائل الطلابية وقوات الأمن تاريخيا،فان البعض الآخر مثل مراكشوأكادير تعرف العنف بين جماعات من أصول جغرافية أو ثقافات مختلفة. غير أن الفئات المعتمدة من قبل الصحفيين والمقر بها من طرف المجموعات المتنافسة، في: الأمازيغ، الإسلاميين، القاعديين، اليساريين، الصحراويين، التجديديين، السلفيين والاستقلالين والموالين، لا تصلح دائما في التوصيف، لأن بعض الطلاب يمكنهم أن يكونوا داخل عدة مواقع جامعية في الوقت نفسه اعتمادا على توقيت وطبيعة الحدث المُثار. يبقى تواجد العنف واستمراره في الجامعات من بين عناصر "ذاكرة العنف" وطول أمدها يتغذى من خلال الإعداد لها وتطبيقها في الواقع. وفي نفس الوقت، وقفت الدراسة على أن تفرد العنف داخل الحرم الجامعي هو نسبي. ومرتبط بتاريخ نضالي لبعض الوجوه الطلابية .