لم يفاجئ اختيار إلياس العماري أمينا عاما لحزب الأصالة والمعاصرة، العديد من المتتبعين لمسار الحزب والتطورات التي عرفها، فلطالما وُصِف إلياس بأنه "الرجل القوي داخل حزب الجرار"، بيد أن وصوله إلى رئاسة "البام"، يأتي بعد أيام فقط من حديث عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، أمام أعضاء مجلس حزبه الوطني، الذي دعا فيه مصطفى بكوري إلى الابتعاد عن "البام" وترك العماري "يخرج لنا مباشرة حتى نواجهه"، وفق تصريح بنكيران، ما يجعل المواجهة تصبح مباشرة بين الأمينين العامين لحزبي "المصباح" و"الجرار". وعلى الرغم من أن إلياس العماري أكد خلال ندوة تقديمه كأمين عام لحزب الأصالة والمعاصرة، أنه لن يهاجم رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، إلا أن المحطة الانتخابية التي عرفتها المملكة يوم الرابع من شتنبر الماضي، أظهرت أن الرجلين لا يحملان "الود" لبعضهما، بل يحملان تصورات سياسية مختلفة تصل حد التناقض، مما يرجح أن تزداد هوة الخلاف بينهما خلال الاستحقاقات الانتخابية المزمع تنظيمها هذا العام، حيث سيكون التنافس على أشده بين الحزبين للظفر بالمرتبة الأولى في الانتخابات البرلمانية. المحلل السياسي منار السليمي يرى أن انتخاب العماري أمينا عاما لحزب الأصالة والمعاصرة يحمل إشارتين. الأولى مفادها أنه يقبل بتحدي حزب العدالة والتنمية بالتنافس خلال الانتخابات المقبلة، مواصلا أن حزب بنكيران "يواجه اليوم حزبا بأمين عام قوي، وله حنكة وخبرة كبيرة في التعامل مع قواعد اللعبة السياسية وبناء الاستراتيجيات والتكتيكات لرفع درجة التنافس وتخفيضه"، مشددا على أن مؤتمر الأصالة والمعاصرة يجيب بذلك على تحديات بنكيران وانتقاداته للأمانة العامة السابقة للأصالة والمعاصرة. أما الإشارة الثانية في نظر السليمي، فهي أن إلياس العماري قد اختار الوقت الاستراتيجي المناسب لقيادة الحزب، "فقدرته على التشخيص السياسي تشير إلى أنه تولى قيادة البام في مرحلة بدا فيها مسلسل ضعف العدالة والتنمية، فما بين 4 شتنبر 2015 و24 يناير 2016 تقلصت قوة العدالة والتنمية". وتوقع المتحدث ذاته أن يصل حزب العدالة والتنمية "منهكا" إلى تشريعيات 2016، لذلك فانتخاب العماري يشير إلى أن "الفرصة باتت مفتوحة أمام البام لإزاحة العدالة والتنمية في الانتخابات المقبلة"، متوقعا بأن ترتفع درجة ما سماه "الصراخ السياسي" لحزب العدالة والتنمية خلال الشهور المقبلة، "وأن يخرج كل الأسلحة القديمة للهجوم على "البام"، "لكن ستكون نتائج التدبير الحكومي فرصة كبيرة أمام الجرار، بقيادة العماري، لمحاكمة أداء حكومة العدالة والتنمية"، على حد قوله. من جهته اعتبر سعيد الخمري، أستاذ العلوم السياسية، أن انتخاب إلياس العماري أمينا عاما لحزب الأصالة والمعاصرة، "هو أكبر من الاستجابة لخطاب رئيس الحكومة، بقدر ما هو استجابة لطموحات مناضلي الحزب الذين يعتبرون إلياس رجل المرحلة في سياقاتها الوطنية والدولية". وأفاد الخمري أنه خلال المؤتمر الوطني الثالث لحزب الأصالة والمعاصرة وخلال كافة أشغاله، "لم يكن هناك تركيز على خطاب بنكيران ولا على حزب العدالة والتنمية، بقدر ما ركز على توضيح المرجعية الفكرية للحزب، وعلى الهيكلة، وقوانين الحزب، ومن جهة أخرى على رؤية الحزب للسياسة العمومية". وعلق أستاذ العلوم السياسية، على تصريح إلياس العماري بأن حزبه جاء للوقوف في وجه الإسلاميين بكون "الحزب ضد استغلال الدين في السياسة، ولكنه لم يأتي لمواجهة حزب معين ولا شخصا معينا"، مردفا أن الصراع يجب أن يكون مؤطرا بقواعد اللعبة السياسية، وأن يكون هناك صراع للأفكار والمشاريع "وليس صراعا بين الأشخاص، والمرحلة الحالية لا تحتمل الخطابات المشخصنة". الخمري شدد على أن "المواجهة يجب ألا تكون بين رجلين، وإنما بين مشروعين"، قبل أن يلفت إلى أن المؤتمر الأخير للأصالة والمعاصرة "كان عنوانه البارز هو المأسسة"، وفي حال انزلق الصراع خلال الفترة القادمة بين العماري وبنكيران، "فهذا لن يكون في صالح السياسة المغربية وسيفقد الثقة في العمل السياسي"، بتعبير الخمري.