رقصة الألم... ضباب كثيف عم سماء مملكة الجنون...بعد أن أصبح الغصب عنوانها الوحيد...سخط عارم في كل مكان...وجوه بلا ملامح تطالب برحيل المستبد...أبواق السماء تقول كل شيء...ما عدا أن تمطر حبا وسلاما على هذه البلاد...إنها ساعة الحقيقة...بل بداية النهايات...طالما تنبأت إليها ثرلي قبل فوات الأوان...قبل سقوط الوشاح واللواء وإراقة الدماء...إنها لحظة انفلات أعصاب الذئاب...باقتراب ساعة الحسم...لن ينفع فيها ما نهمت بطونهم وما نهبت أيديهم...ولن تشفع لهم الرتب ولا المناصب...استنفذت الأكاذيب والحيل...ونفذ الصبر والجلد...ارتباك في المدرجات والهرم...ضاقت بها الأنفس والحريات...من جراء بطش الأذرع الممتدة...العصا لمن عصا...الموت لمن صحا...والعذاب لمن ناد بالتقسيم العادل لخيرات البلاد...الردة لمن رأى في الحقوق الكونية ملجأ...هكذا صاح الغبي وأقسم...وأصبح كالثور الهائج عندما سمع صوت الجماهير تنادي...ارحل ارحل يا جبان...بعد أن خابت الآمال...اذهب إلى حيث الغروب...حيث الغبار الأسود يتناثر...إنها وصمة عار على جبين الأوطان... تكبر...تعجرف...تغطرس...تسلطن يا فلان...انفخ صدرك عاليا...كسر عظامنا...أوشم ذاكرتنا...حطم كل ما بنيناه ذات يوم بدونك...حينما كنت تعبث بأشيائنا...بأحلام طفولتنا المغتصبة...اسفك دماءنا...لن تستطيع شراء صمتنا...لن تنال إعجابنا...لن تقتل التغيير فينا...أتدري لماذا؟...لأننا سئمنا الانتظار...ولأن التغيير حتمية...فالغد لنا...حلمنا ومبتغانا...لن نرغمك بعد اليوم أن تكون لنا كما أردناك...ولن ترغمنا كذلك أن نحبك رغما عنا...ولا أن نقبل بما أنت مقبل عليه...كيف لنا أن نحب من باع الذمم...وصادر حقنا في العيش الكريم...كيف لنا أن نحب من يكرهنا بكل ما أتي من قوة...رغم الحب الأعمى الغير مشروط... سجل يا تاريخ البشرية...بدماء الأبرياء الحالمين...سجل يا تاريخ البشرية...فكم انتظرناه فلم يأت...وكم استعطفناه فلم يبال...كم من فرصة ضيعها الغبي في إقرار المصالحة وتصحيح التاريخ...كم من حبر سال سدى لم يوصل الرسالة لمن يهمه الأمر...كم من حلم لم يجد من يفسره...وكم من صوت لم يسمع لإيقاف المخطط المجحف في حق الأغلبية الصامتة الغير ممثلة...سجل يا تاريخ البشرية أن الوطن قد مات...وأن الحاجب كذاب...وأن سايلا لم يكن يوما مخلصا...وللقضية ناكرا...وأن كارلا لم تكن صادقة...وأن ثرلي لم تكن لتصبح أسيرة...سجل فالكل كان متآمرا...على الوطن متكبرا...بسببك أنت قررت أن أكون عاقرا...رفضت أن أنجب أطفالا حتى لا أكون أما ثكلى...بسببك أنت سئمت الغناء والغنى...لأنه يذكرني بتعاسة الآخرين...بسببك أنت ومن معك حرمت دخول المساجد...كيف لي أن أدخلها وهي فارغة من كل مدلول...بسببك ومنذ فترة قاطعت كل أشكال الصلوات...بسببك لم اعد متأكدة أن الإله موجود...كيف له أن يراك تعبث باسمه ويبقى جامدا في مكانه؟...كيف يسمح بتكرار المشهد في الشتاء كما الخريف؟...بدون أن يحرك بذلك سكونا...آه كم كنت متواطئا حينما أخبرتهم بقدوم الربيع...ومنحطا حينما ضللت سبيل الوطن...ومتآمرا حينما نسجت أكفاننا بإحكام شديد...باسم العقيدة نسجت كمامات لأفواهنا وعقولنا...ضمادات تخفي نور أعيننا...تحجب الرؤى والبصائر...تقلبت المواقف وتبدلت المصائر...بجلد صبرنا نسجت سعادة غيرنا...حتى اكتسى الأسياد واغتنى الأغنياء...نسجت بالذل أحلامنا البسيطة...بالأمس القريب نسجناها بخيوط الشمس الذهبية وسقيناها بروح الياسمين...اليوم استبدلناها بالخيوط العنكبوتية...بقلب متحجر كافر بهذا الوطن...ألقيت بنا قارعة الطريق...معك أصبحت شموعنا باهتة...قلوبنا موصدة...سئمنا أيامك كما سئمنا فجرك...سئمنا الجدار الواقي الذي وضعته في وجهنا ليحميك...جعلت بذلك الأقلام تشحذ...لم يعد معك تباشير الفرح...كما لم يعد النهار يبتسم في عيوني...أصبحنا نراقص الألم ونعزف التأوهات ونحضن المجهول...من عمق ظلم السنين معك يا لئيم...(يتبع).