بقلم: ذ. توفيق البيض يا وطني... يا منبت الأحرار... يا مشرق الأنوار عندما كنا صغارا ومنذ نعومة أظافرنا، كنا نردد نشيدنا الوطني قبل أن نلج حجرات الدرس بكل فخر واعتزاز كواجب تربوي نبيل... كنا نحفظه عن ظهر قلب مثل سفر مقدس... كنا نقف في خشوع تام في ساحة مؤسستنا نخال أنفسنا جنودا يؤدون القسم على أن يبقى الوطن قرة أعينهم... كنا نردد النشيد في رهبة تامة وخشوع مهيب وكانت السماء هي الأخرى تنصت لابتهالاتنا بخشوع... كنا يا نشيدنا الوطني نظن أنفسنا مقاتلين في ساحة الوغى من أجل أن تبقى كما أنت ولا تشبه أي وطن وكنت توقظ فينا حماسة قل نظيرها... كنا نستظهر كلماتك المعبرة والمشحونة بالوفاء والإخلاص على بعضنا البعض ونحن عائدون أو ذاهبون إلى المدرسة... كنا نجتهد في ضبط مقاماتك الموسيقية رغم أننا لم نكن نفقه شيئا في النوتات الموسيقية...كنا نجتهد قدر الإمكان كي نعطي للحروف حقها... كنا نردد كلماتك بصوت متحد ملء حناجرنا و ببراءة القميص من دم يوسف... كن نمدد حرف الألف بشكل باهر يكشف عن طول نفسنا في ترجمة وطنيتنا على أرض الواقع (منبت الأحرار "مااااااااااااانبت الأحرااااااااااااااااااااااار "، مشرق الأنوار "ماااااااااااااااشرق الأنواااااااااااااااااااار" ،... ) سقطنا في أسر عشق هذا النشيد الجميل المحمل بكل معاني الحب والانتماء والامتنان للوطن... كان معلمونا وآباؤنا وأمهاتنا وأساتذتنا يحترقون كي يسمع صوتنا من بعيد ونحن نردد ذلك النشيد... كانوا يتمنون، مثلما كان يسمع صوتنا آنذاك، أن يسمع صوتنا الآن... تمنوا أن نصير أحرارا في رأينا، أحرارا في فكرنا، أحرارا في رؤانا ومواقفنا، أحرارا في اختياراتنا، أحرارا في أن نقول "لا"... تمنوا أن نكون أحرارا في أن نكتب قصائدنا وحكاياتنا وهمومنا وآمالنا وآلامنا بمداد لا يمحيه الدهر ولا تبعثره أصابع القمع والنسيان والطغيان والمحسوبية والزبونية... تمنوا أن نكون أحرارا في قراراتنا وإيماننا... ها نحن اليوم يا وطني نُسجَن ونُعذَّب... ها نحن اليوم يا وطني نُقتَّل ونُشرد... ها نحن اليوم يا وطني نُجوع ونُحاصر عندما صِحنا بصوتنا الجهوري المحمل بأسمى معاني الوطنية في وجه من اغتصبوا عرضك يا وطني وأحلوا ما حرمت وحرموا ما أحللت...ها نحن يا وطني نُضايق عندما نقول "لا" لِشياطين أَبينَا أن نَركَع لهم جُورا وظُلماً... ها نحن نُطرد من رحمة المُلك...ها نحن نُراقب في نومنا.. في حلمنا.. نُراقب في مراحيضنا.. في سِرنا.. في جَهرنا.. في حينا.. نُراقب في دمنا.. في قصائدنا.. في حاضرنا ومستقبلنا وماضينا... ها نحن نُراقب اليوم في سكناتنا.. في حركاتنا وفي همساتنا.. ها نحن نُراقب اليوم في خطبنا وفي مساجدنا وفي أدعيتنا وابتهالاتنا... ما عاد لك يا نشيدنا وقع الأمس... ها نحن اليوم نسمع نشيدنا الوطني كحكاية قديمة يحكيها لنا الوطن كي ننام.. أرادوا لك يا نشيدنا الوطني أن تصير كلمات يائسة بائسة يصاحبها عزف موسيقي تراجيدي كنهاية "هاملت"... هكذا أرادوا لك أن تصبح، نشيدا لا يتجاوز الحناجر... أغنية ترددها الأفواه ولا تحبها القلوب... نشيدا تفتتح به قنواتنا التلفزية المدجنة والمهجنة صباحها لتبث فينا وفي أطفالنا ونسائنا وشبابنا وشاباتنا سمها الزعاف.. سُم الرذيلة والانحطاط والانحلال مقنعا بالانفتاح والفن والحداثة... استبدلوا يا وطني الطهر بالعهر.. أرادوا لك أن تصير نشيدا تنهي به قنواتنا بثها كأغنية جينيرك لفيلم مات أبطاله غدرا واستهزاء ومكرا كنهايات مسرحيات شكسبير الحزينة... ها نحن ننصت لنشيدنا الوطني قبل مبارايات كرة القدم.. نضع أيدينا على قلوبنا في محاولة يائسة لتمثيل دور بات مبتذلا في فيلم اسمه "الوطنية المصطنعة"... وعندما نغادر الملاعب نتناحر ونتخاصم ونتشاجر... عندما نغادر الملاعب نأتي كالنار على الأخضر واليابس... حتى المقاهي لا تسلم من عبثنا وشغبنا.. فنكون قد عكسنا مدى حبنا للوطن تخريبا وهمجية!!... اقرأ معي يا وطني بتمعن وتدبر واستحضار للواقع مذكرة من وزارتك "المربية على الوطنية" حرصها على أن يكون التأكيد على ضرورة النشيد الوطني ضرورة في الأوراق وليس في القلوب والأعماق.. وكثيرة هي في وزاراتك مظاهر النفاق... " يشرفني تجديد التأكيد على جعل تحية العلم المغربي على الأقل في بداية كل أسبوع وفي نهايته، ممارسة منتظمة كما اعتاد عليها تلميذات وتلاميذ المؤسسات التعليمية في الحواضر والبوادي، حيث تجسد الانتماء المشترك وترسخ الحس الوطني بما يليق بهما من اعتزاز والتزام واحترام. فالمرجو أن تكون ممارسة هذا التقليد التربوي والوطني لحظة متجددة تذكي لدى كل المشاركات والمشاركين في فضاء المدرسة، الحس المدني والروح الوطنية، باعتبارهما تجليا قويا وأساسيا لمشروع ترسيخ السلوك المدني وفتح آفاق استلهامه من أجل تعزيز الفعل الإيجابي والمبادرات الهادفة إلى تثمين مبادئ الاحترام والمسؤولية اتجاه المدرسة كمجال مشترك صغير ينغرس في تراب الوطن ويتجذر فيه، والسلام. " (نص مذكرة وزارة التربية الوطنية المتعلقة بتحية العلم بالنشيد الوطني في المؤسسات التعليمية؛ الرباط، في 24 شعبان 1428؛ الموافق ل 07 شتنبر 2007. مذكرة رقم : 122)... لقد أغفلوا يا وطني أنه ليس في بعض قرانا مدارس كي نردد فيها النشيد!!!.. كيف يا وطني للمعلمة التي تعيش في جبل قصي بارد وقاس بعيدا عن بعلها الذي قُدر له أن يكون في صحراء قاحلة أن تعلم التلاميذ النشيد الوطني؟؟!!! كيف يا وطني لتلميذ قطع أميالا مشيا على الأقدام بنصف نعل والمطر "خيط من السما" أن يحفظ النشيد الوطني؟؟!!! كيف يا وطني لمن اشتعل رأسه شيبا في طلب العلم وتحصيل المعرفة حتى بلغ بجده واجتهاده العلا؛ فنال درجة الدكتوراه وبعدما عانى الأمرين حتى وجد وظيفة لا تليق بمقامه أن يعلم التلاميذ نشيد الوطن؟؟!!! كيف وكيف؟؟ !!! كيف لمعلم لا زال في زنزانته التاسعة منذ الأزل وهو رب أسرة أن يعلم تلامذته النشيد الوطني؟؟!!! كيف لتلميذ يرى قوات القمع تنهال على أستاذه ضربا أن يثق بمدى صدق وحرارة النشيد الوطني وهو يتلوه على مسمعه أو يُحفظه إياه؟؟!!! كيف لمقررات ومناهج ربحية وخاوية على عروشها أن تذكي وتربي وتعلم التلميذ نشيد الوطن؟؟!!! كيف لتلميذ مسكين "كالحمار" يحمل أسفارا بالكيلوغرامات دون جدوى ولا يعرف الألف من الباء أن يقرأ بفصاحة وطلاقة نشيد الوطن؟؟!!! كيف وكيف؟؟!!! كيف يا وطني لتلميذ لم يتناول وجبة فطوره من شدة الفقر أن يقوى على الوقوف وترديد النشيد الوطني؟؟!!! يا وطني... أرسم ماما... أرسم ماما بالألوان... أرسم علمي فوق القمم أنا الفنان عندما كنا صغارا حفظنا كذلك عن ظهر قلب أنشودة "أرسم بابا، أرسم ماما بالألوان، أرسم علمي فوق القمم، أنا الفنان"... كان في مقلمتنا ما يكفي من الألوان والأقلام كي نرسم أبائنا وأمهاتنا وعلمنا شامخا فوق القمم... كان في خيالنا وطموحنا ما يكفي من الأحلام كي نرسم أبائنا وأمهاتنا وعلمنا شامخا فوق القمم... علمنا الذي بات تربطنا به أواصر الوطنية الصادقة.. رسمنا علمنا في كراساتنا وعلى سواعدنا.. رسمنا علمنا على الجدران في مبادرة تطوعية في إطار ما كان يعرف ب "يوم التعاون المدرسي ( كان يقام هذا اليوم كل آخر سبت من شهر نونبر من كل سنة، إن لم تخني الذاكرة!!!).. بلونين جميلين رسمناك يا علمي.. حتى وإن نفذ اللون الأحمر، كنا، من فرط حبنا لك، مستعدون أن نرسم خلفيتك الحمراء القانية بدمائنا... كنت أمي يا علمي... كنت أبي يا علمي...ارتضينا للشهيد علمنا كفنا.. "بالأخضر كفناه بالأحمر كفناه أو كما قال مارسيل خليفة.." كنت يا علمي فعلا كفن الشهيد المحب لتربتك النقية...حملناك عاليا يا علمي في كل المحافل والمناسبات والاحتفالات... كانت أعيننا، وهي دليل على صفاء قلوبنا اتجاهك، ترى لونيك الأحمر والأخضر بجلاء ووضوح... أحمر رمز التضحية والكفاح والنضال والإباء.. وأخضر رمز النمو وتجدد الطبيعة والسلام والحرية والرفاهية والطمأنينة والشعور بالأمل ووفرة الخير.. ها نحن اليوم يا وطني لم يعد لنا ولا لآبائنا وأمهاتنا من ملامح بينة المعالم كي نرسمها... لم يعد أبي في وطني كالذي رسمته بالأمس... لم تعد أمي في وطني كالتي رسمتها بالأمس... انصهرت ملامحهما من شدة القهر والفقر والصبر... حتى الوطن لم تسعفنا أناملنا من كثرة الخوف من جلاديه كي نخط حدوده الجغرافية... كي نرسمه ببراءتنا.. أرادوا لك يا وطني أن تصير قطعة قماش حمراء لطخها المدعون للديمقراطية والمساواة وتكافؤ الفرص بدماء الأبرياء والفقراء والتعساء والشرفاء... أرادوا لك يا وطني أن تصير نجمتك آفلة مضمحلة لا تسطع حياة ومحبة ونورا كما كانت في صبانا البريء... أرادوا لك يا علمي أن ترفرف في الهواء من دون أن ترفرف في دخيلائنا همة وشهامة وكرامة كما عهدناك... يا علمي لقد فقدت ألوانك دلالتها في زمن ارتضى ساستك ومافياتك ومن قلدتهم أمور شعبك أن يغيروا سيميائها... يا وطني... من طنجة إلى الكويرة... جيل من الشهداء... وفيلات وقصور لخونة الشهيد... دافع أجدادنا وآبائنا بكل استماتة وحب كي يتحرر كل شبر وكل بقعة فيك يا وطني... سقوا تربتك يا وطني بدمائهم المقدسة الشريفة... آمنوا أن الدفاع عن العرض والأرض رسالتان نبيلتان... ترجموا بالفعل والقول أن "حب الأوطان من الإيمان"... من طنجة إلى الكويرة رحلة عمر من التضحيات وجيل من الشهداء... نساء ترملن وصبيان تيتموا وشبان غادرونا إلى حتفهم الأبدي في صمت رهيب... كل التلال والهضاب والجبال والصخور والفجاج والأودية والبحار والأنهار والأشجار أبت إلا أن تكون في حضنك متيمة في عشقك خاضعة لأمرك... يا وطني خاض رجالك المعارك والحروب قصد تطهير كل ناحية فيك من أيدي الطامعين في خيراتك.. أنوال.. لهري.. واد المخازن... معارك علمت المستعمرين أن المغرب جزء لا يتجزأ من روحنا وجسدنا وهويتنا وكياننا وقلوبنا... مات الشهداء دفاعا عن وحدة الوطن ولا يخامرهم أدنى شك في أن البلاد ستعامل أبنائهم وأحبتهم وإخوتهم وبني جلدتهم بإحسان.. وكان يحدوهم أمل في أن تبقى الأرض لأهلها.. قطعوا الطريق على الكائدين والمتآمرين في استنزاف خيرات البلاد وامتصاص دم العباد... جعل جنودنا صدورهم جدارا لكي ينفذ إلى جغرافيتك العدو ... وتلك المسيرة التاريخية برهنت أن حب الوطن دفع المغاربة أن يخرجوا حشودا وجيوشا مؤلفة من أجل استرداد كل حبة رمل تنتمي لصحرائك يا وطني... رجالك يا وطني صنعوا تاريخا مجيدا أنى لك أن تنساه يا وطني... أنى لك أن تنساه... ها هي أرضك يا وطني اليوم اقتسموها فيما بينهم كقطعة حلوى... وجدوها سهلة المناص... شيدوا عليها القصور والمباني الفخمة... أقاموا الضيعات والمحميات على امتداد الآلاف من الكيلومترات... شردوا أبنائك يا وطني الأحرار... أصبح أبنائك مشتتين في دور الصفيح والمخيمات... السواد الأعظم يعيش في "برارك" أشبه ما تكون بخم دجاج و غرف كصندوق عود الثقاب.. غرفة فيها يطبخ الأكل وفيها ينام الأطفال وفيها يستقبل الضيوف وفيها يمارس الأب مع الأم تعاليم إيروس وكوبيدو (الجنسية)... منازلنا يا وطني أرادوا لها أن تكون كذلك... آيلة للسقوط كي يتبجحوا أمام عدسات الكاميرا والتلفاز أنهم يحاربون الصفيح والبناء العشوائي... وبعدما كنا أصحاب أرض يا وطني، أصبحنا كاللاجئين والنازحين والهاربين من غطرسة أشبه ما تكون بجبروت اليهود... يا وطني أُعز فيك الوصوليون والانتهازيون الحُقراء وأُهين فيك المناضلون المخلصون الشرفاء... حتى المقابر يا وطني لم تسلم من زحفهم العمراني... قبور الشهداء الذين ضحوا بالأمس شُيِّدت فوقها قصور وفيلات من خانوا الشعب وخذلوه... حلم الشهيد في أن تقتقسم الأرض بالمساواة تبدد وذهبت أمالهم أدراج الرياح.. أرض الفلاحين البسطاء اغتصبوها لتصير طرقا.. ومصانع.. وقصور.. من كنا نحترمهم يا وطني ونحترم تاريخهم النضالي المجيد باعوا شرفهم بثمن بخس دراهم معدودات واستبدلوا ريبرتوارهم النضالي بأشبار... يا وطني لم أجد أجوبة تشفي الغليل وكافية لتطفئ نار أسئلة باتت تؤرقني... على لسان الشيخ إمام أسألك يا وطني وأجيب: "إحنا مين؟" هما مين و إ حنا مين .. ؟ هما الأمرا و السلاطين .. هما المال و الحكم معاهم .. و إحنا الفقرا المحرومين حزر فزر شغّل مخك شوف مين فينا بيحكم مين ؟!! .............. إحنا مين و هما مين .. ؟؟ إحنا الفقرا البنايين إحنا السنة و إحنا الفرض إحنا الناس بالطول و العرض من عافيتنا تقوم الارض .. و عرقنا يخَضَّر بساتين حزر فزر شغل مخك شوف مين فينا بيخدم مين ..؟؟!! ................ هما مين و إحنا مين ؟؟ هما الامرا و السلاطين هما الفيلا و العربية و النساوين المتنقية حيوانات استهلاكية شغلهم حشو المصارين حزر فزر شغل مخك شوف مين فينا بياكل مين ..؟؟!!! .................... إحنا مين و هما مين إحنا قرنفل على ياسمين إحنا الحرب : حطبها و نارها و إحنا الجيش اللي يحررها و إحنا الشهدا بكل مدارها منكسرين أو منتصرين حزر فزر شغل مخك شوف مين فينا بيقتل مين ..؟؟!!! ................ هما مين و إحنا مين..؟؟ هما الامرا و السلاطين هما مناظر بالمزيكا و الزفة و شغل البوليتيكا و دماغهم طبعاً استيكا بس البركة بالميازين حزر .. فزر شغل مخك شوف مين فينا بيخدع مين ..؟؟؟!!! ..................... هما مين و إحنا مين هما الامرا و السلاطين هما بيلبسوا أخر موضة و إحنا بنسكن سبعة في أوضة هما بياكلوا حمام و فراخ و إحنا الفول دوخنا و داخ هما بيمشوا بطيارات و إحنا نموت بالاوتوبيسات هما حياتهم بامب جميلة هما فصيلة و إحنا فصيلة
حادي يا بادي يا عبد الهادي يا اللي عليك قصد الغنوادي ( الغنوة دي أو هذه الاغنية ) لما الشعب يقوم و ينادي يا إحنا يا هما في الدنيا دي حزر فزر .. شغل مخك شوف مين فينا حيغلب مين..؟؟
يا وطني.. معذرة على الإطالة ولكن تذكر أننا نحبك ونعزك ونقدسك... معذرة لأننا نخاف أن نستيقظ ولا نجدك أو تستيقظ فلا تجدنا!!. الوطن يا أحبتي تاج وجودنا.. أو كما قال قائل "الوطن يشبه الوطن في لحظة الموت والميلاد .."