قررت محكمة الجنايات الابتدائية باستئنافية مدينة فاس، اليوم الاثنين، الأخذ بالخبرة الطبية التي أوردت أن "مليكة.غ"، التي أقدمت خلال شهر يونيو المنصرم على قتل ثلاثة من أبنائها، لا تتحمل مسؤولية في الجريمة، وقضت بانعدام مسؤوليتها الجنائية، وأمرت بإيداعها مستشفى الأمراض العقلية والنفسية بن الحسن لاستكمال العلاج. وكان قاضي التحقيق قد تابع "مليكة.غ" بصك اتهام يتضمن جناية القتل العمد ومحاولة القتل مع سبق الإصرار والترصد وجنح الإيذاء العمد وحيازة السلاح في ظروف من شأنها تهديد سلامة الأشخاص والأموال. وكانت مليكة قد أقدمت، خلال يوم أحد من أواخر شهر يونيو المنصرم، على قتل ثلاثة من أبنائها، (5 سنوات ونصف، و3 سنوات، و5 أشهر)، فيما نجا الزوج واثنان من أبنائه؛ فتاة في ال12 من عمرها كانت عند جدتها، وطفل في ال9 من عمره كان يلعب مع أقرانه بالشارع. وقد أنجزت لمليكة خبرة طبية نفسية أجراها الدكتور تيسير بن خضراء بمستشفى بن الحسن، وتتوفر عليها هسبريس، كشف من خلالها أن الجانية، البالغة 37 سنة، سبق وأن استشفيت بمستشفى بن الحسن من 26 فبراير 2014 إلى 12 مارس من السنة ذاتها، ومرة أخرى في 10 يونيو 2014، من أجل اضطرابات ذهنية مزمنة، فسّرها الطبيب المعالج بأنها أفكار هذيانية ذات مواضيع اضطهادية وغيرة. وخلال الفحص السريري، سردت مليكة للطبيب المعالج تفاصيل حياتها، (نتحفظ على نشرها احتراما لخصوصيتها)، ونذكر منها أنها كانت تعيش ظروفا اجتماعية صعبة، وأنها كانت تشك في علاقة زوجها مع إحدى جاراتها، ليخلص الطبيب في الأخير إلى كونها تعاني من اضطرابات اكتئابية كبيرة مستمرة منذ سنوات عدة. أقوال "مليكة.غ" استنتج من خلالها الطبيب النفسي "أنه لم يكن لديها أفكار أو نية سابقة للقيام بتلك الجريمة، ولكنها كانت في حالة إحباط كبير ومعاناة واكتئاب سوداوي، وشعور بالعجز وعدم القدرة على القيام بأي شيء للتخفيف من معاناتها ومعاناة أبنائها، وقلة ذات اليد، الشيء الذي جعل جلّ تفكيرها ووعيها يتركز على تلك المعاناة، "مما قد يكون قد أفقدها القدرة على التعاطي مع معطيات الواقع". وفي تفاصيل يوم الجريمة، أورد الطبيب المعالج في الخبرة أنه "عند بكاء طفلتها بشدة تفاقم قلقها وغضبها، فقامت بإرضاعها محاولة إسكاتها، ولكن لم تفلح واستمرت الطفلة بالبكاء، فما كان منها إلا أن وضعت يدها على فمها لكي لا تسمع صوتها، وباشتداد تركيز وعيها على معاناتها لم تكن تدرك أنها أحكمت يدها على فم الطفلة، ومنعتها من التنفس، الشيء الذي أدى إلى وفاتها، وعند إدراكها أن طفلتها لم تعد تتحرك وتستجيب لنداءاتها، اشتد قلقها ومعاناتها وخوفها، مما أفقدها القدرة على التمييز ومعرفة ما يجب القيام به، فأقدمت على خنق طفليها الآخرين وهي في حالة هستيرية وذهول". وخلص الدكتور إلى أن كل الفحوص والمعطيات تبرز أن المعنية بالأمر كانت، عند قيامها بقتل طفلتها الأولى، في حالة تبدل في الوعي والقدرة على التمييز، مما يجعلها ناقصة المسؤولية عند ذلك الفعل. أما في أثناء قيامها بخنق طفليها الآخرين، فكانت في حالة انعدام القدرة على التمييز، الشيء الذي يجعلها منعدمة المسؤولية عن عملية القتل الثانية والثالثة، وهي حاليا غير قادرة على مواجهة المحكمة لأنها تعيش عملية العزاء على وفاة أطفالها الثلاثة، وبسبب حالة الندم والإحساس بالذنب التي تعيشها.