قال المندوب السامي للتخطيط، أحمد الحليمي علمي، إن المغرب بذل موجودات كبيرة خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة في الاستثمار، لكنّها لم تُفض إلى جعل المجال، الذي يشكل 30 بالمائة من مجموع الطلب الداخلي للمغرب، يساهم في رفع نسبة النمو على النحو المطلوب. وأوضح المندوب السامي للتخطيط، في لقاء لتقديم دراسة أعدتها المندوبية حول مردودية الرأسمال المادي في المغرب، أن المملكة مدعوة إلى "مراجعة التوزيع القطاعي للاستثمارات، والانخراط في إصلاحات عميقة للبنيات الاقتصادية، والانفتاح على نموذج جديد للنمو"، معتبرا أن "النموذج القائم حاليا أثبت قصوره". ووقفت دراسة المندوبية السامية للتخطيط عند التناقض الحاصل بعدم مسايرة النمو الاقتصادي لوتيرة تطور الاستثمار، وكشفت أنه "رغم التحسن خلال الألفية الحالية، مقارنة مع ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، إلا أن معدل النمو السنوي ظل في حدود 4.4 بالمائة، في حين أن وتيرة نمو الاستثمارات بلغت 6.2 بالمائة". واعتبر الحليمي أن "الاستثمار في المغرب يبقى ضعيفا مقارنة مع دول أخرى من مستواه"، مشيرا إلى أن "من بين الأسباب المؤدية إلى ذلك ضعف الاستثمار في القطاع الفلاحي من طرف الخواص". وحسب الأرقام التي قدمها الحليمي فإن قطاع الفلاحة عرف تراجعات متتالية في مناصب الشغل، بلغت تفاقما وصل إلى 23900 منصب كمتوسط سنوي ما بين 2008 و2014. من جهته، سجل قطاع الصناعة تراجعا على مستوى مناصب الشغل، بلغ 7500 منصب، كمتوسط سنوي، خلال الفترة ما بين 1999 و2914، وارتفع ليصل إلى 16500 منصب ما بين 2008 و2014. وفي المقابل استطاع قطاع الخدمات تغطية المناصب المفقودة في قطاعي الصناعة والفلاحة، إذ استوعب 84500 منصب كمتوسط سنوي خلال الفترة ما بين 1999 و2014. وقسم الحليمي مراحل تطور الاستثمار المغربي إلى ثلاثة، "الأولى كانت مع بداية الاستقلال، إذ ارتفع النمو والاستثمار، غير أن هذا التطور طُرح معه مشكل عدم وجود تمويل ذاتي، وهو ما أدى إلى السقوط في فخ المديونية، ومن ثم انتقل المغرب إلى المرحلة الثانية التي شهدت تقلص الاستثمار، ومعها تقلص النمو، ثم جاءت المرحلة الثالثة، إذ بذل المغرب مجهودا على مستوى الاستثمار، لينتقل من 24 بالمائة كنسبة في الناتج الإجمالي إلى 35 بالمائة، لكن تطور نسبة النمو لم يواكبه تطور وتيرة نمو الاستثمار". "عموما، يتضح من خلال الدراسة التي قمنا بها أن المغرب ما زال في حاجة إلى رفع مستوى الاستثمار"، يقول الحليمي، مشيرا إلى أن "مشكل التمويل لا يجب أن يكون عائقا، لأن هناك حلا له، وهو تشجيع التمويل الذاتي لتفادي ما وقع في مرحلة ما بعد الاستقلال، إذ عجزت الدولة عن الاستمرار في تمويل الاستثمارات بالوتيرة التي بدأت بها". وشدد الحليمي على ضرورة النهوض بالقطاع الفلاحي لتطوير الاستثمار، قائلا إنه "لا توجد أي دولة متقدمة لا تتوفر على قطاع فلاحي متطور"، غير أنه شدد على "ضرورة انخراط الخواص في الاستثمار في هذا القطاع"، موضحا أن "المغرب، وإن بذل جهدا منذ بداية الاستقلال في الاستثمار في البنية التحتية، من خلال تشيد السدود والطرق وغيرها، إلا أنه أهمل الإنتاج، وأهمل الاستثمار في القطاع الفلاحي".