حتى نكون واضحين من البداية، لا السعودية ولا إيران يداه نقيتان من الدماء، فآل الأولى أعدموا ما أعدموا من معارضيهم طيلة الثمانين سنة لحُكمهم، وحرس خامينائي الثانية قتل ما قتل من العراقيين والسوريين وغيرهم.. لست هُنا لأدافع عن هذا ضد الآخر، ولست هُنا لألتمس العذر لزلة الأول في حق الثاني أو العكس، فلا أعذار في الدم وقتل الأرواح بفتاوى محاكم لا قانون فيها ولا منطق.. يُعيدني الصراع السعودي الإيراني، أو بشكل أوضح، الشيعي السُني إلى أحداث رواية "فئران أمي حصة"، التي اتخذ كاتبها عبارة " الفئران آتية... احموا الناس من الطاعون" شعارا لها، في بداية الرواية يكره الجار الجاره لأن الأول شيعي والثاني سُني، وفي نهايته يقتل الصديق رفيقه لنفس السبب، واليوم يدفع مواطنون ثمن الصراع بين هاتين الطائفتين.. أشم رائحة الفئران تتكاثر حولنا، وحتى إن لم نكن نراها، فأفعالها تدل على وجودها فعلها، وتكاثرها بشكل مُتزايد. تقول الرواية "ورغم أني لم أشاهد فأرًا داخل البيت قط، فإن أمي حِصَّه تؤكد، كلما أزاحت مساند الأرائك تكشف عن فضلاتٍ بنيةٍ داكنة تقارب حبَّات الرُّز حجمًا، تقول إنها الفئران.. ليس ضروريا أن تراها لكي تعرف أنها بيننا!". فضلات فئران الرواية بنية داكنة تقارب حبات الأرز، لكن تلك الفئران التي تسكن بين ظُهرانينا أكبر بكثير من حبات الأرز، تُفرز سائلا أحمرا لزجا يُسمى دما، تدعي أنها على حُق وكل من يُخالفها كافر زنديق وجب الجهاد فيه بقتله بشكل أو بآخر، معنويا بإخراس صوته ومنعه من التعبير عن رأيه، أو ماديا بإعدامه أو اغتياله.. فئران اليوم كثيرة الأشكال، بعضها يلبس عمامة آل البيت، وآخرون يُطلقون لحية السلف الصالح، وبينهما حاملون لراية الخلافة، وغير بعيد عن الثلاثة مُتطرفون كُثر كُل بمذهبه وتصنيفه يساري، شيوعي، حداثي، اشتراكي، ومُتأسلم، ومدعٍ انتمائه للمسيحية أو اليهيودية.. فئران اليوم تحمل أسماء توجهات وإيديولوجيات مُختلفة لكنها بريئة منها براءة الذئب من دم سيدنا يوسف، تُحركهم عصبياتهم المذهبية للدفاع عن مصالح جيوبهم تحت راية الدفاع عن الدين والايدولوجيا، ناسين أن الله خلق الناس مُختلفين، لا أحد منهما يُشبه الآخر.. فئران اليوم تنشر طاعون الطائفية والكراهية بين البشر، لا ترى في الآخر إلا عدوا إن لم يكن صديقا مُتعصبا ينصره ظالما كان أو مظلوما.. خُلاصة القول.. "الفئران آتية.. احموا الناس من الطاعون..". *صحافي مغربي https://www.facebook.com/anass.radouane.officiel