سيدتي الوزيرة المحترمة، تنتمين إلى حزب أصوله شيوعية، يؤمن (في أدبياته) بقيم اليسار والحداثة طبعاً. الحزب الذي ناضل مؤسسوه من أجل إقامة ديمقراطية حقيقية في هذا البلد وإرساء أسس العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، وإلغاء كل أنواع الفوارق داخل المجتمع المغربي. هذه هي أصول حزب التقدم والاشتراكية الذي تنتمين إليه، وهذه هي المبادئ التي أهملتيها يوم استضافك "التيجيني". نسيتي بأنك تنتمين إلى مدرسة علي يعتة، ونسيتي بأن اليسار وجد لإلغاء الفوارق، ونسيتي بأن الحداثة هي مجموعة مبادئ نؤمن بها ونعيش بها ونعكسها في محيطنا، وليست مجرد شعارات نرفعها لقضاء مصالحنا. سيدتي الوزيرة المحترمة، هل لديك فكرة عن انتظارات الشعب المغربي منك ومن زملائك ؟ المغاربة ينتظرون منكم، في عز الأزمة، التنازل عن الامتيازات، وعن نسبة معينة من أجركم الشهري تضامناً معهم. أن تتنازلوا عن تعويضات السكن، والملبس، والطباخ، والحراسة، والتنقلات، والسيارات، والمبيت في فنادق الخامس نجوم، و"بونات" البنزين. أن تستعملوا وسائل النقل العمومي اليومية لتعرفوا معاناة الشعب، وأن تسكنوا شققكم كعامة الشعب، وأن تتقاضوا أجر "جوج فرنك" كعامة الناس. هاته هي قيم اليسار التي نعرفها، وهذا ما نسميه فعلاً "خدمة الصالح العام". سيدتي الوزيرة المحترمة، هل من العدل أن يتقاضى جندي، قضى أيام شبابه في الحدود دفاعاً عن الوطن، تقاعد 1500 درهم ؟ هل من المعقول أن تعيش أرملة جندي بتقاعد 500 درهم في الشهر ؟ هل من المنطقي أن نجازي عاملات وعمال الإنعاش الوطني بدراهم لا تكفي لشراء دواء الحساسية التي تصيبهم نتيجة أدائهم لعملهم ؟ أنا لا أدعوك إلى التنازل عن تقاعدك، طالما يضمنه لك القانون، بل أدعوك إلى الترافع عن حقوق هؤلاء داخل مجلسكم الحكومي الموقر. أدعوك سيدتي لتقولي لرئيس حكومتك بأن هؤلاء الناس يتقاضون "جوج فرنك" بنفس الجرأة التي تحليتي بها عندما ذكر "التيجيني" تقاعد الوزراء والبرلمانيين. سيدتي الوزيرة المحترمة، إذا أردت فعلاً معرفة معنى "جوج فرنك" الحقيقي، أدعوك إلى النزول إلى شوارع الرباط الهامشية بعيداً عن صالونات الخمس نجوم المكيفة، واسألي تلك النسوة بائعات "البغرير"، واسألي مجمع المتقاعدين على جوانب أي حديقة عمومية، واسألي صاحب الصيدلية كيف يدفع الفقراء ثمن الدواء، واسألي زميلك الوردي كم تلقى من طلب مساعدة طبية. زوري أي حارس سيارات ليلي وأسأليه كم يتقاضى من "فرنك" حقيقي. هؤلاء سيدتي هم المغاربة الذين أحسوا بالمرارة والاستحقار يوم الثلاثاء الماضي وهم يشاهدون واحدة من أبناء مدرسة "علي يعتة" تدافع عن الريع واستمرار الفوارق. هؤلاء سيدتي هم من يعانون ليجدوا "جوج فرنك" تعفيهم من التسول. هؤلاء البؤساء سيدتي هم من يحرسون منزلك، وينظفون مكتبك وسيارتك، ويحضرون أكلك، والأهم سيدتي أن هؤلاء البؤساء من يدفعون أجرك وسيدفعون تقاعدك.