نظمت مجلة الأيام التي يديرها السيد نور الدين مفتاح في عددها 465 الصادر بتاريخ 5 مارس 2011 ندوة 20 فبراير، حضرها من الأحزاب السياسية السيدان عبد الإله بنكيران عن حزب العدالة والتنمية ونبيل بنعبد الله عن حزب التقدم والاشتراكية، وعن شباب 20 فبراير كل من "حكيم سيكوك" و "ونزار بن نماط" و"أمينة بوغالبي" و"عبد الله أبلاغ" و"المهدي بوشو"، بمشاركة الحقوقي " عبد العزيز النويضي"، وأدار النقاش رئيسة تحرير المجلة السيدة مريم مكريم بمساعدة هشام روزاق،ولأهمية ما أثاره النقاش من توضيحات حول موقف حزب العدالة والتنمية من حركة 20 فبراير، نورد هنا بصورة تركيبية أهم ما جاء على لسان أمينه العام السيد عبد الإله بنكيران بتصرف يسير وبعض التعليقات، خصوصا ونحن على مشارف مسيرة ثانية تدعو لها نفس الفعاليات يوم 20 مارس الجاري. يمكن أن نقسم مضامين الحوار في شقه المتعلق بمدى تفاعل حزب العدالة والتنمية مع حركة 20 فبراير إلى موقف الحزب من هذه الحركة والموانع التي حالت دون انخراطه فيها، ما أدى إلى انقسامات في الرأي، نتج عنها ثلاث استقالات لأعضاء وازنين من الأمانة العامة للحزب،أبرزهم القيادي والمناضل مصطفى الرميد، والدعوة لانعقاد دورة استثنائية للمجلس الوطني قبل متم الشهر الجاري. الموقف من حركة 20 فبراير يؤكد الأستاذ عبد الإله بنكيران في هذا الحوار لشباب 20 فبراير موقف الحزب من هذه الحركة بقوله: " ما يهمني هو موقف العدالة والتنمية : نحن لم نقف ضدكم، لم نصطدم معكم ولم ندع إلى مقاطعة حركتكم كما لم ندنها، قلنا فقط إننا كحزب سياسي لن نشارك، أما من أراد المشاركة بصفته الشخصية فقد فعل، وأزيد لأقول لكم إن ابني وهو في سنكم، قد شارك معكم في تظاهرة الرباط، لكن عندما علم بما حدث في الحسيمة وبسقوط قتلى، قال لي بأنه يعترف بصحة قرار العدالة والتنمية. ما أريد أن أقوله الآن للإخوة في حركة 20 فبراير، هو أنني قرأت الأرضية الصادرة عنهم، ويمكن القول أنني لست ضد أي نقطة من النقاط الواردة فيها بشكل مطلق، فمنذ بداية مسيرتنا مع الدكتور الخطيب رحمه الله منذ 20 سنة، كانت هذه الأمور في عمق انشغالاتنا، ويمكن القول بأننا طالبنا منذ ذلك التاريخ بنفس المطالب الواردة في هذه الأرضية. أنتم جئتم بعد ثورتين عظيمتين أعادتا الروح للإنسان العربي والمسلم بصفة عامة، الأولى في تونس والثانية في مصر،ولستم وحدكم الذين تشبعتم بأفكار خاصة وشعرتم بشجاعة استثنائية للدفاع عنها بهذه الطريقة، فلن تجدوا في تصريحاتي أي إساءة لكم...وأنا لا أستهين مطلقا بكم، لقد أصبحتم ظاهرة اجتماعية وسياسية، ولا يمكنني أن أستهين بها، لذا يلزمكم أن تفهموا أنكم بالنسبة لنا مواطنون مغاربة تعبرون عن قناعاتكم السياسية وانشغالاتكم، وتريدون الدفاع عنها، وشعاراتكم في العموم مقبولة...أنتم ترفضون تأسيس حزب أو جمعية، وأنا أنصحكم أن تعرفوا بأنفسكم، الثورة ليست عيبا وليست حراما، ولكن نحن إصلاحيين ولسنا ثوريين، لأننا نعتقد أن الثورة لن تأتينا بالاستقرار، وستحطم المغرب الذي نعرف. أنا أقول للأوروبيين الذين ألتقي بهم دائما : إذا فقدنا الصحراء لا أعرف المغرب الذي ستجدونه، لكن من المؤكد أنكم لن تجدوا المغرب الذي تعرفونه اليوم..."!! الموانع التي حالت دون انخراط حزب العدالة والتنمية في حركة 20 فبراير لما اتضح موقف الحزب من مطالب حركة 20 فبراير، وأنه يتقاطع مع العديد منها، إن لم يكن جميعها ، فمن الطبيعي أن يطرح السؤال عن أسباب رفضه المشاركة في المسيرات التي دعت إليها من أجل تحقيق تلك المطالب، والتي كانت من جملة انشغالات الحزب منذ بداية المسيرة مع الدكتور الخطيب قبل 20 سنة، بحسب ما يؤكده أمينه العام الحالي الأستاذ عبد الإله بنكيران، ولم يتحقق منها شيء!! فمازال المغرب يعيش على إيقاع كر وفر بين أسلوب التحكم العتيق وأسلوب الانفتاح والانتقال الديمقراطي الذي بشر به العهد الجديد، بين جيل يتطلع إلى مستقبل أفضل يشارك في صياغته بما يسمح له من الاستفادة من الثروة، وبين جيل لم يستطع الانفكاك من أسر العهد القديم في تكوينه وثقافته، يحتكر الثروة ويعتبر السلطة مغنما ،يرفع شعار الديمقراطية والحداثة ويمارس الحكم بأسلوب الحزب الوحيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه!! يعزي عبد الإله بنكيران الأسباب التي دفعت الأمانة العامة للحزب أن تتخذ قرارا بعدم الخروج يوم 20 فبراير إلى خمسة أسباب: أولا : صعوبة ضبط الشعارات، إذ يقول بهذا الصدد مخاطبا أولئك الشباب : " أقول لكم إنه قبل الخروج أو الدعوة إلى مسيرة، يجب أن يكون الإنسان مسؤولا وتكون له الضمانات الكافية للدخول في أي معركة، أنا مثلا لو كنت متأكدا أنكم سترفعون شعار إسقاط النظام، لأخذت موقفا آخر، لا يمكن إلا أن يكون ضدكم.أنا لم أصدر أي موقف لأنني أحترمكم. أنا لا أستطيع أن أغامر بالحزب في مظاهرة لا أعرف ما الذي ستطرحه كشعارات... لو خرج مليون مغربي يومها، هل ستكونون قادرين في هذه الحالة على ضبط الشعارات؟...نحن خرجنا في مظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني شارك فيها على الأقل مليون شخص، فلم ننجح في ضبط الشعارات، بل لم نستطع أن نتحرك في البداية لأن مجموعة حاصرتنا وجعلت حركتنا مستحيلة"!! ثانيا : السياق الإقليمي ،" هناك سياق إقليمي ، ثمة حركة أسقطت بنعلي حاكم تونس ومبارك حاكم مصر، وحصدت في ليبيا ما يربو على الألف قتيل، كل هذه الظروف لا بد أن نقدرها، ونأخذها بعين الاعتبار". ثالثا : إمكانية استغلال المسيرة من أجل التخريب : " نحن أحزاب مسؤولة ، هناك لحظات نقرر فيها عدم النزول إلى الشارع، لأن ثمة شريحة غاضبة تتعاطى المخدرات، والأبواب مغلقة في وجهها .. هؤلاء بمجرد ما تنظم أية تظاهرة يغتنمون الفرصة للتخريب". رابعا : إمكانية استعمال العنف ضد المتظاهرين : " لنفرض أنكم ضبطتم الحشد من المتظاهرين، هل يمكنم أن تضبطوا الطرف الآخر؟ إنكم لن تعرفوا قط كيف ستتصرف السلطة والإدارة. نحن في حزب العدالة والتنمية حينما ندعو للتظاهر لا نضمن مروره بسلام. وأضع يدي على قلبي طيلة مدة المسيرة، و لا أرتاح إلا بعد أن يتفرق الجميع"!! خامسا : الطبيعة الإصلاحية للحزب: حزب العدالة و التنمية حزب إصلاحي يؤمن بالمشاركة السياسية، ويؤمن بالتغيير من داخل المؤسسات،ويؤمن بسنة التدرج والتراكم، وقد قام بمراجعات هامة منذ ثلاثة عقود من داخل الحركة الأم التي انبثق عنها الحزب،فتأكد لديه أن للنظام المغربي خصوصيته التي حافظ عليها والتي ميزته عن باقي الأنظمة العربية، والتي نشأت في معظمها بعد الاستعمار الحديث والانقلابات العسكرية، ومن شبه المستحيل أن يغير إستراتيجيته القائمة على التدافع من داخل المؤسسات إلى حزب ثوري يسعى لقلب النظام بمجرد نجاح ثورتين في بلدين مجاورين، ولذا حافظ على هدوئه بالرغم من التحرشات والمضايقات التي تعرض لها منذ أحداث 16 ماي 2003 من طرف عصابة الاستئصاليين المتنفذين، وبالرغم من التزوير الفج الذي تعرضت إليه نتائجه في الانتخابات من طرف الدولة لتحجيم حضوره في المؤسسات، وبالرغم من تفكيك التحالفات التي أبرمها مع باقي الفرقاء من أجل التسيير الجماعي، وبالرغم من حملة الترهيب التي تعرض لها رجال الأعمال لتخويفهم من الاقتراب منه، وبالرغم من توظيف القضاء ضد مناضليه الشرفاء...هذا ما يلخصه أمينه العام بقوله لشباب 20 فبراير " الثورة ليست عيبا وليست حراما، ولكن نحن إصلاحيين ولسنا ثوريين، لأننا نعتقد أن الثورة لن تأتينا بالاستقرار". بعد هذا لم يغلق الزعيم الإسلامي الباب في وجه حركة 20 فبراير، بل حثهم على التعريف بأنفسهم أو إنشاء جمعية أو حزب باسمهم، ووعدهم أنه رهن إشارتهم من أجل التنسيق المشترك والعمل معا لتحقيق مطالبهم،لأنها مطالب كل المغاربة، شريطة إشراك الحزب في جميع الخطوات المزمع اتخاذها مستقبلا بداية بضبط سقف المطالب والاتفاق حول الشعارات ولجان اليقظة واللافتات، وكل ما يتعلق باللوجستيك ، عندها يمكن للحزب أن ينزل بثقله ويتحمل المسؤولية فيما يمكن أن تؤول إليه الأمور. يقول بهذا الصدد: " لو تشاورتم معي واتفقنا على الشعارات و الأهداف، لخرجت معكم ولساندتكم، أما وإنكم لم تطرقوا بابي ولم تستشيروني، فإذن أنتم الذين تتحملون المسؤولية...لو لجأتم إلينا لنسقنا معكم، وبالتالي كنا سننزل معكم بثقلنا، وسنتحمل المسؤولية معا، وربما يكون العدد أكبر، وسنكون مهددين حتما، ولكن ضمانات النجاح ستكون أكبر".