يحكى أن أحد النبهاء القدامى حذر قومه قائلا:" ستختفي جميع المياه في الأرض بإستثناء التي يخزن منها، وستعود للتدفق من جديد مياه أخرى سيصاب بالجنون كل من يشرب منها". لم يصغي أحد لتحذيراته وتنبيهاته المتكررة، فبدأ لوحده يخزن ما استطاع من مياه إنتظارا لذلك اليوم، وبالفعل بعد مدة جفت جميع آبار ووديان وأنهار العالم. ذهب هذا الرجل إلى ملجئه وأخذ يشرب من المياه التي خزنها، وعندما عادت المياه إلى مجاريها من جديد، ترك هذا الرجل ملجئه ونزل إلى رفاقه البشر، فوجدهم يفكرون ويتكلمون بطريقة مغايرة كليا عما عرفه سابقا، وأنهم لا يذكرون شيئا مما قد حصل، وأدرك عندما حاول التكلم معهم أنهم يعتبرونه مجنونا، وعامله بعضهم بالطرد وبعض أخر بالإستهزاء، ولم يجد رجلا واحدا يفهمه. فلنفرض أن هذه الحكاية صحيحة، وأن معمر القذافي هو هذا الرجل الحكيم الذي رفض شرب المياه الجديدة حتى لا يصاب بالجنون، ولنفرض أننا نحن المجانين الحقيقيون، ولنستمع لما قال وسيقول، ونقيم الأمور "على قد فهامتنا" فيما بعد. مخطئ من يظنني أنا ملك ملوك إفريقيا، وعميد الحكام العرب، ورمز الأمة الإسلامية، وفخر الجماهيرية الليبية سأهرب كما فعل جاري الغربي زين العابدين، أو سأتنحى كما فعل جاري الشرقي حسني مبارك، فأنا لست برئيس دولة كما تحسبون، إنما أنا قائد ثورة عظمى ووجب عليكم طاعتي، أولم يأمركم الله بطاعة أولي الأمر منكم؟ بأفعالكم الصبيانية هذه تكونوا قد عصيتم أوامر الله واردتم عن الإسلام ووجب قتلكم، فأنا لا أريد رؤية مرتدين بليبيا، وإن اقتضى الحال لأقتلن الليبيين واحدا واحدا، وأجلب عارضات الأزياء الشقراوات، وأضيفهن إلى حارساتي العذراوات الإيطاليات، وأؤسس شعبا جديدا، يكون الكتاب الأخضر دستوره، وتكون "إيطاليبيا" وطنه، على غرار دولة "إسراطين" حلي الأمثل لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. مخطئ من يعتقد أنه يستطيع النيل مني أو التحالف ضدي، فأنا شخص تشتريه الشعوب بالملايين، وتدين لي دول إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية بالولاء، فلا الجزيرة ولا الفايسبوك، ولا حتى مجلس الأمن يستطيعون الإطاحة بنظامي الذي بنيته منذ أكثر من 40 سنة، طوبة طوبة، حجرا حجرا...حتى وإن قرر ضباطي عصياني، فقبائل "الزولو" وأحفاد الحبشيين أولى بكم ياجردان. لماذا لا يقوم التايلانديون والبريطانيون بثورات ضد ملوكهم، فملك التايلاند والملكة إليزابيت الثانية جالسون على عروشهم منذ أكثر من ستين سنة، لماذا تلومونني أنا لوحدي وأنا لم أتعدى في الحكم إلا الأربعين بقليل؟ أتخافون من أن أغزو العالم بنظريتي الثالثة؟ ألهذا هلوستم لي شعبي؟ ألهذا تحالفتم ضدي؟ عن أي إنتهاكات وإبادة يتحذث الرئيس الأمريكي المبارك أبوعمامة؟ فلحدود الساعة لم يمت إلا بضع مئات، أما الإبادة الحقيقية هي لما سأحرض عليكم أصدقائي رجال الفضاء "دوك فليد" و "غراندايزر" وسيبحث عنكم أيا الكلاب شبرا شبرا، بيتا بيتا، دارا دارا، زنقة زنقة، فردا فردا، ليسحقنكم بأشعة "جاما"، وعندئذن سترون الإبادة الحقيقية... كي لا أطيل عليكم أعزائي القراء، فلنطلب الله أن يعيد لنا عقولنا حتى نستطيع فهمه، أو ليشرب هو مياه الحمق ليرتاح ويريحنا معه. للتواصل مع الكاتب : [email protected] http://www.facebook.com/KarimBelmezrar