مشروعُ قانون جديد في الطريق إلى البرلمان.. يقضي بمنع صُنع أكياسِ التّلفيف البلاستيكية، واستيرادِها وتصديرِها وتسويقِها واستعمالِها.. ويُحدّدُ قواعدَ استخداماتٍ أخرى في الفلاحة والصناعة والنفاياتِ وغيرها... تَأخَّرْنا كثيرا في إصدار هذا القانون.. ولسْنا البلدَ الوحيد الذي تأثّرَ ويتأثّرُ بالأكياس البلاستيكية.. لكنّنا نحنُ أيضا، تنتشرُ عندنا في البوادي والحواضر أكياسُ البلاستيك التي تضُرُّ بَلدَنا، ومن خلال بلدِنا، تَضُرُّ العالمَ قاطبة.. ويتوجبُ التّفكيرُ في طريقةٍ أخرى للتعامُلِ مع ثقافةِ البلاستيك.. إن البلاستيك مادّةٌ مصنُوعةٌ من النفط، فيها جانبٌ مُفيد، وهذا واضح في المنتجات البلاستيكية، وهي كثيرة، وطبعًا جوانب مُضرّةٌ بالصحّة، والفلاحة، والماء، والهواء، وكل ما في البحار، وبالتالي مُضرّةٌ بكُلّ الكائناتِ الحيّة.. تَأخَّرْنا كثيرا في مُواجهةِ البلاستيك.. كان يجبُ إصدارُ هذا القانون من زمان.. وعندنا بديلٌ طبيعي للأكياس التّلفيفيةِ المستخدَمة في الاحتياجاتِ التسويقية اليومية.. إنها القُفّةُ التي ما زال عندنا من يستخدمُونها في اقتناء الاحتياجات الغذائية اليومية.. القُفّة المصنوعة من «الدُّوم» لم تنقرض.. ما زالت تظهرُ في بعضِ أسواقِنا.. وعلينا أن نُعيدَ لها الاعتبار.. ويجبُ أن تزُولَ الأكياسُ البلاستيكية بصفة نهائية، لأنها تُفيدُ بعضَ الوقت، ثمّ تَترُكُ بعد ذلك آثارًا سلبيةً على حياتِنا المشترَكة، بيئيًّا وصحّيّا.. هذه الأكياسُ البلاستيكية تُلقي بها الرياحُ إلى أحيائنا ومنازلِنا وكل الفضاءاتِ المحيطةِ بنا، ثم تنقُلُها وديانُنا إلى البحر.. وهُنا تكمُنُ الخطُورةُ الكُبرى.. ففي بحارِ العالم، شَكّلتْ هذه الأكياسُ قارّاتٍ بلاستيكيةً عائمة.. أجل، ملايينُ الكيلومترات المربّعة تَسْبَحُ على البلاستيك في مُحيطاتِ العالم.. يُسمّيها البعضُ قارّاتٍ بلاستيكية.. ويُسمّيها آخرون «حساء البلاستيك».. ونُسمّيها نحنُ «حَرِيرَة» بلاستيكية، تبدأُ كُبرياتُ الأسماك باستهلاكها.. وبعد الحيتان، يأتي دورُ بقيةِ الأسماك الكبيرات، ثم المتوسطة، فالصغيرات، ثم الأصغر.. وكُلُّها تَعْجزُ عن هضمِ مُستهلكاتِها من «حَرِيرَة» البلاستيك.. وتموتُ الأسماك.. وتأخذُ مَكانَها الحشرات.. والحشراتُ تقتاتُ هي الأخرى من جُزَيْئاتِ البلاستيك.. وعندئذٍ تعودُ بواخرُ الصّيد إلى أسواقِنا، فنشتري أسماكًا ما هي بأسماكٍ طبيعية.. في تكويناتِها يٌُعشّشُ البلاستيك.. ويصلُ البلاستيك إلى أغْذِيَّتِنا اليومية.. وبهذه الطريقة نفسِها تأتينا النفاياتُ التي تَستهلكُها مواشينا التي نُشاهدُها تأكلُ الزبالةَ في فضاءاتِنا.. أصبح البلاستيك يُشكلُ في حياتِنا غذاءًا للإنسان والحيوان.. ويجبُ أن نعي مدى خُطورةِ هذه الأغذية البلاستيكيةِ علينا جميعا.. هي أيضًا تُساهمُ في نشر أمراضٍ لم يعرفها العالمُ من قبل.. أمراض بيئية لم يسبق لها مثيل.. إنّنا نَبْتعدُ أكثرَ فأكثر عن بيئتِنا الطبيعية.. وكُلّما ابتَعَدْنا، عَرّضْنا صحّتَنا لمَخاطِر.. البلاستيك يجبُ ألا يكون له وجودٌ في أسواقنا، ووِدْيانِنا وبحارِنا.. ولا في مَطارِحِ النفايات، ولا في حدائقنا، ولا في حقولِنا.. أكياسُ البلاستيك يجبُ أن تزولَ من حياتِنا اليومية.. وهذا ما فَعلتهُ قبْلَنا كثيرٌ من الدول الواعيةِ بمدى الخطورةِ الآتيةِ إلى صُحُونِنا من القارّاتِ البلاستيكية السابحةِ في مُحيطاتِ العالم.. البلاستيك لا يتحلَّلُ بسُرعة.. لا يتحلّلُ إلا في مُدّةٍ تتراوحُ بين قرنٍ وعشرةِ قرُون.. أنواعٌ من البلاستيك تتحلّلُ في مُدةِ قرن من الزمن.. وأنواعٌ أخرى لا تتحلّلُ إلا في ظرف ألفِ عام.. فهل العالمُ قادرٌ على تحمُّلِ المخاطرِ البلاستيكية على امتداد كلِّ هذه «المسَاحة» الزّمنية؟ علينا نحن أيضا مسؤولية.. علينا، ونحنُ ندخلُ العصرَ العالمي الجديد بطاقاتٍ نظيفةٍ مُتجدّدة، أن نعمل من أجل استثماراتٍ بيئيةٍ لا تضرُّ بالحياة، وفي نفس الوقت هي ذاتُ مردودية.. ومن هذه الاستثمارات الممكنة، إقامةُ «غربال» في كلّ وادٍ من وديانِنا لمنعِ البلاستيك من الوصول إلى البحر.. ومن هذه الاستثمارات أيضا، استخدامُ «القارّات» البلاستيكية الجاثمة في البحار، لتبليطِ الطرُق.. وهذه فكرةٌ موجودة، ابتكرَها خُبراءُ في أوربا.. الفكرة جاهزة، ويُمكنُ فقط تبنّيها واستخدامها.. الطرُقُ تستطيعُ أن تستوعبَ كلَّ أكياسِنا البلاستيكية المكدَّسَة في كلّ فضاءاتِنا الوطنية والعالمية.. وفكرةٌ أخرى من بعضِ العُلماء.. وهي استخدامُ القارات البلاستيكية كي تتحوّلَ إلى مُدُنٍ عائمةٍ لاستخداماتٍ بشرية.. أفكارٌ كثيرةٌ يتداولُها عُلماءُ البيئة الطبيعية، ومنهم عُلماؤُنا.. وبهذا نُساهمُ عالميًّا ومحليًّا في تطويقِ الخطرِ البلاستيكي الدّاهِم.. وعلى جميع الدول أن تُساهم في تنظيفِ المحيطاتِ، لأنّ مُستقبلَ التغذيةِ العالمية كامِنٌ في طَحالبِ المحيطات.. والطحالبُ، للأسف، قد وصلَها هي الأخرى التلوُّثُ البلاستيكي! وبدون تنقيةِ البحار، لن يتمكّنَ الإنسانُ من استخدام الطّحالبِ غذاءًا بديلاً أو تكميليًّا لفلاحةِ التُّربة.. إن المساحة الغذائية، عندنا وعند غيرِنا، تتقلّصُ أكثرَ فأكثر، بسببِ التلوُّثِ المستفحِل، وسُوءِ التّدبير، والاستعمالِ السيّىء للصناعةِ البلاستيكية.. ونحنُ أيضا نستطيع.. نستطيعُ أن نُساهم ولو بالأفكار، في تنظيفِ الحياةِ برًّا وبحرًا وجوًّا.. ونستطيعُ أن نقول للعالم، وبالدّليل: «تلوُّثُ البيئةِ من تلوُّثِ الفكر».. ومن الفكر يجب أن نبدأ.. [email protected]