- فكيف ترتسم فكرة الجهاد في ذهن الجهادي ؟ وما هو البراديغم الذي ينتجه الاعتقاد بهذه الفكرة ويصدر عنه الذهن الجهادي عندما ينتج المقولات الأخرى المرتبطة بهذه العقيدة ؟ - إذا كانت المقولات المركزية للإيديولوجيا الجهادية متمحورة حول هذا الموت في سبيل الله باعتباره أكبر علامة على سمو التدين، فما هي المعاني الظاهرة والرمزية لفكرة الجهاد ؟ وإلى أي حد ساهمت هذه الفكرة في بناء باقي الأفكار السائدة داخل هذا النسق الاعتقادي؟ إن ما يجعل من الإيديولوجيا الجهادية محل جاذبية كبيرة هي أنها تعمل على إعادة صياغة معتقدات الإسلام فيشاكلة أكثر تبسيطا، فهي مذهب ديني موجه لا إلى النخبة المتمكنة من وسائل التنظير والحجاج، وإنما إلى أناس في حاجة إلى فهم طرق الخلاص، في حاجة إلى عقيدة بسيطة بإمكانهم إدراكها حسب إمكانياتهم الذاتية والتحدث عنها مع الآخرين من أمثالهم، ونيل الخلاص دون الخوض في كثير من المتاهات النظرية. (النقاش حول الجهاد المقصود في الإسلام). من هذه الوجهة يمكن القول إنه من خلال مسألة الجهاد، فإن السلفية تستبطن إعادة تشريع العلاقة بالأشياء المقدسة من خلال ربط المؤمنين بمفاهيم بسيطة، مادام أن الاعتقاد بالجهاد كعبادة مخلصة عندها تتحقق بمجرد اعتناق الجهاديين للإسلام أو الرجوع إليه حتى من دون سجل تديني. ليس الإيمان عند الجهاديين وحدة كمية قابلة للقياس، بحيث يمكن أن تتحقق في كل وقت وحين، حين تختبر الذات في عمل انتحاري يصور انه انتصار للعقيدة. وفي سياق تفكيك الجهاز الإيديولوجي الجهادي تم رصد ومعالجة السمة العامة للخطاب السلفي وهي التصلب المذهبي، والذي أرجعناه منبعه مبدأين تتسم بهما الإيديولوجيا الجهادية: - رفض الشرك والإصرار على التوحيد الذي يجب أن يخضع له كل سلوك بشري. - الرؤية الصارمة جدا والملتزمة بحرفية القرآن وفق التقليد الحنبلي، والذي يجعل كل شيء يعود إلى منطوق القرآن السنة. - رفض التغريب. إن النزعة الجهادية محاولة نشطة لتكوين أورتدوكسية واحدة لكافة السكان،.. نوع من الإصرار على تأسيس مذهب فقهي متجانس مع عقيدة ثورية من خلال أعمالها القتالية، وثورة على التقليد الدينية الكلاسيكية واعتماد الإسلام النصوصي -وما فيه قيه من إعلاء قيمة الجهاد- الذي يحيل على القران والسنة كمناط كل تفكير وسلوك. إن للنزعة الجهادية مصادرها المؤسسة مما يتطلب مساهمة المصادر في بناء هذه النزعة الدينية، واكتشاف أثر الظروف التاريخية والثقافية التي أحاطت بهذه المصادر في تشكيلها لهذه الإيديولوجيا. علينا ان نسائل الوقائع القابلة للملاحظة في هذا الاتجاه قبل الانخراط في تحليلات ثقافوية تنبني عليها للأسف الشديد كثير من السياسات البديلة الخاطئة في البلدان الإسلامية. وقد مدنا تتبع تحليل سير ومسارات الآباء المؤسسين للإيديولوجيا الجهادية بإمكانية تفكيك النزعة الجهادية السائدة اليوم بحسب نوع التأثير الذي مارسه هؤلاء عليها والطرق التي تلقت بها أفكارهم، فمن في داخل التركيبة التنظيمية لهذه الحركات ممن له رأسمال علمي في فكر هؤلاء أي تفكير المذهبيات المخالفة، ومنها من تكلف الدعائي الإشهاري، ومنها أخيرا، من تأثر الاجرائي ضد ما يعتبر في متن الجهادية ب "أعداء الإسلام" في الداخل والخارج. هكذا أظن وبغض النظر عن السطحية التي تبيدها نمط تفكير هذه الحركات، فإن الأهم هو البراديغم الذي يخترق الخطاب الجهادي، وقد قصدنا بالبراديغم هنا ذلك الطابع الذي تصدر به الإيديولوجيا الجهادية، إنه الأنموذج الذي يساعد الخطاب على حل جميع المعضلات التصورية التي تعترضه. والذي يتحول إلى عقل مركزي حاكم على مجموع الفكر الجهادي على جميع المستويات، مثل البراياديغم هو حجر الزواية في قدرة الجهادي على التعبئة وليس الخطاب نفسه، ولعل عدم انتباه المرجعيات الأخرى إلى أهمية هذا المخططات المنهجية الكبرى هي التي تعجل بدائلها في غير المتخصصين غير فعالة غير الإمكانيات الكبيرة التي تخصص لتطبيقها. أو موجهة لخدمة أغراض أخرى لا تكون بالضرورة واضحة تجاه واضعيها.