هذا هو القذافي إذن ، من دون قناع و من دون رتوش تجميلية ، يا للفرجة ، يا لقذارة الديكتاتور! قد يتساءل من يستمع إلى هذا الهراء: من أي غاب أتى ليل هذا الاستبداد ، من أي الكهوف من أي وجر للذئاب؟! هذا إن شئنا القياس على قصيدة المومس العمياء. كل ملمح من ملامح وجهه يوحي بسكرات موت طاغية ، وكل قسماته تحمل قسوة المستبد وبلادته. لم نعهد في دنيا العرب أوغيرهم مستبدا لا يحسن أن يتحدث برباطة جأش حتى وإن أزفت الآزفة. تكرر وصف الجرذان والمقملين ومستهلكي الحبوب المهلوسة والعملاء مرات عديدة في خطابه الأخير . حتى أنه لم ينس أن خاطب بوقاحة شعبه المنتفض: لعنة الله عليهم. هكذا نظر إلى شعبه باستخفاف، وهكذا أخفى احتقاره له طيلة 42 عاما، خلف كل ذلك الصخب الثوروي الهجين والممسرح. خطاب مليء يالتناقضات والمفارقات والمرض. فقلب الحقائق شأن من شؤون الديكتاتورية . وقبل عقود قال الكواكبي أن لا غرابة في تحكم الاستبداد على الحقائق في أفكار البسطاء ، لا بل ذهب إلى أن الاستبداد يسلب الراحة الفكرية. ومن هنا لا نستغرب أن يخرج القذافي وابنه المدلل سيف البهتان ليكذبا على العالم ، ويصنعا عبر قناة الجماهيرية البليدة فصلا من الكوميديا الإعلامية ، في محاولة لإقناع العالم الذي باتوا أمامه حفاة عراة غرلا ، بأن لا شيء يجري في بنغازي أو طرابلس ، فيما ثوار الحرية قد استولوا على أكثر من مدينة ، وفيما أكثر من عشرين ديبلوماسيا وكثير من الشخصيات والضباط والمسؤولين في الدولة انضموا إلى الثوار، وفيما عبد الرحيم شلقم وهو رسول ليبيا إلى الأممالمتحدة يستنجد بتدخل الأممالمتحدة لإنقاذ الشعب الليبي من القذافي. وحقا وكما قالوا: فاز المتملقون. ففي ليبيا وعبر شاشة الجماهيرية لسان حال الكوميديا القذافية السوداء ، يوجد من كل طيف متملقون أنذال يكذبون على الشعب ويقدمون مسرحية من النوع الرديء لإخفاء حمام الدم. منهم مثقفون رديئون وطلاب علوم دينية من النوع البائس وأسماء تؤكد على إفلاس نظام القذافي الذي بات يتيما حتى أنه لم يجد من بد سوى أن يتصل كغريق ببشار الأسد. وهو الاتصال الذي أكّد على أنه بدأ يدرك أنه إلى الهاوية. ولا نخال ذلك اتصالا بريئا بل هو اتصال النزع الأخير. فهو يدرك أن الأسد وحده يمكن أن يتوسط له مع محور الممانعة بعد أن كان عميلا مقنعا لواشنطن وإسرائيل يخدمهما بالمراسلة. يريد أن يتدخل الأسد ليقنع حلفاؤه بعدم ملاحقته من قبل ذوي السيد موسى الصدر وهو أمر يعني أمل وحزب الله والحكومة اللبنانية والسورية والإيرانية. كما يبغي أن تتوسط سوريا للجزيرة كي تكف عن نقل الصورة عن أحداث ليبيا. يريد من تلفزيونات الممانعة أن تكف عن ذلك لأن القذافي بات منبوذا اليوم من الجميع من الاعتدال حتى الممانعة. هذا إجماع مرعب بالنسبة إلى القذافي الذي يريد أن يعرض خدماته على الممانعة بعد أن يئس من واشنطن وإسرائيل. كل هذا يفسره الاتصال الأخير بسوريا بوصفها مفتاح جبهة الممانعة. يدرك القذافي أن لا دولة تحضنه بعد اليوم. فلو بنا كوخا في أحراش أفريقيا لنهشته السباع. ومثل القذافي بلا شك لا يتنحوا عن السلطة إلا بعد أن يتدلوا من حبل مشنقة. وبات إذن ضروريا أن تتحرك جامعة الدول العربية وهي اليوم في حلّ من أمرها أن تعلن تدخلها مباشرا في ليبيا لإنقاذ الشعب الليبي ، لأن لا أحد يعتب عليها، وهي فرصتها الأخيرة لاستئناف نهار عربي مفعم بالنور والأمل ولتصحيح مسار الجامعة العربية التي طال شخيرها على أنغام الهزيمة والاستبداد والاستقالة . فجبهة الاعتدال و جبهة الممانعة متفقان على ذلك.. وأمينها العام يوجد في مصر التي تشهد اليوم ثورة شعبية.. والمنتظم الدولي يؤيد ذلك بعد صدور القرار الأممي بمعاقبة القذافي وستة من عائلته.. ما الذي تنتظره الجامعة العربية أو منظمة المؤتمر الإسلامي، هل تنتظران تدخلا دوليا أو ماذا؟ لقد بدت ليبيا حسب خطاب القذافي الكوميدي، كأنها بلا دولة وبلا شعب بل هي حضيرة للعقيد وبلطجيته التي استقدمها من كهوف أفريقيا. لودّ أن يبيد كل ليبي لكي يعمرها بخليط من المرتزقة . هل توجد إهانة أكثر من أن تبيد شعبا وتشكل شعبا من المرتزقة؟! ليبيا عند العقيد هي ملكية خاصة لا يشاركه فيها الجرذان المقملين. فهو الذي أحياها بعد أن أماتها وإليه النشور!؟ ما أقبح هذا الشعور الذي ظننا أنه لم يعد يعيش بين ظهرانيينا ، لكنه في دنيا القذافي لا زال في عنفوانه يملأ العقيد حتى مشاشه. ظننا يوما أن صدام هو آخر أولئك المستبدين الذين عبثوا بالشعارات الثوروية والقومية لبسط نفوذهم وسلطتهم ونهبهم اللامحدود لثروة الشعب، حيث أبا أن يرحل إلاّ بعد أن قدم العراق أكلة صائغة للغزو الأمريكي ، ودائما بمنطق الأرض المحروقة : أنا أو الطوفان.. الزعيم أو الأساطيل الامبريالية.. تشابهت قلوب الطواغيت وأعاد التاريخ نفسه بصورة أكثر ابتذالا. لكن في مغربنا العربي يوجد ما هو أكثر قذارة من صدام ويستحق المشنقة ذاتها ، هذا إن لم يكن أشجع قليلا من صدام لينتحر قبل أن يصبح عبرة للغادي والبادي. ومع القذافي آن الأوان لنترحم على ديكاتورين سبقاه إلى مزبلة التاريخ : بنعلي ومبارك. فعلى الأقل كانا أقل بلاهة منه وأقل مرضا وإن جنحوا للاستبداد والقمع والعنف زمانا طويلا. فالأول فهم فكان زين الهاربين والثاني واصل مناورته إلى حين الرحيل، بينما القذافي لم يفهم ولم يع ولم يرحل. قد يكون السبب الوحيد لذلك أن الاثنين الأولين أدركا أنه لا يزال شيء من الأمل في أن ينجوا بجلدهم من دون ملاحقات أو يجدوا لهم أصدقاء قبل أن يتدخل المنتظم الدولي فيحول العالم أمامهم إلى جحيم ، بينما القذافي فقد كل أمل ، فهو يدرك أن العالم بات مقبرته أينما حلّ و ارتحل. فما يفعله القذافي ليس من أجل حفظ دولة اللاّدولة، بل لأنه لم يعد لديه خيار سوى أن يحرق اليابس والأخضر من أجل أن لا يلاحق دوليا. وهنا يا عالم ، ارحموا الشعب الليبي وأمّنوا للطاغية ممرا آمنا واضمنوا له رحيلا سلسلا ، وكفى عقوبة للقذافي أن يعيش من دون خطابة أو ثرثرة . فمرض الاستبداد قد أفقده الإحساس بالحياة ، فالزعيم الذي حارب الملكيات لم يهدأ له بال حتى قبل بالواقع شريطة أن يصبح ملك الملوك، كما لم يهدأ له بال وهو يحارب الحركات الإسلامية حتى قيل له: أنت إمام المسلمين. طموح القذافي كان أبعد من ليبيا، لأنه أراد أن يكون زعيما للعرب وأفريقيا وأمريكا اللاتينية والعالم. يريد في هذيانه هذا أن يقول لليبيين: إذا كنت أنا لقذافي ملك ملوك أفريقيا وإمام المسلمين وأمين القومية العربية ، قائدا للعالم فمن أنتم أيها الجرذان حتى لا تقبلون بي؟! من هنا يكفي القذافي أن تنتزع منه أزمّة هذه الكوميديا، لينال أكبر عقوبة وأقساها على الإطلاق. ورأيي أن يترك للعدالة الإلهية حقنا لدماء الشعب إن هو فضّل الرحيل وقايض خروجه السلس بمغامرة الجرذ المذعور ، لأن لا أحد يعرف كيف يعذب هؤلاء الطواغيت إلاّ ربهم: (لا يعذب عذابه أحد)! لقد أفسد القذافي السياسات وميّع الشعارات وعبث بكبرى القضايا الإقليمية والدولية المهمة. من لم يصدق يوما أن هذا الرجل كان عميلا نائما في منطقتنا للامبريالية ، فلينظر إلى صمتهم بل إلى حديث المجرم برلوسكوني مغتصب القاصرات عن خشيته من هيمنة الأصوليين على ليبيا فيما لو سقط القذافي. وقد بدا معتوه إيطاليا الحاقد على كل ما هو عربي إمعانا في احتقار العرب واعتبارهم حشرات يستحقون القذارة الديكتاتورية، حين احتقر الحضارة الإسلامية كلها لكنه ركع ليقبل يد معتوه عربي لطالما احتقرنا سياسته وأسلوبه الديكتاتوري ؛ غير مدرك بأن واشنطن نفسها لم تعد مستعدة لتأمين حماية مكلفة لهذه النفايات السياسية. هذا قبل أن يعترف يرلوسكوني بأن القذافي فقد السيطرة على ليبيا. إنها مهانة كبيرة أن تلعب إيطاليا برلوسكوني كل هذا الدور القذر مقابل امتيازات قدمها العقيد للبنوك الايطالية. يتعلق الأمر بأنبوب الغاز الذي يصل ليبيا بصقلية عبر 520 كيلومتر، بالإضافة إلى الاستثمارات الليبية الضخمة في إيطاليا. وبالمقابل 5 مليار دولار استثمار إيطالي في ليبيا. شهر العسل بين زير النساء الايطالي وملك ملوك أفريقيا ، قد اشرف على نهاية علقمية. وكما أكد آرتورو فارفيلي صاحب كتاب " إيطاليا وصعود القذافي" ، فإن ما يجري في ليبيا اليوم ستكون له نتائج سيئة إذا ما سقط القذافي. كان برلوسكوني وآخرون من أوروبا قد قدموا للقذافي خدمة عظمى وحموا استبداده ووقفوا ضد مطالب شعب لم نتعرف على قسماته منذ سرقة القذافي للسلطة. إننا لم نجد رئيسا أوربيا يقبّل يد القذافي مثل ما فعل برلوسكوني حينما استقبل في خيمته الأسطورية مشرئبا بعنقه نافشا ريشه. سيبكي الأوربيون القذافي أكثر من غيرهم. فهو صاحب رسم أحمق الذي زرعوه ليخلط كل الأوراق في المنطقة وليفسد كل قضية من قضايا العرب. وهو "كونكر" جاك بريفير الذي يمسح كل شيء: الحروف والكلمات. وهو عش الزنانير الذي خرجت منه الفتنة باتجاه كل البلاد العربية. وكل شيء يمر بسلام ، لأن العقيد قلبه مع الإمبريالية ولسانه مع الثورة. لقد انتزعت ثروة ليبيا من الغاز لتوضع في يد سفيهها الذي أرشى بها كل الزعماء الغربيين كما موّل بها قسما من التدريب والتسليح لبعض الطيبين المناضلين في العالم ، بينما كان يشكل رجل أمريكا الخفي داخل كل هذه التنظيمات مخترقا إيّاها ، متجسسا عليها. إنها لعبة قذرة مرت تحت دفق من الضجيج الثوروي ، كان فيها القذافي الثعلب البنّي في اللعبة وتاجر بندقية حسب تعبير الشيخ زبير في لعبة الألفاظ البليدة للطاغية ؛ تاجر بندقية في مشهد مفعم بالحروب والإبادات والفتن وحفار قبور في دنيا عامرة بالمرشحين للموت. لقد بدا القذافي في حالة شديدة من الإحساس بشماتة الدول العربية وغير العربية بمصيره الجهنمي. بل لعله أحس بخدعة الغرب نفسه وتخليه عنه في لحظة الحرج الكبرى. وبات واضحا أن الغرب سيسمح للثوار الليبيين أن يشفوا غليلهم منه كما فعلوها في العراق دون حتى أن يتورطوا في الاحتلال. فلقد ظلت ليبيا خاضعة لضرب من الاستعمار الذكي، إذ ما من مشروع عظيم قام به العقيد إلا وكان فيه للأمريكان نصيب كبير. فغاز ليبيا استعمل في الارتشاء للإبقاء على القذافي في مسرحية هي الأطول من نوعها في العالم. هذه هي أمريكا، حيث تحالفت مع الاستبداد وتنكرت للشعوب العربية. وليس عسيرا على الفهم ما ذكره تشومسكي من أن الديكتاتوريين يدعموننا ، ويمكن تجاهل رعاياهم إلاّ إذا تحرروا من قيدهم ، عندئذ ، لا بد من تصحيح السياسة. فبعد خطبة سيف البهتان وتهديداته السخيفة وولدنته السياسية، جاء الزعيم الغارق في جلبابه ، ليكمل أسطوانة الاستهتار بكرامة الشعب. لا ينطق القذافي بعبارات تؤكد على أنه يحترم شعبه أو كان يحترم شعبه. فلو كان ذلك حدث بالفعل لما اضطر إلى استعمال أبشع الكلمات في وصف شعبه الذي كبس على أنفاسه لأزيد من أربعين عاما. ليس أمام القذافي إذن سوى تصعيد لغة الاستثناء الليبي، لأن لا شيء في العالم يؤكد على صوابية نهجه الدموي وسلطته العارية وقمعه اللانهائي. القذافي والزهايمر الثوروي كثيرون تحدثوا بلغة المؤامرة عن القذافي مما لا أطمئن إليه مائة بالمائة. فالبعض يركز على أصوله اليهودية من ناحية أمه والبعض الآخر يعود إلى قرار الانقلاب الذي استغل فيه القذافي زيارة رسمية للملك السنوسي خارج البلاد، بمؤازرة إحدى القواعد الأمريكية في ليبيا يومها. كل هذا لا نملك عليه دليلا نحتج به حتى يثبت بالوثائق المطمئنة ، مع أننا ندرك أن ما يخفى في كواليس العقيد هو أنكر. لكن في ظني أن الثورة كانت قد شكلت رغبة لمجموعة من الضباط تماهوا مع شعارات المرحلة فيما أخفى العقيد عقيدته الاستبدادية. وربما هذا ما أثار انتباه عبد الناصر الذي شك في خلفية هؤلاء. لكنه في النهاية جامل العقيد حينما قدم له تقريضا قومانيا وصف فيه العقيد بأمين القومية العربية. وفي ظني لم تكن تلك سوى نكتة من نكات زعيم مصري لعقيد كان كما نقول نحن المغاربة " يطير من المقلة". بدا واضحا أن حاميها في النهاية حراميها. فلقد وضعت القومية العربية في يد غير أمينة. لقد استهوت القذافي لعبة الانقلاب لأنه هو المغمور ليس له ما يخسره من مغامرة ومؤامرة بانت فصولها وتداعياتها مع الأيام. لا يوجد ثائر شعبي تستهويه السلطة كل هذا الحدّ. من سيستعيد ذاكرة الشعب الليبي بعد 42 عاما من التدجين الهجين؟!. لكن طبعه العنيف والاستبدادي جعله ينقلب من أجل السلطة لا من أجل أي شيء آخر. يجب أن لا ننسى أنه انقلب على ملك كان يتمتع بشرعية تاريخية سياسية في ليبيا ، فكيف سيملأ هذا الفراغ ذلك العسكري المغمور المقطوع من شجرة. هنا تجول القذافي في بزورية الثورة والقضية الفلسطينية والوحدة العربية والتحرر ومقاومة الامبريالية وغيرها ليستعير شعاراته التي لعبت دور السحر في تعويض الشرعية التاريخية للسنوسي بشرعية ثوريوية افتراضية مقصوفة الرأس، لا يزال يميعها ويسرقها ويعبث بمحتواها ويدمر قداستها عبر مواقف ومبادرات غريبة، إذ كل ما جاءت به تشويه للقضية الفلسطينية وسائر قضايا العرب. هذا الهوس كان وراء اختياراته الغامضة لأن أخشى ما كان يخشاه العقيد وقد وقع اليوم أن يفيق الشعب من حبوب شعارات القذافي المهلوسة وهذا يكفي ليجعل العقيد في حالة من الهستيريا الخطابية. فضل القذافي كما فضل الغرب أن تكون خدمات القذافي لهم غير مباشرة لكنها في الصميم. وقد لعب على عنصر الطفرة الغازية لليبيا وكذا الحرب الباردة حيث كان حليفا للاتحاد السوفياتي مع البقاء على علاقات خفية ومعقدة مع أمريكا، دورا بارزا في حماية الاستثناء الليبي. كانت نهاية الحرب البادرة سببا أساسيا لمجموعة من التشقلبات السياسية والأيديولوجية للعقيد الذي بات يتيما في المنطقة ليس له من الأوراق سوى خنق أنفاس الشعب والرشوة التي يؤمنها ريع النفط الذي لا يعلم به أحد في ليبيا. كل ما قضاه العقيد من عمر في السلطة بعد سقوط برلين إنما دفع ثمنه برشاوى وكرم حاتمي من ثروة الشعب الليبي. صحيح أنه فضل أن يسكن خيمة بدوية للعب على عواطف الشعوب، لكن ما صرفه القذافي على بقائه في السلطة لا يقدر بملك قارون . فهو الذي يقدم أغلى رشوة لا يمكن أن تقدمها أكبر دولة خليجية للزعماء الأمريكيين والأوربيين. لا تعني الخيمة هنا معنى الزهد في السلطة ؛ فما معنى ذلك إن كان ذوقه البدوي يجد متعته في سكنى الخيم؟! الآن فقط استعاد الشعب الليبي كرامته لنكن صرحاء؛ من منا نحن العرب من لم يضحك بسخرية عن كل كلمة نطق بها "كونكر" ليبيا العتيد الذي يقول نعم لكل ما يروق مزاجه ويقول لا للشعب؟! ومن منّا لم يتحدث في جلسات خاصة بتندر عن الشعب الليبي حيث حسبوه على هوى هبل الأخضر؟! والحق أن من تأمل طبائع الاستبداد يدرك أن لا خير معه. فمعه يفقد المرء كرامته واستقلاله ورأيه وحريته وسمته وصوابه وعقله وسمعته وكل شيء. وهذا ما حدث بالفعل لشعب أكره على الانضمام إلى الكوميديا القذافية لأزيد من أريعين عاما؛ يا للمصيبة؟ اليوم يرسم الشعب الليبي مجده ومستقبله ويعود ليكتشف شخصيته وأصالته وذاكرته وحريته وعقله الكبير وقلبه الطيب وألوان الطيف الأخرى التي أكلها اللون الأخضر حقا ، لقد أفسد القذافي اللون الأخضر ليضع حدا لهذه الكوميديا التي هربت الشعب الليبي من دنيا العالم والناس ، وجعلته طيلة عقود من الزمن لا يحسن سوى التصفيق للزعيم؛ "صفق صفق لا يعتقلوك"!؟ القذافي يعلن النفير ضد الشعب أعلن القذافي النفير ضد الشعب. على الشعب الليبي أن يغادر ليبيا لأن القذافي لا مأوى له سوى ليبيا. فإن اقتضى الحال ، فبإمكانه أن يملأ هذه الجغرافيا الشاسعة بمرتزقة من أفريقيا وسائر القارات. يريد القذافي أن يشتري من سوق النخاسة شعبا بديلا عن الشعب الليبي. يتهم العقيد الشعب الثائر بتناول الحبوب المهلوسة. وما كنا لنعلم أن حبوب الهلوسة تصنع ثورات الكرامة عند الشعوب، إذن لأصبحت هذه الحبوب في حكم المندوب؛ اعطني حبوبا مهلوسة أصنع لك ثورة!؟ وبهذا تكون انتفاضة طلبة كليات مثل الطب وغيرها في بنغازي وسائر المدن الليبية نابعة من تناول الحبوب المهلوسة. متى كان مدمنوا هذه الحبوب ينظمون أنفسهم ويكتبون شعارات من أجل الكرامة ويملكون حس التضحية بالنفس من أجل هدف نبيل ومستقبل أفضل. كيف تلتقي الحبوب المهلوسة مع تدخل القاعدة. هل أزيد من عشرين ديبلوماسي من أقصى العالم إلى أقصاه حينما أعلنوا انضمامهم للثورة كانوا مدمني أقراص هلوسة أو سفراء لابن لادن ، هل كان قذاف الدم أو شلقم تحت تأثير حبوب الهلوسة حينما نفضوا أيديهما من ديكتاتورية القذافي؟! ومتى كانت القاعدة تؤمن بالحركة الاحتجاجية.. وهل وجب أن نغمط حقّ الثورتين التونسية والمصرية لكي نبرر موقف القذافي؟! ومتى كان بمقدور بن لادن أن يحرك كل هذه الجماهير في ليبيا بكل أطيافها ونخبها وعشائرها ؟! كم هي درجة الجنون التي يطلبها منا العقيد وسيف البهتان الذي تدحرجت أحلامه وخيالاته في الزعامة على حافة ثورة الشعب الليبي، لكي نصدق أحجيات ليلهم الأخير؟! نعم ، يمكننا تصديق الكوميديا القذافية فقط وفقط، لأن القذافي لم يستوعب حتى الآن كيف أن الشعب الليبي المعذب امتلك كل هذه الجرأة ليقول للقذافي: لا. فلقد فكر ثم قدر فأدرك أن مثل هذا لا يحدث إلا في حال تناول المرء للأقراص المهلوسة ، تنزع عنه الخوف. لكنه لم يقرأ بأن الأقراص المهلوسة تسلب الصواب عن متناولها. وما يعبر عنه الشعب الليبي اليوم هو في منتهى العقلانية والصواب. لكن يبقى احتمال وارد أن القدافي سيتناول الكثير من تلك الأقراص لعله يصمد قليلا ضد التيار . إن القذافي تنطبق عليه سائر تلك الأوصاف ، فهو في حالة هلوسة بل في حاجة إلى مزيد من تناول تلك الأقراص لمواجهة الطوفان، بل هو في حالة الجرذان المذعورة التي تقطعت بها الأسباب فواجهت الباب المسدود وليس أمامها سوى الانقلاب ضد الخصم. يريد القذافي أن يثور على الشعب. الشعب الليبي اليوم في الكوميديا القذافية شعب طاغوتي متآمر إرهابي مهلوس يريد ممارسة ديكتاتوريته على ملك ملوك أفريقيا وإمام المسلمين وقائد أفريقيا وأمريكا اللاتينية بل العالم كله. فحينما ألقى الزعيم المصاب بالزهايمر الثوروي حتى أنه نسي أنه يوما ما كان نبتة من تربة هذا الوطن فلم يعد يملك ذاكرة للعودة إلى أصله المتواضع ، حينما أهان شعبه بكل تلك الكلمات المبتذلات الرعناء مستعملا معجما ساقطا لوصف شباب ليبيا الحرّ بأقبح الصفات ، إنما كان يهين الإنسانية كلها، والشعوب جميعا. فمن أهان شعبا فكأنّما أهان الشعوب جميعا. إذ ما الذي جعله يميّز بين شباب الثورة وشباب البلطجية سوى مرض الاستبداد عفا الله الشعب الليبي منه. إنها كوميديا القذافي الكاذبة ، الملعونة؛ أليس هو من خاطب شعبه بكل وقاحة : لعنة الله عليكم. والحال أن التاريخ والضمير الحر يهتف اليوم ملأ فيه، وبلسان إنساني قراح وإسلامي زلال و عربي مبين: ألا لعنة الله عليك أيها المجرم، ملك ملوك السفهاء وإمام المخذولين وقاتل النفس المحترمة!