الثامن عشر من شهر نونبر يعد تاريخا فاصلا لا يمكن تجاهله في المغرب، فهو يوم يرمز إلى كثير من الدلالات التاريخية التي عاشتها المملكة، ليس أقلها الإعلان عن انتصار إرادة الشعب المغربي، ومعه العائلة الملكية، في مواجهة الاستعمار الفرنسي، ونيل الحرية والاستقلال. ويحتفل المغاربة يوم الأربعاء بالذكرى الستين لعيد الاستقلال، وهي إحدى المحطات المضيئة في تاريخ المغرب الحديث، وما جسدته من انتصار للشعب والعرش في معركة نضال طويلة، إحقاقا للحرية والكرامة واسترجاعا للحق المسلوب، واستشرافا لمستقبل واعد. وفي مثل هذا اليوم من سنة 1955، كان الملك الراحل محمد الخامس قد زف لدى عودته من المنفى رفقة الأسرة الملكية، بشرى انتهاء نظام الوصاية والحماية الفرنسية وبزوغ فجر الحرية والاستقلال، مجسدا بذلك الانتقال من معركة الجهاد الأصغر إلى معركة الجهاد الأكبر، وانتصار ثورة الملك والشعب. وشكل هذا الخطاب الأول للاستقلال خارطة طريق حقيقية وضعها الملك الراحل أمام شعب عمته الفرحة، تؤشر على انخراط الأمة في مسلسل بناء مغرب حديث وحر، رغم المخططات والمناورات التي نفذتها القوى الاستعمارية الفرنسية والإسبانية، في محاولة لتقطيع أوصال المغرب، وطمس هويته وغناه الثقافي. ووجد الاحتلال الفرنسي صعوبة عارمة أمام المد النضالي بالمغرب، حيث لم يستكن الشعب ولم يستمرئ العيش تحت نيران الاستعباد والاستعمار، بل جاهد بكل قوته وما يمتلك من مقاومة في سبيل نيل الاستقلال، رغم نفي السلطات الفرنسية للسلطان الراحل بمعية أسرته الصغيرة إلى كورسيكا ثم إلى مدغشقر. وتعتبر ذكرى عيد الاستقلال من أغلى الذكريات الوطنية الراسخة في قلوب المغاربة، لما لها من مكانة عظيمة في الذاكرة الوطنية، وما تمثله من رمزية ودلالات عميقة تجسد انتصار إرادة العرش والشعب، والتحامهما الوثيق دفاعا عن المقدسات الدينية والوطنية. ويستحضر المغاربة السياق التاريخي لهذا الحدث العظيم الذي لم يكن تحقيقه أمرا سهلا بل ملحمة كبرى حافلة بفصول مشرقة وعبر ودروس عميقة، وبطولات عظيمة، وتضحيات جسيمة، ومواقف تاريخية خالدة صنعتها ثورة الملك والشعب التي تفجرت طاقاتها إيمانا والتزاما ووفاء بالعهد وتشبثا بالوطنية الخالصة في أسمى مظاهرها. وانتصرت الإرادة القوية للأمة، بتناغم مع العائلة الملكية، للدفاع عن القيم الوطنية المقدسة، على مخططات المستعمر الذي لم يدرك أنه بإقدامه على نفي رمز الأمة، الملك الراحل محمد الخامس وأسرته، لم يقم سوى بتأجيج وطنية المغاربة والتعجيل بنهاية عهد الحجر والحماية. وبعد الاستقلال انخرط الشعب المغربي، قويا باستقلاله آنذاك، في مجهود البناء الوطني لتشييد مغرب حر تمكن من فرض مكانته بين الأمم، تحت قيادة الملك الراحل، محمد الخامس، وخلفه الراحل الحسن الثاني الذي عزز التوجهات القائمة على الديمقراطية، والتعددية السياسية والليبرالية الاقتصادية.