كنت تلميدة في السنة الأولى باكالوريا حينما, حينما لمحت عيناي حافلة تعج بالناس من كل الأعمار والألوان, عدد الواقفين فيها يتجاوز عدد الكراسي والجالسين عليها ماكدت أصدق مارأيته حينئذ من تمايل (الطوبيس) يمينا ويسارا حتى خيل الي أنه سيهوي لتوه فيقضي نحبه كل من بداخله. فأشفقت نفسي لتلك الحالة ثم اشمئزت وتساءلت عما اذا كانت أرواح المغاربة زهيدة الى ذلك الحد..أم أن بلادنا في غنى عن جيل الغد الصاعد؟؟ عدت للبيت فانفجرت غضبا واستنكارا أروي لوالدي بمرارة عن مدى شناعة المشهد..ثم اني أذكر جيدا كيف كنت أقسم وأجزم أنني لن أرضى بتلك الحالة البهائمية اللاانسانية خصوصا وقد كنت مقبلة على التعليم العالي أي أنني محتاجة لوسيلة نقل تقلني من مدينة سلاالجديدة الى العاصمة الرباط هذا وفي مدينتي لاتوجد خطوط الطرامواي واذا لاحل أمامي سوى (الطوبيس) أو (الطاكسي,وطبعا ماكان أمام أبي وأمي يومها الا ان يعززا كلامي. مرت الأيام وأتى الموسم الجديد بحلة جديدة ونمط مغاير تماما..لحد الساعة لازلت لم أنسى قسمي ذاك ولم أتنازل عنه,سيما أنني كنت أمر كل مساء بجانب باب الأحد لأقف لوهلة من الزمن.. أشاهد كيف يتعارك الطلبة بعد يوم شاق ومتعب على باب الحافلة كي ينالوا في الأخير مقعدا حقيرا من البلاستك مقابل أربعة دراهم فيما (التاكسي) بتسعة دراهم.. هكذا وأكمل طريقي الى باب شالة حيث محطة سيارات الأجرة الكبيرة وهناك تبدأ قصة أخرى مع الانتظار..حيث الصف الطويل اللانهائي وندرة (التاكسي). كل يوم كنت أعيد السيناريو بروتينية قاتلة. على الأقل كان أبي فيما مضى يستيقظ باكرا ويذهب للعمل قبل الأوان فقط ليوصلني في الوقت المناسب(الثامنة) كي لا أتأخر عن موعد الدراسة. الى الآن مازال الأمر مريحا نسبيا..لكن صباح الاثنين الماضي استيقظت كالعادة مابين الخامسة والسادسة صباحا..أحسست أن تغييرا ما سيطال حياتي يومها, نعم هو كذلك فقد وجدت أبي لايزال نائما..لم يستيقظ قبلي كالعادة... وهذا يعني أنني مضطرة لركوب حافلة الموت..(حيت تسعة أيام ديال الباكور تسالات) بين البيت ومحطة التاكسي مسافة لاتستطيع فتاة جميلة شابة أن تقطعها لوحدها..والا فأنتم تعلمون مدى أمان شوارعنا في وقت مبكر من الصباح. حسنا صعدنا الحافلة صعود الخرفان لعربة البهائم كان الجو باردا لكن الحافلة كانت فرنا ونحن كنا (أقصد الطلبة) كسمك السردين المصفف باتقان ل افراغ بين السمكات,وحين يصعد المراقب (الكونترول) عليك عزيزي الطالب أن تبحث عن البطاقة أو تذكرة الرحلة بين جيوبك ومحفظتك..وهو واقف على رأسك يصرخ بأعلى صوته فيك أن أسرع غير مبال بأنك واقف وتشعر بالدوار والاعياء..ولربما ضاعت التذكرة بين الزحام..وياويلك ان ضاعت فعليك أن تنزل في ذاك المكان غابة كان أم خلاءا..لايهمهم أبدا الأمان..فقد وجدوا هم أيضا ليعلموك درسا من دروس "كيف تكون طالبا في بلادنا".. مر اليوم عصيبا,أربع ساعات في الصباح وأربعة مساءا. يومان من الصبر وفي حلقي غصة تروي محنة حياة الطالب مع وسائل النقل في المغرب. مر اليوم الرابع أيضا كمرورالأول و الثاني والثالث وحان الموعد مع باب الأحد..كم غفير من الشباب الذين ترهق وجوههم علامات الاعياء والارهاق تارة, ومؤشرات السخط وعدم الرضى تارة أخرى.. مرت أربع حافلات وأنا أنتظر أن يقل عدد الطلبة المزدحمون..فلم يحدث والوقت ليل ولازالت أمامي طريق طويلة..سأقبل بالتدافع عند الباب ,جاءت الحافلة الخامسة فتقدمت خطوات مسرعة نحوها والكل يهرول..كأنه باب الجنة الذي سيوصد بعد بضع دقائق,زحام شديد,,اختنقت بداخلهم,,ولم أصعد بعد..فجأة ضربني أحد الشباب بكوعه لأنفي..فما أدركت نفسي الا ويداي تفيضان دما ووجهي أحمر داكن..خرجت بمشقة من بينهم,لم أعد أرغب بتلك الحافلة أصلا..جلست فمدتني احدى الواقفات °جزاها الله° بقنينة ماء وعلبة مناديل ورقية..وهي تردد لاحول ولاقوة الا بالله..شكرتها ومسحت الدم عن وجهي ثم أكملت رحلة الانتظار فيما كانت الحافلة الخامسة قد انطلقت حينها. بالمناسبة ان كنت طالبة في المغرب فاعلمي أخيتي أنه عليه أن تنسي أو بالأحرى تتناسي أنك أنثى وأن تتجاهلي أنك فتاة لها خصوصيات...فان لم تتزاحمي لن تصعدي.وان حصل وصعدت ستسمعين رغما عن أنفك كلاما يندى له جبينك وتحمر منه وجنتاك خجلا..نعم حبيبتي تلك هي الحافلات في بلادي..ستبتعدين ويقتربون منك..ستتجنبينهم ويحتكون بك شئت أم أبيت فتلك هي الحافلات في بلادي..ان كنت طالبة فهذا مصيرك في بلادي..يمتلك أبناء المسؤولين سيارات فارهة فخمة مريحة في ظل حكم الحكومة الاسلامية..بينما يعيش(أبناء الشعب) الطلبة أزمة نقل في بلادي..والدولة عاجزة أن تحل مشكلة النقل للطلبة.. وماهذه طبعا سوى حلقة واحدة من سلسلة "أن تكون طالبا في وطني".