كلما خطر على بالي الولوج إلى موقع التواصل الاجتماعي الشهير "فايس بوك"، إلا وتبادرت إلى ذهني كومة تفيض بعلامات الاستفهام، في بحر هذا العالم الفريد من نوعه، من حيث الشكل والمحتوى والغايات والاستعمالات. تعود بدايات تعلقي بهذا الفضاء الافتراضي، الباعث على الأمل والتجدد "ولو افتراضيا على الأقل"، إلى العام 2009، كنت عندها طالبة في معهد الصحافة بالرباط، همها الكبير والأكبر - بعد الاكتشاف وباقي أركان "التفلسف"- الانفتاح على الآخر وتبادل الأفكار والآراء معه على أوسع النطاقات وفي أبهى الحلل والسياقات ! لكن مع مرور الوقت، وجدتني أهمس لنفسي متسائلة: هل "الفايس بوك"، أو ما أنعم به على البشرية الأمريكي مارك زوكربيرغ، يصلح لتبادل المنظورات فحسب؟؟؟ وجدتني أطرح على نفسي حزمة من التساؤلات، ودخلت في غيابات "منولوج" طويل عريض، أبيت اليوم إلا أن أجعل منه محور نقاش جماعي، لأن جهان لم ولن تكون أول ولا آخر عضو في نادي هواة اختراع زوكربيرغ. الفايس بوك.. تتعدد الاستعمالات والإدمان واحد ! لا يكاد يختلف اثنان على أن عدد المحلقين والمحلقات في سماوات العالم الأزرق، يسجل سنويا مستويات قياسية ! في هذا الصدد، كشفت أرقام حديثة أفصح عنها في يوليوز من العام الجاري، أن عدد مستعملي ومستعملات الفايس بوك وصل إلى 1,49 مليار عبر مختلف أنحاء العالم. توزيع هذا المعطى الرقمي "الضخم" جاء على الشكل الآتي: في أوربا: 3011 مليون مستعمل (ة)؛ في أمريكا الشمالية: 213 مليون مستعمل (ة)؛ في آسيا: 496 مليون مستعمل (ة)؛ في باقي أنحاء العالم: 471 مليون مستعمل (ة). وبعيدا عن البعد الكمي للنقاش، تبقى لكل واحد منا حكايته الخاصة مع مولود زوكربيرغ. يقول "ح.ب"، إطار في القطاع العام، " لقد مضت 7 سنوات على إنشائي حسابا على الفايس بوك.. في البداية، كنت أنشر القليل من الصور والفيديوهات على حسابي، كما كنت أطلع على ما ينشره الآخرون.. لا أقل ولا أكثر! لكن بعد مرور 5 أو 6 أشهر، وجدت نفسي أنشر صورا خاصة بي، طامعا في بعض "اللايكات" أو التعليقات الجميلة". وعن تطور إدمانه على ارتياد الموقع الأزرق، يضيف "ح.ب"، " كنت أقضي اليوم كله أمام شاشة الحاسوب، أعني أكثر من 10 ساعات يوميا، خاصة عندما بدأت ألعب بعض الألعاب التي يوفرها الفايس بوك.. بعدها - بدون سابق إنذار- وإلى يومنا هذا، قلً أو تعقلن استعمالي له، حيث إنني بدأت أستعمله لأهداف أكاديمية وعلمية بالدرجة الأولى، ثم ترفيهية محدودة". من جانبها، تحكي "ف.خ"، صحافية وطالبة جامعية، لا تمضي على الموقع الأزرق أكثر من أربع ساعات كمعدل يومي، " في بداية الأمر، كنت أستعمل الفايس بوك للدردشة فقط مع الأصدقاء ووضعت فيه معلومات خاطئة عني، لكن خلال سنة 2011 وبتوالي أحداث الربيع العربي، اتخذته وسيلة للنضال ونشر أفكاري وما يراود خاطري، وقلما أتواصل به مع الأصدقاء إلا في الضرورة الملحة". وبالنسبة إلى "ع.ر"، فاعل جمعوي، " أصبحت أشعر بأن للفايس حميمية كبيرة في حياتي وخاصة عندما وجد تطبيق خاص بالهواتف النقالة.. ليست هناك ساعات أو أوقات محددة، في كل لحظة تجد نفسك تتصفح وتبحث عن الجديد وتقرأ الرسائل التي تصلك من الأصدقاء وتشارك في نقاشهم". - ما وراء عالم زوكربيرغ – إذا كان اختراع زوكربيرغ، الذي رأى النور بتاريخ 04 فبراير 2004، يحظى بالإجماع من حيث كونه - في نفس الآن - وسيلة للترفيه والترويح عن النفس والتثقيف عبر النقاش وتبادل الأفكار والآراء، فقد صار بشهادة وتجربة الكثيرين وسيلة فعالة للتجسس على البعض ونشر غسيل البعض الآخر، بل وقنطرة آمنة لتصفية الحسابات الشخصية! هذا الطرح يؤكده "أ.أ"، صحافي، بقوله: " هناك من ينشئ حسابا على الفايس بوك فقط من أجل التجسس على هذا و تتبع الآخر، إما لغرض معين أو من أجل الفضول لا غير.. مع الأسف كاين من العقول الفارغة من يستغل العالم الأزرق من أجل تصفية الحسابات الشخصية!!". وبالنسبة ل "ف.ب"، طالب جامعي من أصول مراكشية، " أجل.. الفايسبوك يكون ناجعا في هذه الأمور بل ويشفي الغليل وهو منبر لتمرير رسائل مشفرة بكل سلاسة تساعد على تلقين دروس لمن تجرأ على تجاوز الخطوط الحمراء!". ومن وجهة نظر "ي.ب"، مستخدم في إحدى المؤسسات العمومية، فإن هذه الظاهرة تطال بشكل كبير العمل السياسي في بلادنا. يقول "ي.ب"، "في الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة، كان الفايس بوك بالنسبة للكثير من الساسة وأنصارهم وسيلة ناجعة للذع الخصوم السياسيين والإديولوجيين والتهجم عليهم". الفايس بوك.. وسيلة للحفاظ على العلاقات الإنسانية أو خطر يتهددها؟ تتباين الآراء على هذا المستوى بين من يعتبر الموقع الأزرق آلية ذات فاعلية كبيرة من حيث إقامة العلاقات الإنسانية والحفاظ على أخرى، وبين من يضحد هذا الطرح ويصف مولود زوكربيرغ بالسلاح التي أفتك بمجموعة من المبادئ والمثل والقيم الإنسانية، "حتى صرنا نهنأ أو نقدم العزاء لبعضنا بترك تعليق جاف ويتيم لا يسمن ولا يغني من جوع!" يتحدث "ح.ب"، إطار في القطاع العام، بكراهية شديدة عن هذه الظاهرة الافتراضية بقوله: " أكره جدا هذه الظاهرة الخبيثة المتفشية عند أغلب مستعملي الفايسبوك، والتي تدل على انحطاط العلاقات الإنسانية! فعوض القدوم إلى بيت الشخص لتهنئته أو تعزيته أو على الأقل الاتصال به، يكتفي البعض بترك تعليقات غالبا ما تكون متشابهة ك"مبروك" و"إنا لله وإنا إليه راجعون" وغيرها, والمصيبة الكبرى هي أن البعض الآخر يكتفي بترك « Like » وكأنه يقتصد مداد لوحة المفاتيح !". في المقابل، يقول "ع.ل"، إعلامي، " هي ظاهرة مقبولة لا ضرر فيها، بما أن الغرض منها هو إشاعة المودة والتضامن بين الناس.. فمن إيجابيات الفايس بوك صلة الرحم مع أشخاص بعيدين ولو افتراضيا". من جهتها، تبدو "ن.خ"، عاملة في قطاع التعليم، من مناوئي هذا الصنف من استعمالات العالم الأزرق بقولها، " هذه الظاهرة غير صحية.. أنا شخصيا لا أكتفي بإرسال رسالة، بل يلزمني مهاتفة الشخص، خاصة إذا تعلق الأمر بعزاء!". ومن وجهة نظر "خ.د"، طالبة جامعية، " بحكم كثرة المشاغل ومرور اليوم بسرعة، أصبح من الضروري الاستعانة بالفايس بوك من أجل تذكر المناسبات، سعيدة كانت أم حزينة، ومن تم التفاعل معها.. الموقع مشكور على هذه الخدمة". يبقى "الفايس بوك" إذن فضاء رحبا يلجه كل منا على طريقته وطبقا لقناعات واستعمالات تختلف من كائن افتراضي لآخر. مارك زوكربيرغ قدم للبشرية خدمة عظيمة في مجال التواصل والتبادل وتقريب المسافات بأحدث الطرق، لذا وجب علينا الدعاء لهذا الرجل المبدع، الذي كان الله في عونه مع مجمل التحديات التي يطرحها مولوده يوما بعد آخر [email protected]