انتشرت في الآونة الأخيرة مقاطع فيديو، على مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر من خلالها شباب على متن زوارق مطاطية، وسط موج البحر، وهم يقولون إنهم متوجهون نحو النمسا انطلاقا من سواحل اليونان، للوصول إلى ألمانيا؛ كما تبرز مقاطع أخرى مغاربة وسط فضاء إطعام، يخبرون من خلالها عائلاتهم وأصدقائهم أنهم تمكنوا من تحقيق مرادهم ومعانقة حلمهم في الوصول إلى أوروبا. القاسم المشترك بين الأشرطة المذكورة يتمثل في أن الظاهرين عليها هم شباب مغاربة، اختاروا الهجرة إلى ما يعتبرونه "الإلدُورادو" الأوروبي، وذلك عبر مغامرة لا تخلو من مخاطر، لكنها تبقي "الغاية"، بحسبهم، "مبرِّرة للوسيلة". هسبريس حاولت تتبع مسار "طريق الهجرة الجديد" الذي تم الاهتداء إليه بعد أزمة نزوح السوريين، وما خلقته من جدل، وتدخل ألمانيا لإعلانها عن قبول استقبال عدد من الشاميّين؛ حيث يتبع الراغبون في خوض المغامرة مسارا يمر عبر عدة دول، وتستعمل فيه كل وسائل النقل المتاحة، حسب الإمكانيات المادية للأفراد. إلى تركيا محمد، اسم مستعار لشاب من إحدى مدن شمال المملكة، اختار رفقة مجموعة من أبناء الحي الهجرة سرّا إلى ألمانيا، حيث أورد لهسبريس أن البداية تمت عبر التواصل مع وسيط مصري متواجد بمدينة تركية، يعرض خدماته المتنوعة. ويضيف محمّد، ضمن توصاله مع هسبريس، قوله: "كل خدمة لها تسعيرة خاصة، حسب الطريقة التي تريد الهجرة بها، إما عبر البحر أو البر، حيث يصل المبلغ إلى 3 ألاف يورو، ويبتدئ من الألف". "الوسيط هو أهل للثقة وليس نصّابا، حيث يرفض التعامل معك قبل تسلم المبلغ المتفق عليه كاملا، وفي حالة فشلك، فإنك تسترد أموالك كاملة" يردف المتحدّث بصيغة الوثوق بعدما أفلح في الوصول إلى مستقرّه الأوروبيّ. "بعد إتمام الاتفاق؛ اقتنينا تذاكر سفر جويّة نحو اسطنبول، وكان ذلك انطلاقا من مطار محمد الخامس الدولي بالدار البيضاء، وقد وجدنا الوسيط في الانتظار بالمطار التركيّ، حيث بدأ في تفعيل الاتفاق بعد أن تسلم المبالغ المالية المتفق عليها"، يقول المتحدث في سرد لتجربته وسط مرافقين له ضمن المغامرة. على الموج بحلول "ساعة الصفر" انطلق الجميع، يقول محمد، صوب إحدى المدن الساحليّة التركيّة التي لا يعرفون تموقعها الجغرافي ولا اسمها، فوصلوا إلى وجهتهم بعد 8 ساعات من السفر على متن سيارة كبيرة. "ركبنا زورقا مطاطيا قضينا على متنه 3 ساعات، فقد كان البحر هائجا نسبيا، في حين زمن الرحلة لا يتجاوز ساعة أو 45 دقيقة بالمُعتاد"، يورد محمد ثم يواصل: "وصلنا إلى جزيرة، ثم تقدمنا نحو مكلفين هناك بتسجيل أسماء الوافدين، فقلنا لهم إننا سوريون؛ وحتى لو قلنا لهم إننا مغاربة فلا ضير في ذلك، لأن الوسيط يعرف كل شيء مسبقا". ويسترسل محمد: "قضينا ثلاثة أيام على أرض الجزيرة، وسط ظروف مزرية، حيث كنا ننام على الأرض ونفترش السماء، وبعدها منحنا ورقة كي نستعين بها عند الوصول لوجهتنا الجديدة، فقمنا بشراء تذكرة رحلة بحرية ب430 درهما، وركبنا سفينة كبيرة مخصصة للمسافرين نقلتنا نحو العاصمة اليونانية أثينا بعد 8 ساعات من الإبحار". رحلة السيقان بتواصله مع هسبريس يضيف الشاب المغربيّ: "وصلنا من أثينا إلى الحدود المقدونية، وقدم لنا المحسنون الطعام فور بلوغنا إلى هذه الوجهة، وأركبونا في قطار بعد اقتنائنا لتذاكر ب250 درهما كتسعيرة فرديّة، وعلى متن المسار السككي وصلنا إلى الحدود الصربية بعد ثلاث ساعات من السفر". وعلى الحدود الصربية، يقول محمد: "قطعنا مسافة 20 كيلومترا مشيا على الأقدام، لأن سيارات الأجرة باهظة الثمن، وبعد وصولنا لمنطقة ما، لا أذكر اسمها، سلمنا لأشخاص استقبلونا تلك الورقة التي أعطيت لنا بالجزيرة التي قصدناها من تركيا، فعوضوها بمنحنا ورقة أخرى، وقاموا بتسجيل المعلومات التي تتواجد عليها في كناش كبير، ثم جرى إركابنا في حافلة نقلتنا صوب الحدود الكرواتية، قضينا 8 ساعات في الطريق ودفعنا مقابل ذلك 450 درهما". وعند الوصول إلى الحدود الكرواتية يتم قطع مسافة قصيرة على الأرجل، ليتم بعدها الولوج إلى التراب النمساوي؛ "هناك أضحت الأمور جيدة، حيث مكّنونا من الطعام وأركبونا حافلات بشكل مجاني، لكن ينبغي أن تكون من بين الواصلين الأوائل، حيث يقلّون 400 فرد فقط في اليوم". سوريون بلا نقاش يزيد محمد، ضمن سرده لتفاصيل الرحلة، قوله: "ولجنا إلى ألمانيا برّا، بعد قضاء 12 ساعة بإحدى المخيمات، وقد خضعنا لاستنطاق أمني بحضور مترجم، لأنهم لا يقبلون إلا السوريين والعراقيين، فما كنّا إلا أن أخبرناهم بكوننا نازحين سوريّين مبتغين لحق اللجوء، فتمّ تركنا نمضي إلى ركوب حافلات، بعد اقتنائنا لتذاكر بقيمة 450 درهما مغربيا، وبعدما وصلنا إلى غابة في ضواحي برلين تم إنزالنا كي نواجه مصيرنا". وينهي محمد شهادته بالتأكيد على أن توفر المجموعة التي توسطها على المال الكافي قد جعل الرحلة تمضي بسلام، كاشفا أن الكلفة المالية لتحركه قد كلفته، منفردا، ما قيمته 15 ألف درهم، زيادة على سعر تذكرة السفر من المغرب إلى تركيا. جدير بالذكر أن مدنا مغربيّة عدة تعيش على وقع "هجرة جماعية" نحو الأراضي التركيّة، حيث أضحت بعض المناطق شبه خالية من الشباب بعدما اختارت هذه الفئة نهج "مسار محمد ومن معه" رغم صعوبته، آملين في الوصول إلى الضفة الشمالية من البحر الأبيض المتوسط، بينما تبقى أسر عديدة واضعة أيديها على قلوبها في انتظار اتصالات مطمئنة على "أبنائها السوريّين".