"اطلبوا العلم ولو في الصين"، مقولة يحبذها كثير من الشباب المغربي الراغب في مواصلة مسيرة التحصيل الدارسي بعيدا عن أرض الوطن. والوجهة أرقى الجامعات الأوربية والأمريكية، حيث كل المؤشرات في ارتفاع، سواء تعلق الأمر بجودة العرض التعليمي، أو جودة الحياة، أو حتى جودة الأوكسجين. لعل أبرز الوجهات المفضلة عند الطلبة المغاربة لإتمام دراستهم الديار الفرنسية، حيث عاش فولتير، ديكارت وآخرون. فعلى شكل دفعات، يلتحق سنويا العديد من الطلبة المغاربة بأرقى المعاهد الفرنسية بمختلف فروعها العلمية والأدبية. وهو ما أكدته دراسة أنجزتها مؤسسة "Campus France" سنة 2013، التي كشفت أن المغاربة يتصدرون قائمة الطلبة الأجانب بالجامعات الفرنسية، بنسبة ناهزت 17 بالمائة من مجموع الطلبة الأجانب البالغ عددهم 284 ألفا و600 طالب. لكن الطريق إلى فرنسا ليس مفروشا بالورود كما يعتقد البعض، بل تتخلله صعوبات عدة، إذ يجد الطالب الطموح نفسه أمام جملة من المساطر الإدارية المعقدة، مرورا باختبارات اللغة الفرنسية الصارمة، علاوة على التكاليف المرتفعة للإجراءات. ويبقى أبرز الطرق لبلوغ الحلم الفرنسي المرور عبر بوابة "France Campus"، إحدى المؤسسات التابعة للدولة الفرنسية. لماذا فرنسا؟ تختلف الأسباب والدوافع بالنسبة للراغبين في إتمام الدراسة في فرنسا. أمين، طالب بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، يرى في فرنسا بلاد الآفاق اللامحدودة وتكافؤ الفرص بين الجميع، فمن يملك المؤهلات يجد له موطئ قدم في أعرق الجامعات. وهو ما يفتقده أمين في وطنه، حيث المنطق الذي يحكم الولوج إلى أسلاك التعليم العالي هو "المحسوبية والزبونية"، على حد تعبيره، مشددا على أن التكوين في مجال الإعلام بالديار الفرنسية يبقى أجود من نظيره المغربي. فيما ترى إكرام، الحاصلة مؤخرا على الإجازة في علم الاجتماع، أن مجال اشتغالها في البحث السوسيولوجي يلقى اهتماما كبيرا في فرنسا على عكس المغرب، مضيفة أن اختيارها فرنسا على وجه الخصوص نابع من الرغبة في العيش هناك، حيث تسود قيم الحرية والمساواة، ناهيك عن قيمة الشهادات الفرنسية في الميزان العلمي. وبعيدا عن الاعتبارات الدراسية، أقر عبد العزيز، وهو طالب يتابع دراسته حاليا في العاصمة الفرنسية، بأن ما دفعه إلى الذهاب إلى فرنسا هو رغبته الجامحة في العيش تحت أنوار باريس. وأضاف قائلا: "هي مسألة شخصية بالدرجة الأولى، لطالما أحببت باريس وتمنيت قضاء مرحلة من مراحل العمر فيها، وها أنا ذا أخطف جولة من القدر ضمن معركة من هزل". طريق بالأشواك أمال، طالبة حصلت مؤخرا على الإجازة في اللغة الفرنسية، أبدت انزعاجها لحظة استفسارها عن الإجراءات الخاصة بتكوين ملف لدى مؤسسة "Campus France"، موضحة أن هذه الإجراءات صعبة جداً وتأخذ الكثير من الوقت. في الاتجاه نفسه سارت شهادات عدد من الطلبة الذين خبروا هذه الإجراءات جيداً، من ضمنهم سهام، التي تتابع دراستها في السنة الثالثة بكلية الحقوق بالرباط، والتي أكدت أن الاختبارات، خاصة اختبارات اللغة، تأخذ كثيرا من الوقت. وإلى جانب الاجراءات الإدارية، هناك أيضا الشروط المالية، بما في ذلك مصاريف الملف التي تصل إلى 5000 درهم، فيما يتعين على الطلبة الذين اجتازوا الاختبارات بنجاح تجميد رصيد مالي يقدر بحوالي 80 ألف درهم في حساب إدارة الحرم الجامعي، وذلك في حال عدم وجود من يضمنهم في بلاد المهجر. شروط يراها البعض مجحفة. عبد الرحمان، طالب بكلية العلوم، يقول بكل حسرة: "منذ الصغر وأنا أتمنى إتمام دراستي خارج المغرب، وبالضبط في فرنسا، وعملت على تحقيق هذا الهدف، ولكن الواقع يبدو أصعب، إذ إن المتطلبات المالية جد باهظة تصل إلى حد التعجيز، خاصة أنني أنحدر من عائلة فقيرة". قنطرة عبور "France Campus" هي مؤسسة عمومية فرنسية ذات طابع تجاري تدخل تحت السلطة المشتركة لوزارتي الخارجية والتعليم العالي، تهتم باستقبال وتوجيه الطلبة الجامعين الراغبين في إتمام الدارسة في فرنسا. وتملك هذه المؤسسة شبكة من المكاتب في أزيد من 150 دولة، منها المغرب، حيث توجد ثلاث مراكز موزعة على مدن الرباط، مراكش والدار البيضاء. تحت مسمى "France Campus Maroc". وتعمل المؤسسة، التي تشكل صلة وصل بين الطلبة المغاربة والجامعات أو المعاهد الفرنسية (التي تدخل معها في شراكة)، على منح المعطيات اللازمة للطلبة بخصوص التعليم العالي الفرنسي، بما في ذلك الاختبارات والشعب الدراسية، إضافة إلى تسهيل عملية التسجيل القبلي بهذه المؤسسات ومصاحبة الطلبة خلال إجراءات تجميع الملف وطلب التأشيرة. شهادات من المهجر الحصول على التأشيرة، التي تبقى محدودة الزمن، هي آخر مرحلة قبل السفر. خديجة واحدة من الذين التحقوا مؤخرا بالديار الفرنسية بعد حصولها على الإجازة السنة الماضية والآن تباشر دراستها بسلك الماستر في جامعة رين 2، تقول إن "الحياة جميلة والناس لطفاء هنا، كما أن الدراسة ليست صعبة جداً، هي فقط تتطلب بذل مجهود إضافي والتمكن من اللغة الفرنسية حتى تسهل مهمة الاندماج داخل هذا المجتمع المختلف". هذا الاختلاف يطرح بدوره مشكل الاندماج والانصهار بين الفرنسيين، إذ يؤكد عمر، الملتحق منذ سنة بمدينة مارسيليا في الجنوب الفرنسي، أن الأمر صعب في البداية ويتطلب قليلا من الصبر، لكن سرعان ما تنتفي الصعاب ويتأقلم الشخص تدريجيا مع مرور الوقت. فيما ترى إسلام، الملتحقة قبل شهر من الآن بجامعة لورين بمدينة ميتز، أن وجود العائلة سهّل من عملية اندماجها داخل المجتمع الفرنسي، إضافة إلى الأنشطة الترفيهية التي تقوم بها الجامعة، ما مكنها من الاندماج في الوسط الدراسي. ويشكل الجانب المادي هاجسا لدى الطلبة المقيمين في فرنسا، حيث غلاء المعيشة، خصوصا في العاصمة باريس وبعض المدن الكبرى. وتختلف وسائل التمويل عند الطلبة المغاربة؛ فهناك من يقيم عند أحد أفراد العائلة، ما يحد من وطأة مصاريف المعيش اليومي، وهناك من هو أكثر حظوة من غيره بعدما استفاد من منحة دراسية، فيما يحاول كثيرون مواجهة قساوة الحياة في بلاد المهجر بالعمل نصف دوام لتلبية الحاجيات اليومية. * صحافي متدرّب