الإصلاح في مجالي التربية والتعليم هو البحث عن الصيغة التربوية الكفيلة للنهوض بمجتمع ما؛ وضمان فرص تعليمية متساوية لأبنائه، فهو يعتبر جهدا كبيرا لصنع المستقبل المرتقب لأطفال يولدون اليوم. وأهميته تكمن في تجديد محتوى التعليم ضمن عملية التطور التربوي بالاستناد إلى منهجية مركبة، وهو كذلك حصيلة تفكير طويل، ومشاورات متعددة بين الفرقاء الاجتماعيين المعنيين بمنتوج النظام التعليمي بالاعتماد على نتائج البحث التربوي؛ وذلك بهدف تحسين مردودية المنظومة التعليمية عبر تطوير مستمرو كذا إحداث تعديلات عميقة في وظائف التربية. ومن ثم، فإن التفكير في إصلاح المنظومة التعليمية يستدعي إدراكا واعيا لأسباب فشلنا في كل الإصلاحات السابقة. ذاك أن الإصلاحات العميقة للنظام التعليمي تتطلب قرارا سياسيا وإرادة لتطبيقه، والتزامات مالية من طرف الدولة لتنفيذ المخطط الإصلاحي. والقرارات السياسية لا يمكن أن تتخذ إلا في حدود ما يمكن أن يتقبله الرأي العام الوطني؛ فمن السهل إنجاح تطبيق إصلاحات كبرى في ظل تحولات سياسية وإرادة شعبية وظروف اجتماعية مناسبة، تمكن من إحداث إجماع وطني حول مشروع مجتمعي. فما هي الأشكال الجديدة التي يمكن أن يتخذها النقاش حول الإصلاحات التعليمية، خصوصا إذا كان الأمر يتعلق بمشروع مجتمعي يشعر فيه كل مواطن بأنه معني، ولا يبقى حكرا على الطبقة السياسية؟ إن الإصلاح لا يهم فقط المربين وحدهم؛ بل يهم كذلك جميع الذين يضطلعون بمسؤولية تحديد السياسات العمومية. و بالتالي ضرورة إشراك جميع فئات المجتمع من سلطات مسؤولة على اتخاد القرارات السياسية، ومسؤولين تربويين ومدرسين وباحثين؛ وممثلي قطاعات الإنتاج من أرباب عمل ونقابات والمثقفين والفنانين واختصاصي مختلف العلوم الصحيحة والإنسانية بالإضافة إلى الشباب الذين ينبغي أن تحدد طموحاتهم. وكل هذا يتطلب وضع منهجية ملائمة لمراحل الإصلاح، وطريقة تدخل كل فئة من هذه الفئات المعنية بالإصلاح على مستويات، ومراحل مختلفة. ويتضح جليا، أن من بين أسباب فشل الإصلاحات التعليمية ببلادنا هو غياب البنيات الضرورية للتتبع والتقييم في مراحل تنزيلها الشيء الذي تكرر في تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين والذي لم يشر إلى من ستؤول إليه هذه المهمة ولم يحدد التنظيمات والاليات التي ينبغي إقامتها لتتبع سير تطبيق الإصلاح وإيضاح الدور المنوط بها وأساليب التنسيق فيما بينها. ومن خلال الدراسات المقارنة لتجارب بعض الدول تعهد هذه المهام غالبا لمؤسسات مختصة في البحث التربوي كما هو جاري به العمل بالنسبة للمعهد الوطني للبحوث التربوية في اليابان والمكتب الوطني للتربية في السويد وأكاديمية العلوم التربوية في الإتحاد السوفياتي وفي ألمانيا .....وهي مؤسسات تعتمد على الجمع بين النظري بمعنى الاعتماد على البحوث و التطبيق من طرف الحكومة وهذا ما يتطلب تعاونا منهجيا مثمرا بين الباحثين وهيئة التدريس من جهة و الطبقة السياسية من جهة ثانية (حكومة , برلمان .....) ورغم إحداث المغرب لأجهزة خاصة لتشجيع المشاورات لتهيئة الإصلاح ووضعه موضع التطبيق. وهذا يبقى معرضا لعدة مشكلات تتعلق خصوصا بالجانب المنهجي للإصلاح وبعدم إشراك جميع الفرقاء، أو تغليب الجانب السياسي على الجانب النظري التربوي؛ وكذا ضعف النقاش العمومي ومشاركة وسائل الإعلام (صحافة، إذاعة، تلفزة ......) فيه. لما لها من دور بالغ الأهمية في إغناء النقاش وتشخيص النواقص، وذلك بهدف إحداث تغيير اجتماعي تربوي تظهر أثاره على جميع طبقات المجتمع وقطاعاته (نظام القيم). ففي عهد حكومة التناوب، انجزت سياسة تربوية مثلت تعبيرا عن سياسة صريحة وضمنية تجسدت في بلورة الميثاق الوطني للتربية والتكوين، في أفق ترجمته بطريقة متماسكة ومتلاحمة الأهداف السياسية والاجتماعية والثقافية. وبمشاركة جميع الفرقاء الاجتماعيين، لكن سرعان ما وجدت قطيعة حقيقية بين عملية إعداد الإصلاح وبين مرحلة اتخاد القرارات والتنفيذ وتتبع سير جميع هذه المراحل. ومن جهتها تقدم مراكز التكوين والجامعات بحوثا بصورة عرضية ومتقطعة في غياب جهاز ملائم لتجميعها وتحليلها وتقييمها. ويبقى البحث في المجال التربوي عاملا حاسما من عوامل التقدم الاجتماعي. إن كل إصلاح تربوي هو شأن سياسي، ويبقى اختيار الحلول التي يقترحها الباحثون معرضة لعمل رجال السياسة الشيء الذي يجعل من البحث كمؤسسة ضرورية لإعداد الإصلاح يتكيف مع متطلبات المجتمع. وليكون البحث في مجال التعليم، واقعيا وفعالا ويستبق فلسفيا الممارسة التربوية، عليه أن يساهم في اقتراح حلول متنوعة وفرضيات، وأن يولي اهتماما للتقدم الذي حققه التعليم كنظام اجتماعي وعملية سيكولوجية تربوية. وإذا كانت بلادنا تعيش تحولات سياسية لا زال عامل التوافق السياسي يطغى على تصور مسار مشروع مجتمعي واضح المعالم؛ وفي ظل غياب خريطة سياسية نابعة من مشاركة مكثفة للكتلة الناخبة تعطي المشروعية للمسؤولين على المستوى الحكومي بإجراء إصلاحات على جميع المستويات. فإن الإصلاح في مجال التربية والتعليم يتطلب النظر لمستقبل التربية كنشاط وطني علمي بمقاربة كشفية (Approche Heuristique). وبتبني هذه الاستراتيجية سيؤدي ذلك إلى ظهور مؤسسات ديمقراطية للتخطيط التربوي بصفة تدريجية. إن علوم التربية والعلوم الاجتماعية تساعدنا أكثر في فهمنا للطفل والفرد والمجتمع المرغوب فيه؛ والتربية ليست نشاطا معزولا عن المجتمع، بل محركة للنظام الاجتماعي. فلإصلاح مسار ونقطة وصول لأنه يهدف تحقيق مشروعا له نقطة انطلاق، الأمر الذي يتطلب منهجية محكمة من طرف الساهرين على إنجاز الاصلاح؛ و أول قرار تكتيكي يطبق على الاختيارات أو مدخلات المشروع يتطلب ليس فقط معرفة عميقة للفاعلين لما يرغبون الوصول إليه ولكن يتطلب كذلك معرفة إكراهات التطبيق العملي لخياراتهم. وإلا يصبح الإصلاح مهددا في المصب والمنبع لمدخلاته . الشيء الذي يدفعنا إلى طرح سؤال حول دور الإخصائيين في مجالي التربية والتكوين. وكذا دور الجامعة في فشل أو إنجاح أي إصلاح مرتقب، إذ يعتبر دورها بمثابة حجر الزاوية للبنية التربوية نظرا لوظيفتها المزدوجة في التكوين والبحث والمعرفة الأكاديمية. كما يمكن للباحثين بكلية علوم التربية ومركز التوجيه والتخطيط التربوي وكذا مركز تكوين المفتشين أن يساهموا مساهمة فعالة نظرا لاشتغالهم اليومي في قضايا وإشكاليات التربية والتعليم وتأطير البحوث المتعلقة بالمجال. في حين لا نجد في الهيكل التنظيمي للوزارة طاقم من الباحثين يقوم بتحليل البحوث والمعطيات من أجل إرشاد المسؤولين للتدخل في الوقت المناسب لتقويم أو تقييم أي عمل إصلاحي. ويبقى غياب البحث في مجالي التربية والتكوين الحلقة الضعيفة في مسار إصلاح المنظومة التعليمية ببلادنا؛ إن النظام التعليمي لا ينمو لذاته، بل يشتغل داخل نظام مجتمعي يسند جل وظائفه للمؤسسات التعليمية. ٌوإذا نظرنا إلى الدور الذي لعبته الفلسفة التربوية والعلم التربوي في عهود تثبيت الذات والتقدم التي قطعتها بعض الدول، وإذا أعطينا تفسيرا صحيحا لما يترتب على قضية التربية من نتائج ذات طابع ثقافي وإنساني واجتماعي واقتصادي؛ فإن باستطاعتنا التأكيد أن العلم التربوي مدعو اليوم إلى الاضطلاع بوظائف كبيرة الشأن في مختلف البلدان" (فيديانو 1969). بالتالي كان من الضروري أن يطرح الفرقاء المساهمين في إعداد المشروع الإصلاحي المقترح الأسئلة التالية: 1_ ما هو المجتمع الذي نريد بناءه على المدى المتوسط والبعيد ؟ 2_ ما نوع البنيات الاقتصادية والاجتماعية التي نسعى إلى إرسائها وما موقع الفرد في هذه البنيات؟ 3_ ما نوع المعرفة التي نريدها وأي مستوى معرفي نبحث عنه؟ فوجود هذا المشروع الإصلاحي هو الذي يمكننا من تحديد مرامي التعليم وأهدافه، والاستراتيجية التربوية التي يلزم إدماجها في أي إصلاح تعليمي. فهل لدينا نخب سياسية لمشاركة فعالة في بلورة تصورات علمية للمسألة التعليمية في ظل الوضع السياسي الهش الذي تعيشه الدولة، وأحزابنا، أم سيعمل كل حزب سياسي على تمرير خطابه الإيديولوجي مع تغييب الجانب العلمي للمسألة التعليمية الذي يهدف للتخطيط لمستقبل الناشئة المغربية وفق المتطلبات الاقتصادية والاجتماعية؟ تؤكد مجموعة من الدراسات العلمية أن مرحلة الإعداد والتجريب للإصلاح التربوي يمكن أن تمتد لعدة سنوات، بهدف البحث عن تحول متدرج لبلوغ تحول عميق بين النظامين التربوي والاجتماعي، أي سيرورة لتحولات متدرجة لابد من المرور منها. وليس من العيب أن نتساءل عن كيف وصلت مجموعة من الدول إلى تحقيق إصلاحات عميقة لأنظمتها التربوية (الدراسات التربوية المقارنة) ؟؛ وماهي المدة الزمنية لتقديم أشغال الجهة الموكول لها وضع البرنامج الإصلاحي. وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن اليابان أسست مجلسا أعلى للقيام بإعداد مشروع لإصلاح منظومتها التعليمية سنة 1968، واشتغل المجلس أربع سنوات ليقدم مشروعا متكاملا سنة 1972. ولضمان إشراك جميع الفعاليات لابد من إقدام المجلس الأعلى على دعاية قوية لأشغاله من خلال عقد ندوات جهوية، إقليمية ومحلية مؤطرة من طرف أكاديميين وباحثين في مجالي التربية والتعليم، حتى يتمكن من تحسيس جميع المواطنين للإخراط في المشروع الإصلاحي المرتقب ولا يبقى خطابه موجه فقط للنخبة السياسية.