تعد النزاعات القبيلة بليبيا عاملا في ارتفاع معدل الجريمة، في الانفلات الأمني وفي التناحر. كما أن حالة اللادولة، يساعدها غياب التأطير والعيش على حافة السياسة، وتواجد الأسلحة في كل بيت ليبي، لتنبئ بتوسيع دائرة نفوذ ما يسمى"الدولة الإسلامية في المغرب العربي"، وبتعجيل الإعلان على سيطرتها، على غرار داعش، ومعها يرتفع مؤشر الخطر الذي يهدد بنسف استقرار منطقة الساحل والصحراء. هاته الأخيرة تصبح برميل بارود، يتغذى من بؤر إشعال فتيل الصراع، وتصبح، أمام حوار سياسي محتشم بين الفرقاء المعنيين مباشرة، نذير خطر بتوسيع قاعدة الرقعة الجغرافية للمد الإسلامي، وبتغيير موازين الاستقرار في المنطقة المغاربية. زد على ذلك النشاط المضطرد لشبكات التهريب وتدهور الأوضاع الإنسانية والوضع الأمني الهش في مخيمات تندوف التي تظل الإعانات الطريق اليها. الخطر يكمن في أن الإرهاب ينتعش وينمو في المناطق المتنازع عليها. فإذا ما ثم التنسيق بين تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، مع إسلاميي مالي وأنصار الدين، وإسلاميي ليبيا المسلحين حتى النخاع، ستصبح أهداف ضرباتهم مضمونة. وعوض أن تصبح منطقة الساحل والصحراء نقطة تجارة حرة واتحادات جمركية، ومحور تلاق ثقافي وحضاري بين شعوب المنطقة المغاربية والإفريقية، هناك احتمال أن تصبح منطقة الصحراء مرتعا لتصدير الجهاديين، ومعبرا للموت أمام التحديات الاقتصادية والأمنية. بل ستصبح عامل قلق في شمال افريقيا ودول الساحل والصحراء برمتها. إن بطء التدخلات الناجعة في ليبيا، يهدد بانهيار بلد بكامله، ولن يصب هذا إلا في مصلحة القوى الخارجة جغرافيا عن بؤرة الصراع، والمعنية بمخطاطات التقسيم والتي تعطل المساعي، تشكك في فاعلية الوسطاء، وتنتظر تضييق الخناق، لتفاوض تدخلها، وتعطيه شرعية، بعد نجاح إستراتيجية التفتيت. فمصير المفاوضات لتشكيل حكومة وحدة وطنية في ليبيا، مرهون بتقديم أولية الحفاظ على لحمة الوطن. بإيجاد اتفاق، يجمع عليه الرأي العام الليبي، وبتحرك المنتظم الإقليمي والدولي بجدية، مادام الكل يجمع، على ضرورة إيجاد حل سياسي لأوضاع ما بعد القذافي، لكي لا يستمر التمزق الداخلي، والزحف الداعشي، الذي يمكن أن يمهد للتدخل الأجنبي، تحت طائلة محاربة الإرهاب، مثلما وقع في عراق ما بعد صدام. إن التكامل والإلتقائية، اللذان يطبعان المنظومة الأمنية المغربية، المعترف دوليا بيقضة وبنجاعة عمل أجهزتها المتناسق، يعتبر ما يقومون به جهدا جبارا، إذا لم يوازيه تنسيق إقليمي، يتجاوز عنوة الخلافات السياسية وعجرفة بعض الجيران، من أجل توحيد الجهود، لمواجهة الجريمة العابرة للحدود، فإن مخططات الإرهاب، التي تتغذى من غياب الاستقرار، ستزحف مثل حية تتمدد تحت الرمال، وتتربص في صمت بفريستها، لتضرب في غفلة من أعين الرقابة الحدودية. حين ذلك لن تنفع تنديدات، ولا شجب، ولا تصريحات القوى العظمى، التي يجد جزء منها، في مناطق النزاعات والفوضى، سوقا لبيع الأسلحة، ولتقوية الانفصاليين، تمهيدا لوضع اليد على مصادر الثروات، ولتوسيع دائرة نفوذها السياسي. فتركيا التي تحولت الى قنطرة لعبور مختلف الإرهابيين من دول العالم، اكتوت مؤخراً بنار الارهاب. محتويات بعض التقارير تتحدث عن استقدام الآلاف من قدماء المنتمين إلى تنظيم القاعدة، لتأجيج الشارع العربي، وتفجيره من الداخل في كل من تونس ما بعد ثورة البوعزيزي، مصر، اليمن، سوريا و ليبيا، وتعميمها على شاكلة عدوى، تجتاح منطقتي الشرق الأوسط، والعالم العربي، لشغلهما بإطفاء بؤر الصراع، ومن ثم، يخلو الجو لمن يود استعادة سيطرته ونفوذه، وتنفيذ مخططات وضع اليد على مصادر الطاقة، ثم تدشينها بأبعاد إستراتيجية، تبدأ بالمطالبة بإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، حيث تبقى بالنسبة لهم المملكة العربية السعودية هي العقبة. لذلك ثم الهجوم عليها بقوة من طرف إيران، حليفة روسيا، في حادث التدافع في منى، من كل الواجهات. مما ينبئ بأنها لن تكون بمنأى عن المخططات الجهنمية، وأنه لا يجب الوقوع في فخ الهجوم عليها، لأنها أيضا مستهدفة، ومن ثم يخطط لتفتيت إجماع العالم الإسلامي حولها، بالركوب على هفوات، ركزت عليها شبكات التواصل، وثم توزيعها في الفضاء الأزرق، حيث تجري المعلومة مجرى الدم في العروق، على شكل حرب صور على نطاق واسع. بعيدا عن عيون الرقابة، وعن مؤسسات النضال الكلاسيكي، أصبح اليوم نضال ما يسمى ب"الشعب الالكتروني" قوة ضاربة تسحق الحدود وترديها وهمية، حيث أرغمت بعض الأنظمة على التنحي، وفرضت على أخرى الرضوخ لحتمية التغيير. إن خبث، من صنع أخطر تنظيم إرهابي، ودهائه الماكر، يكمن في كونه يعبد الطريق لأطماع التدخل الأجنبي، في عالم عربي يتم إضعاف تماسك جبهته الإقليمية، لإسقاطه في مستنقع البلقنة، ولإيجاد موطئ قدم فيه، بعد الإمساك بخيوط التطاحن الداخلي، وزرعه الرعب والخراب، لإعطاء شرعية لأصحاب نوايا الإعمار، وتصدير الديمقراطية، بعد دعمهم لوباء قاتل، ترعرع في دول الغرب، ويأتي ليترك وراءه الحطام والرماد، في إفريقيا والشرق الأوسط، ويمهد للاجتياح الأجنبي. بهذا أوجدت الحكومات في فرنسا، بإيعاز من ألمانيا والإتحاد الأوربي، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدةالامريكية، مخرجا لوقاية اقتصاداتها من الانهيار، وأوجدت اسرائيل ما يلهي الدول العربية عن القضية الفلسطينية. حيث أضحى العرب يتوفرن على أكبر سوق للإنفاق العسكري، لكن بعيدا عن استقلالية في تصنيع معداتهم العسكرية محليا، أو اكتسابهم القدرة على التفكير في امتلاك السلاح النووي الذي يمكن أن يهدد الكيان الغاشم. يبقى أن أباطرة انتاج وتطوير السلاح في العالم يتحكمون في وثيرة صناعة الموت، مثلما تود أن تتحكم المعادلة العسكرية لدول التحالف الغربي في موازين القوى، لكن مخططاتها ازدادت تعقيدا بعد تدخل الدب الروسي على خط المواجهة. الوقائع السياسية تؤكد أنه يوجد من بين الدول الغربية من المدعمين اﻷساسيين للأنظمة السابقة، قبل ما يسمى "الربيع العربي". فالذين أسقطوها، هم من لعبوا لعبتهم ومزقوها بدعم المعارضة، وتدخلوا بدعوى إيقاف قتل الشعوب وتهجيرها، لمراجعة القضايا الداخلية على المستوى الاقتصادي الاجتماعي والسياسي. بعد ذلك دعموا المرتزقة الوافدين إليها، بتمويلات متعددة مصادرها، حولوا إليها أكبر عدد من المعدات العسكرية، لتنزيل مخططات محبوكة لتقسيمات باتت تتضح معالمها. بأي تمويل، وبأي تسليح، اجتمع داعش، والنصرة، ومختلف المرتزقة، الذين حجوا من بلدان المسلمين، ليقوموا بحرب بالوكالة. إنهم جزء من لعبة الخلخلة والإضعاف، للعمل بعد ذلك بكل أريحية. الحسن الثاني رحمه الله قال "بدعم خونة الداخل، يتجرأ عليك عدو الخارج"، فتواطؤ بعض العناصر من بني الجلدة هو جزء من خراب البيوت في كل المستويات السيادية، لأن ذلك يفتح باب فرض هيمنة السيادة الاقتصادية والثقافية الغربية، وتلزم الدول بتقديم أنواع من التبادل التنازلي، كمؤشرات للتحكم في مجريات الشؤون الداخلية للدول، وعندما تضعك الدول الغربية في الدرك الأسفل من المؤشرات العالمية لتقارير مكاتب دراساتها، فاعلم أنها رسالة يجب التقاطها. رغم التعنت والموقف العدائي إزاء ملف الصحراء، المغربية جدورها الانتربولوجية، فإن المغاربة يبقون باب العلاقات الودية مفتوحا. لكن عندما تضيع البوصلة، في احترام أسس الجوار، والتاريخ المشترك، وفي حمل حقوق ومسؤولية الشعوب، حينما تريد بعض الدول، أن تصرفك عن إنجازات المسيرة التي تقودها لصالح شعبك، حين يصبح التراشق، والعداء معلنا، والتدخل في سيادة الأشقاء هي القاعدة، وليس الاستثناء، من طرف ممن يفترض فيهم التنسيق الأمني، وخلق أجواء التلاقي، الإنساني والاقتصادي، لخدمة التنمية والقضايا المصيرية المشتركة إقليميا، فإننا لن ننتظر أن نؤدي معا، ثمن تهديد نعمة الاستقرار، وما يملكه جيراننا من موارد. لأن الاستمرار في دعم أطروحة الانفصاليين، وفي التطاحن، هو نوع من المساعدة الضمنية، وتعبيد للطريق، لتقسيم بلدان الجوار، وتوزيع ثرواتها، وتلويث أجواء رفاه مواطنيها، ومشي إرادي نحو الدمار والموت. ومن يتبنى ذلك يكون إزاء نوع من القصور في الذكاء، في أبعاده الأمنية الإستراتيجية، وضعف في خلق رؤيا موضوعية، تحافظ على التوازن في المنطقة المغاربية، التي تواجه تحدي الاستمرار في مسيرة الديمقراطية، ومواجهة الهجرة غير النظامية، التهريب وتحرك وتمدد المنظمات الإرهابية التي تنشط بمنطقة شمال إفريقيا وساحل الصحراء. يجب علينا الإقرار أيضاً أن فلتان الأمن الحدودي، بين تونس وليبيا، الغائب بناء دولتها، وكدا من جهة الحدود بين تونسوالجزائر من مناطق السلسلة الجبلية القائمة بينهما، هما مشروعا طريق عبور الإرهابيين الهاربين من القصفات الجوية الروسية لمجموعات داعش داخل الأراضي السورية. لتجاوز سيناريو أكثر تراجيدية، رص صفوف الوحدة العربية والمغاربية يبدأ بالتدخل العربي للتأثير سياسيا في بلد المليون شهيد، لرفع يدها على ملف الصحراء المغربية وبناء دبلماسية الود. الجزائر التي يتهمها اليوم وزير الدفاع التونسي بعدم المراقبة الكافية للحدود في منطقة الشعباني، حيث يتسلل الإرهابيون. فتنازع العرب فيما بينهم، واقتتالهم فيه جزء من التمزيق ومن التمهيد لأطماع الدول الغربية. فالتنسيق الإقليمي والتوفر على قدرة للمفاوضات مع إسلاميي افريقيا ساحل الصحراء، قد أضحى ضرورة لدعم مشروع إستقرار شامل، وخلق كثلة تعبئة مشتركة لمواجهة التهديدات الأمنية والأزمات المحتملة. *باحثة في علم الاجتماع السياسي