بين الجهات والمدن الكبرى، تباينت زعامة النتائج وتوّزعت بين حزبين خاضا ضد بعضهما البعض حربا ضروسا لا تزال نيرانها مشتعلة. فحزب العدالة والتنمية حقق نصرا على صعيد المدن الكبرى لا تخطئه الأرقام النهائية، بعدما اكتسح الرباطوالدارالبيضاءوطنجة وفاس ومراكش وأكادير وتطوان وسلا ومدنا أخرى، بينما حصد الأصالة والمعاصرة نصيب الأسد من الجهات الكبرى، ونال خمس جهات مقابل جهتين يتيمتين لإخوان بنكيران. ويُترجم تفوّق العدالة والتنمية في المدن الأرقام التي حصل عليها غداة إعلان نتائج 35 جماعة كبرى (يفوق عدد سكانها مائة ألف نسمة) من أصل 36، حيث حصل على رئاسة 19 جماعة، بينما استقر رقم "الجرار" عند أربع جماعات فقط، في حين مكّنت الأرقام القوية لأحزاب المعارضة مجتمعة، وفوزها بالأغلبية في سبع جهات، من تربّع الأصالة والمعاصرة على زعامة خمس، هي الدارالبيضاء- سطات، مراكش- آسفي، بني ملال- خنيفرة، طنجة- تطوان-الحسيمة، والشرق- الريف. ويطرح هذا التقاطع بين الحزبين سؤالا حول إمكانية الصراع بينهما على المستوى الجهوي والمحلي، فالجهات التي ترأسها حزب الأصالة والمعاصرة تتضمن مدنا سيسيّرها العدالة والتنمية. ومن الأمثلة ذلك، مدن الدارالبيضاءومراكشوطنجةوتطوان وخريبكة. ممّا قد يفتح التكهنات أمام فصل آخر من فصول المواجهة بين الاثنين. اختصاصات تتقاطع أحيانا وحسب القانون التنظيمي للجهات، فهذه الأخيرة تمارس مجموعة من الاختصاصات المشتركة بينها وبين الدولة، هي التنمية الاقتصادية، والتنمية القروية، والتنمية الاجتماعية، وحماية البيئة، والعناية بالثقافة، وإنعاش السياحة. بينما من الاختصاصات التي نقلتها الدولة إلى الجهة، هناك التجهيزات والبنيات التحتية ذات البعد الجهوي، والصناعة، والتجارة، والصحة، والتعليم، والثقافة، والرياضة، والطاقة والماء والبيئة. كما يمكّن هذا القانون الجهات من عدة صلاحيات مشتركة ستحتم على بقية الجماعات الترابية التعاون معها، لاسيما فيما يخصّ إحداث مجموعات الجماعات الترابية، واتفاقيات التعاون والشراكة مع القطاع العام والخاص، والتبادل مع الجماعات الترابية الأجنبية. فضلا عن صلاحيات خاصة بالجهة منها تدبير الميزانية وتنظيم إدارة الجهة وإحداث المرافق العمومية للجهة. وفيما يخصّ اختصاصات الجماعات حسب القانون التنظيمي، تبقى خدمات القرب للمواطنين والموطنات هي المبدأ العام، ومن ذلك اختصاصات ذاتية كوضع برنامج عام للأعمال التنموية في ترابها، وإحداث المرافق والتجهيزات الأساسية العمومية، وتدبير بعض المرافق التجارية، وتنفيذ مقتضيات تخصّ مخطط التنمية القروية، واختصاصات مشتركة مع الدولة لأجل تنمية الاقتصاد المحلي والمحافظة على خصوصية تراثها وإنعاش الاستثمار، فصلا عن اختصاصات منقولة. صراع منتظر "أكيد سيحدث صراع بين الجهات والجماعات بالنظر إلى الاختصاصات الموكولة إليهما. وهذه سياسة مدروسة للمشرّع المغربي الذي يبحث دائما عن إضفاء التوازن بين المؤسسات، فصلاحيات مهمة لمجلس النواب يضطلع بها مجلس المستشارين، وصلاحيات مهمة للعمال تطوّقها صلاحيات الولاة، وصلاحيات عمداء الكليات تحدّها صلاحيات رؤساء الجامعات"، يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عيّاض، محمد نشطاوي، متأسفا على ما وصفه بسرقة طموحات الناخبين عبر تحالفات قوّت من حضور "البام" في الجهات، واصفا ذلك ب"الديمقراطية المشوّهة". ويضيف نشطاوي في تصريحات ل"هسبريس": "المشرّع المغربي يتخبط في موضوع الجهوية، ولا يدري هل يمضي نحو المتقدمة أو الموسعة. وهو ما ظهر في طبيعة الاختصاصات الموكولة للجهات والجماعات. كما أن عدم ثقته في الأحزاب جعلته يحاول تقزيم دور الجماعات، لاسيما إن استحضرنا أن الجماعات الترابية في أوروبا يمكن أن تبرم اتفاقيات تتجاوز صلاحيات الدولة التي تنتمي لها. لذلك عمد إلى محاصرتها بصلاحيات الجهات". تطويق مدن "البيجيدي" بجهات البام ويتفق أستاذ القانون الدستوري، أحمد البوز، مع فكرة إمكانية وقوع صراع بين الجماعات التي تتزعمها العدالة والتنمية والجهات التي يترّأسها الأصالة والمعاصرة، لاسيما مع تداخل اختصاصات الهيئتين الترابيتين. ويضيف البوز أن تسيير "المصباح" لجلّ المدن الكبرى سيكون مطوّقا باختصاصات جهات "البام"، وهي صدفة تظهر كما لو أنها مرسومة، مستطردا أنه "إذا لم يحدث التقاء بين الطرفين لأجل استحضار مصالح السكان، فدرجة الصراع بينهما ستستمر في الارتفاع". ويتابع البوز في تصريحات ل"هسبريس"، قائلا: "يمكن أن يكون (البام) والجهات التي تخوّفت من اكتساح (البيجيدي) على المدن هو ما دفع إلى هذا التطويق، ويمكن أن يكون (البيجيدي) هو من دفع إلى ذلك لأجل إضفاء التوازن على المشهد السياسي وحدّ سلطته السياسية، لاسيما أنه لم تكن له إرادة لاكتساح الجهات، ولم يقدم أسماء وازنة تستطيع المنافسة على مناصب الرئاسة".