صعّدتْ جمعيَّات أمازيغية موقفها إزاءَ وزارة التربية الوطنية، غداةَ إقدام نواب الوزارة في عدد من النيابات التعليمية على إنهاء تكليف أساتذةٍ متخصصين في تدريس اللغة الأمازيغية، وتكليفهم، بقرارات شفوية، بتدريس اللغة العربية أو الفرنسية، وهدّدت الجمعيات بخوض وقفات احتجاجية أمام الوزارة الوصيّة على القطاع، وأمام النيابات التعليمية المعنيّة، ومقاضاة النواب الذين أصدروا أوامرَ بإنهاء تكليف أساتذة الأمازيغية. وعبّر ممثلو كل من المرصد الأمازيغي للحقوق والحريات، وجمعية تماينوت، وجمعية باحثات وباحثي المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، والكنفدرالية المغربية لجمعيات مدرسات ومدرسي الأمازيغية، (عبروا) عن استنكارهم لقرارات تكليف أساتذة متخصصين في تدريس الأمازيغية بتدريس اللغتيْن العربية والفرنسية، وقال جمال عبدي، رئيس الكنفدرالية: "هذه كارثة، ونحنُ نحمّل وزارة التربية الوطنية مسؤولية ما سيترتّبُ عن هذا الوضع". إنهاء مهمّة أستاذةٍ زارها الملك في الفصْل وبلَغَ عدد الأساتذة المتخصصين في تدريس اللغة الأمازيغية، الذين توصّلوا بأوامر لتدريس لغات أخرى، حسبَ اللائحة الأوّلية التي توصّلت بها الجمعيات الأربع 72 أستاذة وأستاذا، وجاءت الرباط على رأس لائحة الأكاديميات التي عرفتْ إنهاء تكليف أساتذة الأمازيغية ب23 أستاذا، تلتْها خنيفرة ب15 أستاذا، في حين بلغَ عدد الأساتذة الذين أنهيَ تكليفهم في تنغير 10 أساتذة، و 7 في اشتوكة أيت باها، وأستاذا واحدا في الخميسات. وانتقدَ مسؤولو الجمعيات الأمازيغيات الأربع الذين عقدوا الندوة الصحافية تحت شعار: "تدريس الأمازيغية: ويتسمرّ التمييز"، أسلوبَ تعاطي وزارة التربية الوطنيّة مع تدريس اللغة الأمازيغية، ومع الأساتذة المُكلّفين بتدريسها، وقالَ أحمد عصيد، رئيس المرصد الأمازيغي للحقوق والحريات: "أقلّ ما يُمكن أن يُقال عن الأسلوب الذي يجري التعامل به مع أساتذة الأمازيغية أنّه مُحتقِر ومُهين"، وتابع: "هناك أساتذة أضحوا مراجعَ في تدريس الأمازيغية، واليوم يتمّ التعامل معهم باستهتار". وتساءَلَ عصيد في حديث لهسبريس كيْفَ يُعقلُ أنْ يعْمدَ بعض نواب وزارة التربية الوطنية إلى إنهاءِ تكليفِ أساتذة الأمازيغية ومنهمْ مَن قضَّى أكثر من إحدى عشرة سنة في تدريس الأمازيغية، ومن هؤلاء أستاذة سبقَ للملك محمد السادس أنْ زارَ القسْم الذي تُدرّسُ فيه الأمازيغية. الأستاذة فاطمة الإبراهيمي، وهي أستاذة الأمازيغية في نيابة الرباط منذ أحد عشر عاما، وزارَها الملك علّقتْ على قرار تكليفها بتدريس اللغة العربية بالقول: "أنَا في قمّة الإحباط". وقالت الإبراهيمي في حديث لهسبريس إنَّ زُملاءها الأستاذة والأستاذات الذين جرى إنهاء تكليفهم بتدريس الأمازيغية ما زالوا حيارى إزاءَ القرارات الشفويّة التي توصّلوا بها لتدريس لغات أخرى، وتساءلت: "كيف يمكن أن أدرّس مادّة لم أدرّسها منذ أزيد من إحدى عشرة سنة، مَا عْندي ما نعطي، ولا أخفيك أنني الآن أدخل إلى القسم وأنا في غاية الإحباط"، بينما قالَ عصيد في السياق نفسه: "هذه القرارات العشوائية دليل على أنّ المسؤولين عن التعليم غِيرْ كايرقّعو". تعميم تدريس الأمازيغية في تراجع وانتقدت الجمعيات الأربعُ بشدّة التراجُعَ الحاصل على مستوى التزام الدّولة في تدريس الأمازيغية، بعد إقرار إدراجها في النظام التربوي المغربي سنة 2003. ففي حين بلغ عدد الأساتذة المُكوَّنين بقرار من وزارة التربية الوطنية خلال السنوات الاثنتي عشرة المنصرمة 14000 مدرّس ومدرّسة، لم يتعدّ عدد الأساتذة الذين مارسوا التدريس الفعلي للأمازيغية لفترة محدودة 5000 مدرّس، منهم 380 متخصصا فقط، لكنّ هذا الرقم، بدأ في التراجع خلال السنوات الأخيرة، حسب الجمعيات. وعبّرَ كمال أقا، عن جمعية باحثات وباحثي المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية عن استياء الأمازيغ من الوتيرة البطيئة التي يمضي بها تدريس الأمازيغية، ومضى قائلا: "في كلّ سنة ننتقلُ من وضعية مزرية إلى وضعٍ أكثر سوءا"، وأضاف المتحدث أنَّ قرارات إنهاء تكليف أساتذة الأمازيغية لا تتماشى مع روح دستور 2011، وتتنافى مع تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، في حين قالَ عصيد: "بهذا المنظور قدْ لا نُعمّم الأمازيغية ولو بعد 150 عاما". وبدَا الإحباطُ جليّا على وجوهِ النشطاء الأمازيغ خلال الندوة الصحافيّة، إذ قالَ ممثل منظمة "تماينوت"، بومصري عبد السلام: "كنّا ننتظر أنْ يكون إدراج الأمازيغية في النظام التربوي فعليّا بعد الوثيقة الدستورية التي نصّت على ترسيم الأمازيغية، لكنّ العكس هو الذي حصل"، وأشار المتحدّث إلى الرؤية الاستراتيجية للمجلس الأعلى للتربية والتكوين، قائلا: "لم يأتِ ذكر الأمازيغية في هذه الإستراتيجية، وهذا مؤشّر خطير على أنّ دستور 2011 كانَ فقط لدرّ الرماد في العيون". وفي مقابل الإحباط البادي على وجوه النشطاء الأمازيغ، إلّا أنهم شدّدوا على أنَّ قرارات تكليف أساتذة الأمازيغية بتدريس لغات أخرى لنْ يمرّ مرّ الكرام، وقال عصيد: "نحنُ ضدّ هذه التكليفات المزاجيّة، ونطالبُ بإرجاع الأساتذة المعنيين إلى فصول تدريس الأمازيغية، ومحاسبة الموظفين الذين ينتهكون قرارات الوزارة، وإذا لم يتمّ تصحيح هذا الوضع فإننا سنمرّ إلى خوض وقفات احتجاجيّة أمام الوزارة والنيابات التعليمية المعنيّة، والتفكير في رفع دعاوى قضائية ضدّ المسؤولين الذين يخرقون القانون".