الثورتان التونسية والمصرية أزاحتا الستار عن أشياء تثير كثيرا من الاستغراب، منها أن هذه الدول العربية الديكتاتورية الشمولية لا يجمعها بما يسمى بالدولة أكثر من الاسم،فهي مجرد تنظيم بوليسي مفيوزي يحركه كبيره لقضاء مصالحه ومصالح مقربيه وإذنابه، لا يتحكم واقعيا في أي شيء، ينهار في وقت قياسي بشكل مهول، تختفي مظاهر هذه الدول بمجرد زوال الخوف، إذن فالفضل في الاستقرار المزعوم الذي يتشدقون به يعود إلى الخوف القابع في قلوب الشعب وليس إلى أي شيء آخر مما يدعون ، الدولة الديكتاتورية ليست دولة مؤسسات كما يقولون، وإنما هي مجرد نمر كرتوني بلا قوة ولا روح، يملأ الدنيا خوفا، ويختفي بمجرد أن يتجرأ الخائف من الاقتراب منه وتلمسه ليكتشف انه كان مغفلا لعقود، فلا يوجد نمر حقيقي ولا هم يحزنون وإنما مجرد نمر كرتوني منفوخ فيه كثيرا. سقطت أسطورة المعجزة الاقتصادية والدولة الأمنية في تونس، حينما أراد الشعب هناك الحياة، ولم تستطع أي قوة في العالم وقف جحافل الجماهير التي زحفت قتالي أبنائها ومصادري آمالهم وأحلامهم، ففر بنعلي بجلده وخلف وراءه البلاد لتغرق في الفوضى التي لم يستطع التغلب عليها سوى أبناء الثورة، في الوقت الذي تحول من كان المفروض فيه حماية الناس إلى لصوص وقتلة ومخربين، حدث هذا في تونس، ثورة شعبية حقيقية أصيلة لا شرقية ولا غربية، جاءت على دماء أبناء الشعب وليس على ظهر الدبابات الأمريكية، لذلك نجحت وستواصل النجاح، وإذا كانت اللعبة انتهت في تونس بالتخلص من الديكتاتور الثري، فمصر لم تخرج من مأزقها بعد، ويحاول بعض من أبنائها خذل الثورة، ولا اقصد هنا من يسمى بالبلطجية، فأولائك لم يوجدوا إلا لهذا ولا يتقنون إلا هذا، ولكن أولائك الفنانين والمثقفين الذين خيبوا ظننا فيهم، يقولون إنهم يخافون على مصر، وان ما يحدث هو ضد مصر، وان مصر تخسر المليارات، وبكل جهل يوجهون التهديد للمعتصمين في ميدان التحرير كما فعل أحد الممثلين درجة سفلى، وهو يتصنع البكاء، ويحمل المعتصمين ما يحدث من فوضى وقتل وخسائر... ويقولون – أي المنحازون لمبارك- ان الرئيس تفضل فاستجاب لطلبات المتظاهرين، لذلك يجب الفرح وإنهاء جميع أشكال التظاهر! وهنا يطرح سؤال نفسه بشدة، من هو مبارك؟ وما هو الدستور؟ وما فائدة الشرعية التي تشرعن لنهب ثروات الشعوب وتهميش أبنائه، وقتلهم بالرصاص؟ إن مبارك ليس إلها ليتفضل بما يريد ومتى يريد، والدستور ليس قرآنا منزلا وإنما هو مجموعة قوانين يكتبها الحاكم العربي، لتحمي مصالحه والمقربين منه قبل كل شيء، فلا شرعية تعلو فوق إرادة الشعب، ولا شرعية لمن يسلط أولاد السوق ويكتري المساجين ويسلطهم على المتظاهرين العزل ليقتلوهم وينكلوا بهم، إن الغباء والفضيحة التي ارتكبها نظام مبارك بإتيانه بالجمال والخيول والبغال والحمير ليركبها البلطجية، في منظر متخلف وبائس، مشهد مقطوع من عهد الجاهلية البائدة، ستبقى وصمة عار على جبين هذا النظام الذي يبدو انه لم يفهم ولن يفهم أبدا، وياليته فهم ولو متأخرا كما فهم بنعلي فأراح واستراح! من أجل شخص واحد تعدى عمره الثمانين، ولأجل خاطره يغامرون بإفناء الشعب المصري، بدعوى الحفاظ على الشرعية، أن مثل هذه الأنظمة يجب أن تختفي، إنها أنظمة وثنية تريد من شعوبها أن يعبدوا الأوثان، والوقت قد تجاوز ذلك، لكن متى كان للأصنام أذان وعقول ليفهموا، إلا حينما يحسون بالشعب وقد هب نحو قصورهم.