خاضت الصحف المغاربية، اليوم الخميس، في مواضيع راهنة بالمنطقة، أبرزها صعوبة العدالة الانتقالية في تونس، وتداعيات أسعار النفط على الجزائر، والحوار المرتقب في موريتانيا بين الأغلبية والمعارضة. ففي تونس، تطرقت الصحف للصعوبات التي تعترض مسار العدالة الانتقالية في ظل الحديث عن مشاكل داخل (هيئة الحقيقة والكرامة) التي هي إطار حكومي مستقل أدى أعضاؤه اليمين الدستورية 6 يونيو 2014 أمام الرئيس السابق المنصف المرزوقي. ومن مهام الهيئة التي تترأسها سهام بن سدرين، تحقيق أهداف الثورة وضمان مسار الانتقال الديمقراطي في تونس. وتساءلت صحيفة (الضمير) إن كانت "الأزمة" داخل (هيئة الحقيقة والكرامة) هي "مشاكل داخلية أم تشويش ممنهج لضرب مسار العدالة الانتقالية"، موردة أنه بعد استقالة عدد من أعضاء الهيئة وما وجه لرئيستها من اتهامات وانتقادات، أعربت بعض الأطراف السياسية والحقوقية عن مخاوفها من إمكانية وجود محاولات لضرب الهيئة. ونقلت عن سياسيين أن مسار العدالة الانتقالية "تأخر" بسبب بعض العراقيل والصعوبات الواقعية والقانونية، وأن الهيئة باتت "مهددة من داخلها" بفعل الاستقالات والتجاوزات، في حين يرى آخرون أن هذه البنية تتعرض إلى حملة ممنهجة للتشويش على عملها. وتحت عنوان "سهام بن سدرين في الدوامة"، كتبت صحيفة (المغرب) في افتتاحيتها أن المشكلة داخل (هيئة الحقيقة والكرامة) ككل مشاكل البلاد "يختلط فيها المؤسساتي مع السياسي والشخصي"، وزادت شخصية رئيستها في تأجيج العواطف في كلا الاتجاهين حتى بدا وكأن كل المواقف من العدالة الانتقالية ومن هيئة الحقيقة والكرامة ومن المبادرة التشريعية الرئاسية حول المصالحة الاقتصادية، إنما هي، في نهاية المطاف، مواقف من سهام بن سدرين ليس إلا. وكشفت الافتتاحية أن الهيئة تعيش أزمة أخذت "أبعادا درامية" بعد رسالة مسربة لنائب رئيستها إلى رئيس مجلس نواب الشعب، يتحدث فيها عن "تجاوزات خطيرة ويتهم فيها بن سدرين بإخفاء الحقيقة وبأشياء أخرى تدخل تحت طائلة القانون إن ثبتت"، خالصة إلى أن كل مسار العدالة الانتقالية اليوم "في خطر، (...) لأن هيئة الحقيقة والكرامة فقدت بأزمتها الداخلية وبتشنجها المفرط خلال الأسابيع الماضية حول مسألة المصالحة، إمكانية القيام بمهامها الدستورية والقانونية في أفضل حال". ولمحت صحيفة (الشروق) إلى فشل الهيئة في أداء مهامها بجعل العدالة الانتقالية بعيدة عن "الانتقامية" و"الصورية" عند التصالح مع الماضي، وإظهارها عدالة تحاول فهم ما حدث وتحديد أسبابه وإحالة الملفات التي يثبت فيها ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان إلى النيابة العامة ومتابعة مآلها أمام الهيئات القضائية. ذلك أن هيئة الحقيقة والكرامة - تقول الصحيفة - "لم تقدر على طي صفحة الماضي ولا على التمحيص فيها ولا على إرساء العدالة الانتقالية ولا ضمان حقوق المتضررين ولا على التمهيد لفتح الصفحة الجديدة، والسبب أنها حملت بذور فشلها في قانونها المؤسس وفي تركيبتها ورئاستها". وفي الجزائر، لم تتوقف الصحف عن رصد تداعيات أسعار النفط، وخرجات كبار المسؤولين السابقين والحاليين في الدولة للحديث عن الأزمة التي دخلتها الجزائر. في هذا الصدد، أوردت صحيفة (الخبر) تصريح فاروق قسنطيني رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان، جاء فيها أن التطورات الاقتصادية الأخيرة في الجزائر "تشبه أزمة 1986، وسيكون لها تأثير كبير على كل المستويات"، وأن هذه الأزمة ستمس بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية الأساسية للمواطنين. وقال قسنطيني إن الأزمة سيدفع ثمنها الشعب في التعليم والصحة وإزالة دعم المواد الأساسية وتقلص الاستثمارات العمومية، وهذا ما يدعو "للخوف"، لأن الاضطرابات الاجتماعية التي ستنتج عن ذلك "يمكن أن تهدد السلم والاستقرار في البلاد". وألقى بوجمعة غشير الرئيس السابق للرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان باللائمة في هذه الأزمة على "سياسات الحكومة التي لم تقم بتنويع الاقتصاد الوطني وفك ارتباط الجزائر بالبترول هي المتسبب الرئيسي في الأزمة"، وفق (الخبر) التي نقلت عن المتحدث أن الجزائر ستكون مضطرة للجوء إلى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي من أجل الاقتراض في حال استمر هذا المنحى التنازلي لأسعار النفط. وشددت صحيفة (الشروق) على أن المرحلة لا تقتضي تحليلات بل حلولا لمواجهة الأزمة والتي يجمع الكل على أنها ستكون أخطر من أزمة 1986. ورأت أن الحقيقة المرة هي أن أغلب هؤلاء الذين يخرجون علينا بتحليلات سوداوية وتوقعات صادمة كانوا هم صناع الفشل، وهم سبب ما نحن مقبلون عليه من قحط وفاقة، "كيف لا وبعضهم كانوا وزراء أو مسؤولين، أو كبار مؤسسات الدولة، ومع ذلك لا يحملون أنفسهم أي مسؤولية في هذا الفشل". وتابعت "لا يوجد بلد في العالم أساء له أبناؤه كما نفعل نحن في الجزائر، باشتراكنا كلنا في منظومة الفشل التي حولت بلدا غنيا بالثروات الطبيعية والبشرية إلى بلد فاشل وشعب كسول وعاجز عن العمل لدرجة يتم فيها استيراد اليد العاملة من الصين ومصر وبلدان أخرى للعمل في ورشات البناء وشق الطرقات، فيما حولت سياسات السلطة الخرقاء الجيل الجديد من الشباب إلى جمع من الفاشلين لا هم لهم إلا اللهث وراء أموال الريع التي توزعها السلطة ضمن برامج التشغيل". صحيفة (المحور اليومي) تناولت الموضوع من زاوية أخرى، اعتبرت فيها أن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها الجزائر أخرجت العديد من الساسة والوزراء الذين صنفوا ضمن "أرشيفات الجزائر" إلى الواجهة، حيث هاجم رؤساء حكومات سابقة ووزرائهم الحكومة الرابعة للوزير الأول عبد المالك سلال، بسبب تراجع أسعار البترول وانهيار قيمة الدينار وارتفاع معدلات التضخم وانتهاج سياسة شد الحزام، متسائلة عن أسباب هذه التصريحات التي تباينت خلفياتها بين "من يريد الاصطياد في المياه العكرة، ومن يرى أن الاقتصاد الوطني على شفا حفرة من الانهيار". وكتبت أن الكل يتكلم، يخرج عن صمته، ويحلل الوضع المالي ويناقش تداعيات انهيار أسعار البترول، ويفتي في النظريات الاقتصادية والحلول المستعجلة التي ستنقذ الجزائر من الانهيار، فالأمر "أصبح موضة وتقليدا منذ انهيار أسعار البترول، وإلا كيف يمكن أن نفسر غياب ساستنا وصناع القرار بالأمس القريب عن الساحة، ثم يعودون للظهور ويدلون بدلوهم عبر مختلف وسائل الإعلام وينشطون المنتديات¿". وتناولت الصحف الموريتانية الحوار المرتقب بين الأغلبية الحاكمة والمعارضة، حيث قالت صحيفة (التواصل) إن هذا الحوار يبدو أنه "شبه جاد ويسير في اتجاه التوصل إلى حلول توافقية تنهي حالة احتقان سياسي قائمة منذ سنوات بين بعض أطياف المعارضة من جهة والسلطة وأحزاب الموالاة من جهة أخرى". وتابعت الصحيفة أن حالة المد والجزر هي التي تميز المشهد العام للحوار حتى الآن، حيث تتوقف المسيرة عند كل نقطة لتجد الأطراف أنها أمام عقبة كبيرة. أما صحيفة (لوميير نور) فترى أن الحوار ما يزال يراوح مكانه رغم تحديد يوم السابع من شتنبر موعدا لانطلاقته بعد توقفه في ماي الماضي بعد جلستين، لدراسة ما أسمته المعارضة "ممهدات". وفي هذا الصدد، أشارت الصحيفة إلى أنه من المحتمل أن يسند ملف الحوار بين الأغلبية والمعارضة لأحد رجالات ثقة الرئيس محمد ولد عبد العزيز، ويتعلق الأمر بالشيخ ولد باي الذي قاد مفاوضات موريتانيا مع الاتحاد الأوروبي لتجديد اتفاقية الصيد البحري. وفي تعليقها على مصادقة مجلس الوزراء، الأسبوع الماضي، على مشروع قانون حول الجريمة الالكترونية، تساءلت صحيفة (التواصل) إن كان المشروع يحد من حرية الصحافة الموريتانية. وقالت إن هناك من يرى أن مشروع القانون الجديد المتعلق بالنشر الالكتروني يحد من الحريات بالنسبة للنشر الالكتروني عموما، بما في ذلك الصحافة الالكترونية. على صعيد آخر، تطرقت الصحف الموريتانية لبيان صادر عن السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية دعت فيه جميع الفاعلين السياسيين والإعلاميين إلى دعمها في تطبيق إصلاح إعلامي "كرس التعددية وألغى عقوبة الإكراه البدني ضد الصحفيين ووسع دائرة حرية التعبير والصحافة".