يرى عدد من الفاعلين في المجال التربوي والتخييمي بمدينة المحمدية أن هذه المدينة ، التي يفوق عدد سكناها 400 ألف نسمة وتضم خمس جماعات ترابية ، شهدت خلال السنوات الأخيرة توسعا عمرانيا على حساب الفضاءات الخاصة بترفيه وتخييم الأطفال والشباب. فهذه المدينة الساحلية ، التي تعد محورا رئيسيا بين العاصمتين الإدارية الرباط والاقتصادية الدارالبيضاء ، لا تتوفر سوى على مخيمين رئيسيين تنعدم فيهما مواصفات المخيم الصيفي للأطفال ، أحدهما مخيم "المنظر الجميل" الواقع بالحي السكني العاليا، يستعمل طيلة السنة ك "نادي نسوي". بينما الآخر وهو المخيم الحضري "الميناء"، لا يتوفر على التجهيزات الضرورية على الرغم من الوظيفة التربوية التي يقوم بها طلية موسم التخييم. ويعتبر محمد فطناوي ، رئيس إحدى الجمعيات التربوية وحاصل على عدد من الشواهد العليا في التأطير التربوي والإداري والاقتصادي لوزارة الشباب والرياضة ، أن فضاءات التربية والتخييم بمدينة المحمدية باتت لا تقوى على تلبية حاجيات الإقبال الكبير للعائلات على إرسال أبنائهم إلى المخيمات الصيفية القريبة من محلات سكناهم ، ناهيك عن توافد ساكنة أقاليم أخرى على هذه المدينة. وشدد فطناوي ، على ضرورة أن تتوفر المدينة على مخيمات ذات مواصفات لائقة بالتخييم التربوي وترقى إلى مستوى تطلعات الوافدين الذين يتزايد إقبالهم على المدينة باعتبارها وجهة سياحية تقع بين عاصمتين ، وبها مؤسسات أكاديمية وثقافية تستقطب الكثير من الفاعلين على مدار السنة ، منبها ، في ذات الوقت ، إلى أن مدينة المحمدية أصبح يغلب عليها الطابع الإسمنتي على حساب المساحات الخضراء وفضاءات التربية والتخييم ، فضلا على عدم توفر شريطها الساحلي الممتد على مسافة تتراوح ما بين 25 و30 كلم ، على مخيم للأطفال بعد إقفال مخيم "زناتة" الذي كان يعد متنفسا لأطفال الوسط القروي القاطنين بالمنطقة الشرقية التابعة للإقليم. أما بالنسبة لرضوان خيرات ، النائب الإقليمي لوزارة الشباب والرياضة فإن الظروف الحالية لفضاءات التربية والتخييم بالمحمدية تقتضي الاشتغال على إعادة النظر في البنية التحية لهذه الفضاءات وتأهيلها وجعلها قادرة على الاستجابة لأسئلة الشباب ومتطلباته عبر التخلص من البنيات العتيقة وإنجاز أخرى في حلة جديدة. وأوضح ، في تصريح مماثل ، أن المصالح المكلفة بهذا المجال إقليميا ومركزيا قررت إعطاء انطلاقة تجديد هذه البنيات حيث بدأت أشغال إعادة تأهيل مركز الاستقبال "البشير" قبل بضعة أسابيع فيما ستنطلق أشغال إعادة تأهيل مخيم "المنظر الجميل" مباشرة بعد انتهاء المرحلة الخامسة والأخيرة من موسم التخييم. وقال إن هذه الإصلاحات ، التي تندرج في إطار الترميمات الكبرى للمخيمات الصيفية على الصعيد الوطني ، تشمل أساسا ، بتشاور مع الجمعيات، تجهيز كافة المخيمات بالوسائل الضرورية لتقديم إجابات دقيقة وموضوعية للأنشطة المنظمة بفضاءات التخييم وبناء أخرى جديدة بمواصفات عصرية وحديثة وتعبئة كافة الشركاء من أجل الانخراط في هذا البرنامج الوطني ، مشددا على الأهمية القصوى التي تلعبها هذه الفضاءات في تربية الناشئة واستقطابها للاندماج في الحياة الجماعية وتعلم المواطنة عن طريق الحوار وتدبير الاختلاف والابتعاد عن العنف والانحراف. وأكد أنه على الرغم من الإكراهات والظروف الصعبة التي تمر منها فضاءات التربية والتخييم فإن النيابة الإقليمية للشباب والرياضة بتعاون مع السلطات المحلية في إطار اللجنة الإقليمية للتنمية البشرية تمكنت هذا الموسم، الذي ينظم تحت شعار "المخيم فضاء للمواطنة تعلم الحياة" من الاهتمام أكثر بمضامين التخييم على مستوى برمجة الأنشطة اليومية للأطفال المستفيدين. وأشار في هذا الصدد إلى المحاور الأساسية لهذه البرمجة والمتمثلة أساسا في ترسيخ قيم المواطنة والانفتاح على القيم الإنسانية المشتركة وتفضيل العمل الجماعي على العمل الفردي والتربية على البيئة وحقوق الإنسان. وفي السياق ذاته ، قال عبد الجبار المنوني ، رئيس مخيم "المنظر الجميل"، الذي يستقبل حوالي ألف طفل وطفلة ما بين 8 و14 سنة موزعين على خمس مراحل (200 في كل مرحلة) ، أن برامج التنشيط والترفيه ، التي تعد من قبل الجمعيات المستفيدة تحت إشراف إدارة المخيم ، تنطلق مباشرة بعد الاستيقاظ يوميا على الساعة السابعة والنصف صباحا بحصة للترويض وتحية العلم ، وبعد تناول الفطور ينشغل الأطفال دائما بتأطير من المدرب(ة) بترتيب الأغراض الشخصية ، تليها حصة السباحة بمعدل ثلاث مرات في الأسبوع ، وحصة الأوراش ، فضلا عن الخرجات للتسوق أو للإطلاع على المآثر العمرانية أو التاريخية في الإقليم ، بالإضافة إلى الخرجات الاستكشافية والأنشطة الرياضية على شكل احتفالات الأولمبياد، التي يجسد فيها كل فريق دور بلد من البلدان الإفريقية أو الغربية. وتشمل الأوراش حصصا موضوعاتية في الفكر والفن والثقافة والبيئة والتربية الطرقية وحقوق الطفل ، إلى جانب الحصص المسائية التي تتنوع ما بين الإعداد للسهرة الليلية وتخصيص وقت حر للقراءة أو اللعب قبل حلول موعد العشاء .كما تتنوع السهرات الليلية ما بين سهرات الحكي ، وإبراز المواهب والسهرات الجماعية التي تمثل ثقافة فنون الإقليم الذي ينحدر منه كل فريق من الأطفال. ويختم اليوم الكامل للتنشيط بعد خلود الأطفال للنوم ما بين الساعة الحادية عشرة والحادية عشرة والنصف ليلا، بالاجتماع اليومي للأطر من أجل تقييم الأنشطة وإعداد أنشطة اليوم الموالي لهذا المخيم الذي يحتضن جمعيات تربوية لأطفال من مختلف أقاليم المغرب. وبخلاف مخيم "المنظر الجميل " الذي هو مخيم قار فإن المخيم الحضري الواقع بالقرب من ميناء المحمدية يستقبل ، حسب رئيسه مصطفى صبري ، طيلة اليوم أطفالا من الجماعات الترابية الخمس التابعة لإقليمالمحمدية ، وهي جماعة المحمدية وجماعة الشلالات وعين وجماعة حرودة وجماعة سيدي موسى بنعلي وجماعة سيدي موسى المجذوب. وقال المسؤول نفسه إن الأطفال والطفلات المتراوحة أعمارهم ما بين 8 و14 سنة يقضون اليوم بكامله بالمخيم مستفيدين من أجواء الشاطئ ويعودون كل مساء إلى منازلهم على متن حافلتين وضعت رهن إشارة إدارة المخيم بدعم من مجلس جهة الدارالبيضاء الكبرى واللجنة الإقليمية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية . وتبلغ الطاقة الاستيعابية لهذا المخيم 300 طفل أي ما مجموعة 1500 طفل وطفلة خلال المراحل الخمس للتخييم. وبخصوص التغذية ، أفاد أحمد وهبي ، المقتصد التابع لوزارة الشباب والرياضة بأن هناك تحسنا كبيرا في هذا الجانب بحيث يتم الاعتماد على المعايير التي يضعها خبراء في المجال تابعين للوزارة، وذلك من أجل السهر كما وكيفا على جودة المواد الغذائية المقدمة للأطفال طيلة مراحل التخييم. وأوضح أن هناك تنوعا في الوجبات الغذائية من يوم لآخر وتشمل كل المكونات التي تزود الطفل بالسعرات الحرارية الكافية وتضمن السلامة الصحية ، بما يقتضيه ذلك من مراقبة وتتبع من تسلم المواد إلى المائدة مرورا بمطبخ المخيم الذي يسهر عليه طباخات وطباخون محترفون، بمساعدة أطر الجمعيات المشاركة. ومن جهة أخرى ، تتميز بنية التخييم بالمحمدية بمخيم "ياسمينة" المقام بمركز التكوين المهني للسنة السابعة على التوالي، والذي يحتضن شريحة خاصة من الأطفال تشمل الأيتام ونزلاء مراكز الرعاية الاجتماعية وأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة. وأوضح يزيد أبو الصابون ، رئيس المخيم ، أن نزلاء هذا المخيم ينحدرون من زاكورة وابن احمد وتاحناوت ، مشيرا إلى أن البرنامج اليومي لهذا المخيم يتضمن أنشطة نوعية تنسجم مع طبيعة الحالة الاجتماعية والصحية للمستفيدين بدعم من اللجنة الإقليمية للتنمية البشرية وبعض المقاولات المواطنة. وتشمل هذه الأنشطة زيارة بعض المطاعم في المدينة وفقرات للتربية الصحية وإقامة احتفالات عائلية إلى جانب الترفيه والثقافة والأنشطة الرياضية. وتسهر على تدبير شؤون هذه المخيمات أطر من مستوى تعليمي لا يقل عن الباكالوريا ، وحاصلة على شهادات في ميدان التربية والتخييم تسلمها وزارة الشباب والرياضة لفائدة أطر الجمعيات المتخصصة في المجال. ولئن كانت هذه الأطر وهذه الفضاءات تسعى إلى تلبية طلب الأسر لاستفادة أبنائهم من المخيمات الصيفية وسد النقص الحاصل ، فإن عددا من مسؤولي بعض الجمعيات لا يخفون عجزهم عن تلبية كافة الطلبات التي ترد عليهم سواء من داخل إقليمالمحمدية أو من خارجها، وذلك بسبب هيمنة الإسمنت على حساب الفضاءات الخضراء وفضاءات التربية والتخييم. ويؤكدون في نفس الوقت على أهمية تخييم الأطفال لما لهذه المرحلة من تأثيرات ووقع إيجابي على تربيتهم وبناء شخصيتهم على قواعد روح المواطنة وقيم الحياة والاندماج والانفتاح على الآخر. و.م.ع