مَعَ تضخُّم أسطولِ السيارات التي تجوبُ طرق العاصمة الرباط، تتفاقمُ معاناة أصحابها في ظلِّ قلَّةِ المَرابد وضُعْف الطاقة الاستيعابيّة للمُتوفَّر منها، خاصّة وسَطَ المدينة، والأحياء التي تتواجدُ بها الإدارات، مثل حيّ حسان، وهوَ ما يدفعُ عددا من أصحاب السيارات إلى ركْن سيّاراتهمْ في أيّ مكانٍ بما في ذلك حتّى الأماكن التي يُمْنعُ فيها الوقوف، مثل ممرّات الراجلين، وأرْكانِ الشوارع والأزقّة. قِلّةُ المواقفِ المخصّصة لرَكْن السيارات في الرباط حوّلَ أرصفة الشوارع في المناطق الحيوية بالعاصمة إلى "مَرابد عشوائيّةٍ"، تصطفُّ فيها السيارات، رُغم أنّ الأرصفة مُخصّصة في الأصل للراجلين. ففي الحيّ الإداري بحيّ حسان، وَوسَطه، يجدُ المارّة أنفسهم مُرغمين في عدد من النقط على النزول إلى قارعة الطريق، والسيْر جنبا إلى جنْبٍ مع العربات، بعْدما صارت الأرصفةُ مُحتلّة بالسيارات. عُمْدةُ مدينة الرباط فتْح الله ولعلو، المنتمي إلى حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي يقودُ الأغلبية المسيّرة للمجلس الجماعي لمدينة الرباط، رَفض الحديثَ عنْ مُشكل قلّة مرابِد السيارات بالرباط، فبعْد أنْ قدّم بعض المعلومات في اتصال هاتفي مع هسبريس، عادَ ليؤكّدَ أنّ ما قالَه "ليْس للنشر"، رافضا الخوضَ في الموضوع، رُغمَ أنَّه هو المسؤول الأوّل عن تسيير شؤون العاصمة. في المُقابل أبْدى حكيم بنشماش، عنْ حزب الأصالة والمعاصرة، المتواجد في المعارضة بالمجلس الجماعي للرباط، نوْعا من التحفّظ إزاءَ الحديث عن هذا الموضوع، بداعي أنَّ ذلك سيُفْهمُ منْه أنّه صراعٌ انتخابي معَ قُرب موعد الانتخابات الجماعية. بنشماش قالَ في اتصال مع هسبريس إنَّ المُعطيات المتوفّرة لديْه تقولُ بأنَّ مشروع "مدينة الأنوار" يتضمّنُ مُخططا يتعلّق بتهيئة مرابد السيارات بالعاصمة. غيْرَ أنّ هذا المخطط يحتاجُ إلى الانكباب على إخراجه إلى حيّز الوجود، وقال بنشماش: "المنتخبون للأسف لم يواكبوا ولمْ يلعبوا دورهم كما ينبغي للدفع بتفعيل هذا المخطط وبقي المشكلُ مطروحا على غرار مشاكل أخرى"، ويَرَى بنشماش أنَّ مشكلَ مرابد السيارات بالعاصمة ليْس مشكلَ إمكانيات بل يتعلّق بالنخبة التي تُسيّر المدينة وما إنْ كانتْ تُرتّبَ الأولويات، وزاد: "من المؤسف أن المجلس الجماعي لمدينة الرباط لم يتحمَّل مسؤوليته كما ينبغي في هذا الموضوع". وبسبب الصعوبات التي يجدُها عدد من أصحاب السيارات للعثور على أماكنَ لركْن عرباتهم في وسط شوارع وأزقّة العاصمة، صارَ عدد منهم يُفضّلون التخلّي عن سياراتهم والتنقّل عبْرَ الترام. بالنسبة لطه، لا يكْمُنُ المشكلُ في ضعف الطاقة الاستيعابية لمرابد السيارات بالرباط، بلْ في قلّة وسائلِ النقل العمومي، وهوَ ما يجعلُ المواطنين يفضلون التنقّل عبْر سياراتهم الخاصّة، مما يؤدّي إلى الاكتظاظ، سواء في حركة المرور أو في مواقف السيارات. واستطرد طه أنَّ عددا من الدول المتقدمة لجأتْ إلى حلولٍ أخرى غيْر توفير مرابد السيارات، ومنْ ذلك فرض ضرائبَ مرتفعة على أصحاب السيارات للتشجيع على التنقل عبر وسائل النقل العمومي، كمَا هو الحال بالنسبة لبريطانيا. لكن شتان بيْن وسائل النقل العمومي في بريطانيا ونظيرتها في المغرب، لا منْ حيثُ خدماتها ولا من حيثُ جودتها، ويقول طه: "لوْ كانتْ لدينا وسائلُ نقلٍ عمومية في مستوى جيّدٍ لَما اضطررت إلى التنقّل عبْرَ السيارة". ولا يُخفي محمد لغروس أنَّ البحْثَ عنْ حَيّزٍ لرَكْن السيارة في شوارع وأزقّة الرباط أصبح "مُشكلا يوميّا ومؤرقا، خاصة في مركز المدينة"، ويعزو سبب ذلك للتزايُد المطّرد لعدد السيارات وعدم توسيع وتجديد تهيئة الطرق بما يوازي ارتفاع البشر والعربات، مُحمّلا المسؤوليّة للمجلس البلدي للرباط والشركة المُكلّفة بتدبير المرابد "الرباط باركينغ"، وعلاقتها بمجموعة صندوق الإيداع والتدبير، قائلا: "هؤلاء جميعا مُقصّرون في تطوير مواقف السيارات وتوسيعها وإنشاء أخرى جديدة واستغلال تحت الأرض". مُعاناة أصحاب السيارات في الرباط لا تقتصرُ فقطْ على قلّة المرابد، فحتّى حينَ يعثرُ صاحبُ السيارة على مكان لرَكْن سيّارته يجدُ نفْسهُ مُجبراً على مراقبة عقاربِ ساعته جيّدا، لتفادي عدم تجاوُز المُدّة الزمنيّة المُحدّدة في تذكرة الإذن بالوقوف في الأماكن المحجوزة لفائدة شركة "الرباط باركينغ"، وبالتالي تفادِي أداء غرامة وضْع "الصابو"، رُغْم صدور حُكم قضائي عن المحكمة الإداريّة بالرباط يقْضي بعَدم قانونيّته وعدم قانونية استخلاص الدعائر المترتبة عن وضعه. محمد لغروس يعتبرُ "الصابو" والغرامات المالية المترتّبة عنْه "مشكلا حقيقيّا "يعكسُ عقلية استغلالية متوحشة للواقفين وراء فكرة كراء المرابد"، وزادَ أنَّ "الخطير هوَ أن هذا الأمر لم يَعُد مقتصرا على الشوارع الرئيسية بل أصبح يزحف حتى على الأزقة"، ويَرى المُتحدّث أّنَّ الشركةَ المُكلفة بتدبير مرابد السيارات بالعاصمة الرباط تستنزفُ جيوب المواطنين، "فعندما ترْكنُ سيارتك وتؤدي عليها مبلغ 4 دراهم للساعة، مثلا، خاصّْك ميزانية شهرية قارة"، يقول محمد. ولا يعني رَكْنُ السيّارة في المَرائب المُؤدّى عنها أنها محميّة من السرقة أوْ التعرّض لأضرار، حسب الغروس، وهوَ ما يجعلُ السائق مُضطرا إلى دفْعِ مقابلٍ إضافي للحارس المشرف على مربد السيارات، ورُغْم ذلك فإنّ السيارة ليْست في مأمن، "فالحارس يحرُسها نظريّا فقط، أمّا إذا قدّر الله وتعرّضت السيارة لضرر فما على صاحبها سوى أنْ يدفعَ من جيبه ليُصلحها، وهذا حدث لي مرّة، حينَ ركنْتُ سيّارتي، وعندما عدتُ وجدتها قدْ خُدشت"، يقول لغروس، وتابع: "لم أجد فْمّْن نشدّ. واش فالبلدية ولا الدولة ولا الحارس ولا ولا...". وبحسب إفادات حكيم بنشماش فإنّ مُشكلَ قلّة مرابد السيارات في العاصمة الرباط يُرتقبُ أنْ يُوجَد له حلّ، إذ أفادَ أنّه واحد من المشاريع المُفترض أن ترى النور في أفق سنة 2017، ضمن مشاريع إعادة تهيئة الرباط"، وأوضح بنشماش أنّ المُعطيات التي قدّمها والي الرباط "تُفيد أنّ كثيرا من الأمور ستتغيّر في العاصمة مستقبلا، ومن ضمنها هذا المشكل، الذي رُصد غلاف ماليّ لحَلّه"، غيْر أنّ ذلك رهين -يضيف بنشماش- بإفراز الانتخابات الجماعية القادمة نُخبا قادرة على مواكبة هذا المخطط، وإخراجه إلى حيّز الوجود.