أثارت نتائج انتخابات التجديد العام للغرف المهنية، في أفق انتخاب أعضاء مجلس المستشارين يوم 7 غشت، وهي التي احتل فيها حزب العدالة والتنمية الرتبة السادسة، والخامسة وسط الأحزاب السياسية بحصوله على 196 مقعدا، الكثير من الجدل في الأوساط السياسية المغربية، بين من اعتبر الأمر تصويتا عقابيا وآخرين يرون أن الأمر ليس كذلك، على اعتبار التقدم الحاصل في نتائج الحزب الحاكم. القراءة التي أثارت الكثير من الجدل، بشأن النتائج التي كشفت عنها وزارة الداخلية والتي حصل فيها "حزب المصباح" على 8.99 بالمائة من مجموع المقاعد المتنافس عليها وطنيا، كانت تلك التي قام بها عبد الرحيم المنار اسليمي، رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات بالرباط ، والقائلة إن التصويت "عقابي - جزائي" ضد حزب العدالة والتنمية الذي يقود التحالف الحكومي. وقال اسليمي إن النتائج تؤشر على تضرر مصالح الغرف المهنية من السياسة الحكومية خلال الأربع سنوات الماضية، وعلى نجاح نسبي للمرافعة التي تقودها المعارضة ضد حزب العدالة والتنمية الحاكم، مضيفا أن العدالة والتنمية لم يستطع توسيع قاعدته التمثيلية المهنية رغم وجوده في مركز القرار وتعامله اليومي مع القطاعات المهنية. قراءة اسليمي لهذه النتائج جرت عليه غضبا واسعا داخل قواعد حزب العدالة والتنمية، ليدخل بعدها على الخط محمد يتسم، عضو الأمانة العامة للتنظيم والكاتب الوطني لذراعه النقابية، حيث وصف أستاذ العلوم السياسية والفقه الدستوري بأنه "محلل سياسي لحزب الأصالة والمعاصرة". واعتبر يتيم أن تحليل اسليمي، بكون التصويت على الPJD كان عقابيا، "صدر من المحللين لحزب جاء في زمن التحكم ودخل الساحة السياسية بالإرهاب والترهيب والتهديد"، مبرزا أن "المحلل السياسي المزعوم يسعى أن يجد لحزب سلطوي المنشأ هجين من حيث التكوين والإيديولوجية شرعية تمثيل ديمقراطي حيث لا شرعية تاريخية له ولا شرعية في المنشأ" وفق تعبير يتيم دائما. ويبدو أن فرضية التصويت العقابي ضد الحزب الحاكم تبنتها أحزاب المعارضة، وخصوصا حزب الاستقلال الذي اعتبر، على بوابته الإلكترونية، أن نتائج انتخابات الغرف المهنية "أظهرت الفشل الذريع الذي تكبده حزب بنكيران"، مشيرا أنه "بدأ يتحسس اقتراب سقوطه المدوي، حيث تشكل انتخابات الغرف المهنية محطة مهمة في تحديد الخريطة السياسية داخل مجلس المستشارين". ووصف "حزب الميزان" غريمه العدالة والتنمية ب"الحزب المتأسلم الذي حصل على نتائج هزيلة بعد تبجحه في السابق باستعداده القوي لربحها"، مضيفا أن "العكس هو الذي حصل في هذه الانتخابات التي تعتبر اختيارا لممثلي المهنيين، وهو الأمر الذي من خلاله أحس البيجيدي بخطر يتهدد مناصبه وكراسيه في انتخابات عامة جماعية وجهوية على الأبواب". عبد الصمد الإدريسي، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، رفض القول إن حزبه تعرض لتصويت عقابي، مؤكدا في تصريح لهسبريس أنه "إذا كان التقدم ب 115 في المائة، وذلك بانتقاله من 81 مقعدا إلى 196 مقعدا، في النتائج يعد عقابيا فإن أصحاب هذه القراءة يرون الأمور مقلوبة". وقال الإدريسي إن حزبه دخل إلى مواقع وغرف لم يكن ممثلا فيها في السابق، وزاد: "هذه انتخابات فئوية واشتغال حزبنا فيها ما زال حديثا"، مبرزا أن "الحصول على هذه النتائج عادي ولا علاقة له بالانتخابات الجماعية والجهوية المقبلة". ورغم أن عضو الأمانة العامة ل"حزب المصباح" رفض القول بأن هذه الانتخابات لا رهان لها كما ذهبت تحليلات البعض، فقد اعتبر أن لها انعكاسات على مستوى التمثيلية في مجلس المستشارين، معتبرا ما حصل عليه الحزب هو "نوع من الثقة المقدرة والتي أثر عليها غيابه في الغرف الفلاحية". وفي قراءته للنتائج يرى الدكتور عمر الشرقاوي، المتخصص في العلوم السياسية والفقه الدستوري، أن انتخابات الغرف المهنية تتنازعها أطروحتين غير مكتملتي الأركان النظرية، تعتبر النتائج المتواضعة التي حققها حزب العدالة والتنمية وتصدر المعارضة لقائمة الترتيب يمكن تأويله بمثابة تصويت عقابي، ضد قرارات الحكومة وشهادة عدم حسن السيرة والسلوك للأداء الحكومي، مضيفا أن الأطروحة تعتبر تلك الانتخابات تبقى بدون رهانات سياسية كبيرة بل لا تعدو أن تكون منازلات بين أصحاب المصالح والامتيازات بالتالي لا يمكن قياس المزاج الانتخابي في ظل نتائجها. وأوضح الشرقاوي وهو أستاذ زائر في عدد من الجامعات المغربية، أن الأطروحتين اختارتا الانحياز إلى منطق الحدية السياسية التي لا تدع مساحة كافية لإعمال مقترب النسبية في تحليل الظواهر والأرقام ذات المنحى السياسي، مبرزا أن الطرح القائل بالربط بين نتائج الغرف ومعاقبة الحكومة تنصلت من كل محاذير الصرامة المنهجية التي يفترضها التحليل السياسي وقدمت خلاصات متسرعة حيث غامرت بناء على مؤشر انتخابي واحد. وسجل الشرقاوي في تصريحات لهسبريس، أن المنطق السياسي يقول أن الحكومة التي حصلت على شرعيتها وفق انتخابات تشريعية لا يمكن ترتيب المسؤولية السياسية عبر انتخابات مهنية، مبرزا أن سوابق انتخابات الغرف خصوصا تلك التي جرت في 2009 لا تسعفنا في ربط العلاقة نتائجها وبين السخط والرضا عن الأداء الحكومي. في المقابل فإن الأطروحة التي تنفي وجود علاقة بين نتائج الاستحقاقات المهنية وتوجهات الناخبين خلال الانتخابات المهنية، تميل حسب الشرقاوي للاستخفاف بالحجم الدستوري والسياسي لهذا الصنف من الانتخابات الذي يمتلك قوة سياسية، مشيرا أن هذه الأطروحة لم تعط الاهتمام الكافي للهيئة الناخبة الوطنية للغرف المهنية التي تعادل نسبة 12 في المائة من الكتلة الناخبة. وخلص المحلل السياسي، أن الانتخابات المهنية وإن لم تكن محددا حاسما في قياس التوجهات الانتخابية المقبلة لكنها تبقى مؤشرا مقبولا من ناحية التحليل السياسي، مشددا على ضرورة تدعيمه بمؤشرات أخرى لاستخلاص قراءة استطلاعية لنتائج الانتخابات المقبلة دون أن يترتب عن تلك الخلاصات اعتقاد تام بوجود سخط أو رضا عن الحكومة المنتخبة تشريعيا.