كما الأشياء البالية كما الفائض عن الحاجة أو كحقيبة نسيها القطار بإحدى المحطات ككل الخسارات سماها المجتمع بوارا فكانت عانسا على حد تسميتهم أو بايرة، هذه التسميات قد تجعل من فتاة جاوزت سقف الثلاثين ولم تتزوج بعد كومة من الأحزان قد ينقلها من مركز الحياة إلى هامشها ومن استقرارها على ربيع أيامها إلى حر صيفها تحترق على مهل في انتظار الغيث الذي قد يغرقها قبل أن تسقى، تلك الكلمات التي تتلقفها الألسن وتلوكها بغير وعي بمضمونها قد تخرج الألم من الأمل كما يخرج الله الليل من النهار وقد تزرع حقولا من الشك في كينونة تلك الفتاة وقيمتها ومدى اعتدادها بنفسها، فيستحوذ اليأس على تلابيب قلبها المطواع ويرديها صريعة أوهام زرعوها داخلها بكلمة طائشة ووشوشات غير مشروعة ، كلماتهم تلك غيرت حتى فلسفة السنوات في إدراكها وزرعت بقلبها حقل ألغام يجعلها تستقبل ميلادها كما تستقبل الأنفاس الأخيرة عند الاحتضار وتتعاقب عليها السنوات كداء عضال عاجلها ولا دواء له،ترقبها كفرصة أخيرة على مهب الشباب وتعدها على كف عفريت وتتقلب وجعا على صفحات أيامها التي تحملها وهنا على وهن كإصر اجترحته أو جريمة لم تقترفها بعد، تتلكأ في الرد وتتحشرج الكلمات في حلقها كلما وجه لها سؤال عن عمرها اذ أنها صارت تخجل من سنواتها الإضافية التي هجمت عليها بعد انقضاء عهد العشرين وتسربت منها تسرب حبات رمل من ساعة رملية قديمة، فصارت تلك السنوات لعنة تلحقها كعاهة أو وحم قبيح على وجه حياتها تداريه. مصنع الأحزان هذا ومنابع الدموع في قلب كل فتاة سببها كلماتنا ونظراتنا وفكرنا المعاق ، الذي يحاكم الناس على خياراتهم المباحة وأقدارهم المسطرة غيبا، مجتمعنا الذي يختزل قيمة امرأة في حصولها على رجل !! مجتمع ينظر إلى المرأة بأنها عارية مالم يسترها لقب زوج، مجتمع لا يرى الفرح في عيون النساء إلا في خاتم وعرس، وإلى جانب ذلك نحن في مجتمع يتقن مراقبة الآخرين ومحاسبتهم والتغلغل في دوائر حياتهم، مجتمع يقتات أفراده على لحوم بعضهم ويمارس شفقة بئيسة وقبيحة قبح كلمة مسكينة التي تنطلق إلى المسامع مخلفة وطنا يبكي إلى الحد الذي يمكن أن يغير في مسار الحياة ويلوي دروبها إلى غير الوجهة المطلوبة سلفا، ويرفع رايات الاستسلام فرارا من سياط ألسنة طويلة لاتكف عن جلد الناس وأعراضهم ، والعبث بمتعلقاتهم الشخصية بين كلم وهمس ولمز. لكن بعيدا عن أمراض المجتمع المتفشية فينا إرثا مزعجا سنتخلص منه يوما، وبعيدا عن رمي اللائمة على كل هذه الأغلال يا عزيزتي الفتاة، والإتكاء على ضفاف كلماتهم تجففين ما تراكم من دمع على محجريك متخفية في الدياجير بين الوسائد، خائفة من أخبار زواج الصغيرات ومواسم الأعراس ومن أشباح تلك الأسئلة عن جديدك وفارسك الغائب وعن مستقبلك الضائع وعن الستر المنتظر وعن خطواتك المراقبة والمعدودة بعناية وغيرها مما كبلت به يداكِ الناعمتان أدعوكِ اليوم إلى الوقوف قليلا والنظر من زاوية أخرى ضعي على قلبكِ الضعيف مخالب تقيك شغب الكلمات واصنعي لكِ حجابا دون نظراتهم الصغيرة المشفقة، اقتلي القزم داخلك واصنعي ماردا آخر، اصنعيه بالحلم، اصنعيه بالبحث عن نفسكِ أنتِ أولا قبل البحث عن رجل أرادوه لكِ اسما يكمل نقصك المفضوح عندهم،قاوميهم بالمواجهة لا بالفراار، اصنعي قلاعك وكوني ملكة تتعلق الأعين على علو سمائك،صدقيني في غمار كل هذا البناء وهذا الحلم الجميل ستنسين القطة الجريحة التي خلفتها دمعا على وسادتك يوما، قفي من جديد وأخرجي نفسك من غشاوة أفكارهم إلى رحابة رؤياكِ انسجي عالم الفرح داخلكِ لوني أيامكِ بالفرح واستقبلي سنواتك كولادة جديدة احتفي بأيامكِ وأحبي نفسكِ حتى يبلغ الحب منتهاه انتصري لها واعتدي بها، هكذا فقط ستنطفئ عيونهم، وتخجل من نجاحاتكِ ألسنتهم فتخرص وتنكمش في جحرها ذليلة مستكينة ، سيكون حينها أمر الزواج فطرة تأتي مع الزمن و رزقا طيبا جميلا وهادئا، سيكون حادثا يقع يوما ما ذات ليلة حب أو لحظة صفاء تتخذين فيها قرارا تمكنت من دراسته دون أن تكوني بين سندان العمر الراحل ومطرقة المجتمع القاسي، سيأتيك أجمل ما يكون دون ان تتجشمي عناء البحث والعرض والطلب والانتظار ودون أن تدور عيناكِ هنا وهناك وجلة تترقب.. آخر ما يقال... كوني كأجمل إمرأة حفظت كبرياءها من الزوال وصنعت عالمها الجميل، كوني كأقوى امرأة صدت رياح مجتمع بأسره وكسرت قيوده المتصلبة على حياتها، كوني كغيمة لا تحتفظ بالأحزان بل تلفظها خيرا يسقي كل الناس فينبهرون بها ويعلقون أعينهم إليها نحو السماء ....كوني الأجمل دئما دونهم.. https://www.facebook.com/assia.chorfi [email protected]