مرة أخرى، تعلن وكالة الفضاء الأمريكية (نازا) أنها اكتشفت خارج مجموعتنا الشمسية، على بعد حوالي 400 سنة ضوئية، وتحديدا في كوكبة الدجاجة، كوكبا جديدا يشبه كوكبنا الأرضي، وفي سطحه حرارة مرتفعة، ويدور حول نجم يشبه شمسنا، وبالتالي قد يكون الكوكب الجديد محتضنا لنوع من الحياة، ربما على المستوي البكتريولوجي أو على أدق وأكبر.. وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها الإعلان من قبل مؤسسات فضائية عن اكتشاف كواكب تشبه كوكبنا الأزرق.. كواكب كثيرة تم اكتشافها من قبل، وقيل إنها تشبه كوكب الأرض.. وقيل في كل كوكب منها أيضا: هذا شقيق آخر للكوكب الأزرق.. وأصبح للأرض أشقاء كثيرون.. منهم من أصبحوا معروفين.. ومن يتوجب البحث عنهم.. وفي كل الأحوال، الكون شاسع، غني بالكواكب والنجوم، والفراغات التي ليست فراغات، بل ملأى بمدارات لا تنتهي.. ولا نتصور أن تكون الحياة يتيمة في ربوع الفضاءات الكونية اللامتناهية.. والسباق ما زال محموما بين وكالات الفضاء، والمراصد الدولية المختلفة، لإعداد خرائط كونية، وضبط المواقع التي قد تكون فيها حياة من نمط حياة كوكب الأرض.. وهذا السباق الذي يتخذ الحياة غطاءا لاستمرار الأبحاث الكونية، أصبح مكلفا أكثر من المعقول.. إنها ميزانيات ضخمة جدا يتم رصدها تحت غطاء البحث عن شقيق أو حتى بديل لكوكب الأرض للجوء إليه في حالة تعذر الحياة الأرضية.. وهنا بيت القصيد.. وتظهر تساؤلات مضادة من المفروض أن يتم البحث لها عن إجابات تتسم بالإقناع.. ومن هذه التساؤلات: ما هي أولويات الحياة على الأرض؟ هل هي البحث في الكواكب والنجوم؟ أم هي ضرورة البحث في ما يسعد الإنسان على كوكب الأرض؟ هل يتوجب أن نجعل وجودنا أكثر ملاءمة للحياة على الأرض؟ أم نبحث عن كواكب أخرى، حتى وهي أقرب إلى عالم الأحلام؟ أليس من العبث التفريط في حقوق كوكب الأرض، حتى وهي آنية، والجنوح إلى كواكب يستحيل الوصول إليها حتى في سنوات طويلة، نظرا لشساعة المسافات الكونية؟ خبراء كثيرون يقرعون الجرس.. ومن الخبراء الذين يطرحون هذه التساؤلات وغيرها، الفيزيائي الفلكي الكندي الفرنسي، هوبير ريفز، الذي يعتبر أن الإنسان لا يحسن حاليا استخدام عقله للحفاظ على حياة كوكب الأرض، رغم أن العقل هو أثمن ما يملك.. فالعقل قد أنقذ الإنسان خمس مرات سابقة من دمار شامل على كوكب الأرض، وها نحن على عتبة الدمار السادس.. فالإنسان لا يملك أنيابا للمقاومة، وما كان يملك أية وسيلة جسدية لمواجهة الحيوانات المفترسة، ولا مقاومة الزلازل، ولا البراكين، ولا الفيضانات ولا المذنبات، ولا غيرها من المخاطر الطبيعية والغير الطبيعية التي تعرضت لها كائنات كوكب الأرض.. خمس مرات انقرضت فيها كائنات ونبانات بشكل شبه كامل من الأرض، ومع ذلك استمر البشر.. استمرت حياة البشر بفضل العقل.. العقل كان سلاح الكائن البشري.. هكذا يقول الفيزيائي الفلكي، هوبير ريفز، الذي يستطرد أن نفس العقل قد يكون السبب الرئيس في تدمير حياة كوكب الأرض.. ثم يتساءل: لماذا لا نركز على حياة الأرض، بدل البحث عن كواكب بعيدة؟ تساؤلات لا توجد أجوبتها في المختبرات والمراصد، بل في مكاتب تدير دواليب السياسة العالمية، وتنوب عن البشر في تقرير مصير حياة البشر.. - إنها حقوق أكثر من 80 بالمائة من سكان كوكب الأرض يتم صرفها في أبحاث لا تفيد الحياة الأرضية الآنية، ونحن نواصل تخريب الطبيعة، واستنزاف مخزون كوكب الأرض من طاقات ومعادن وغيرها، وصرف ثروات ضخمة على أسلحة الدمار الشامل، والابتعاد أكثر فأكثر عن العناية بالإنسان والإنسانية، وعن الحياة الطبيعية.. علماء كثيرون يرددون هذا.. إن العالم جاثم على بركان.. وبدل التركيز على حلول لكوكب الأرض، يتم ربط أحلام البشر بعوالم بعيدة.. أحلام بعيدة، بل مستحيلة التنفيذ حتى في آلاف السنين، تتحكم في حياتنا اليومية التي تتطلب معالجات استعجالية، منها التنوع البيولوجي، والفكري، وحقوق الطبيعة، وكل واجبات الحياة.. ألم يحن الوقت لإيلاء حياة الأرض ما تستحق من توازنات؟ ألا تستحق حياتنا المشتركة العمل سوية لإنقاذها من سكتة قلبية مؤكدة؟ نحن في عصر يستقطب العلوم، ومنها علوم الفضاء، لجعلها أداة رئيسية في الاستيلاء على ما تبقى من خيرات كوكب الأرض، علما بأن الأرض قد أصبحت تضعف وتهزل أكثر فأكثر، لدرجة ألا أحد يعرف إن كانت حياتنا ستستمر بعد قرن من الآن.. وعلى المجتمع المدني أن يتدخل، للمساهمة في نشر التوعية بوجود مخاطر تتهدد كوكب الأرض، بسبب حماقات استحواذية لثلة من ذوي اللاعقل واللاضمير.. فيجب إعادة التركيز على متطلبات كوكب الأرض، وجعل الطبيعة وحقوق الإنسان والإنسانية محورا للعلاقات الدولية.. - كفى من العبث بأنظار الأمم.. يجب استعادة العلوم، ومنها علوم الفضاء، لتكون في خدمة الإنسان، لا مجرد صانعة لأحلام لا علاقة لها بالواقع.. ويجب أن تنعكس هذه العلوم على حياتنا اليومية المشتركة، لكي يعم بها الرخاء والازدهار والتعايش والاطمئنان على مستقبلنا المشترك.. ودور العلوم، ومنها علوم الفضاء، هو بالدرجة الأولى نشر الطمأنينة العلمية، والمعرفة العلمية الواقعية الإيجابية.. ومن واجبنا نحن المجتمع المدني العالمي، ونحن جزء من العالم، أن نساهم جميعا في توجيه العلوم، ومنها علوم الفضاء، إلى خدمة فعلية للحياة، حتى لا تبقى العلوم في قبضة فئة لا تفكر إلا بعقلية استحواذية استعلائية.. من واجبنا أن نعمل لكي لا تكون العلوم أداة للتخويف والترهيب.. وعلى المختصين في مختلف العلوم، ومنها علوم الفضاء، أن يبسطوا المعرفة، فيجعلوها عن طريق الكتابات والمحاضرات والمنتديات تطل من المختبرات والمراصد، لتكون في متناول الجميع، لأنه من حقنا جميعا، نحن البشر، أن نعرف ما تفعله ثلة أنانية في الأبحاث العلمية العالمية.. هل الأبحاث العلمية تخدم كمشة تتحكم في السياسة الدولية؟ أم هي تخدم الإنسان والإنسانية؟ من حقنا جميعا أن نعرف.. وأن نتأكد.. ومن واجبنا جميعا أن نربي أطفالنا وأحفادنا على حماية كوكب الأرض.. أمنا الأرض.. لكي تبقى الأرض مؤهلة لسباحة الحياة في مدارالشمس.. وهذه هي مهمة كل العلوم.. فمتى تعود العلوم إلى الطبيعة والإنسان والحياة؟ [email protected]