في أقل من أربع ساعات غيرت القناة التلفزيونية الرسمية التونسية اسمها وشكلها، وتخلصت من رقم «7» الذي كان يرمز إلى تاريخ 7 نونبر، يوم قاد بنعلي انقلابا طبيا ضد الحبيب بورقيبة، تحولت إلى قناة تدافع عن الثوار وتندد بعصابات الحزب الحاكم.. يا سبحان الله. وفي ظرف أيام على هروب الدكتاتور إلى السعودية، اجتمع «الرفاق» في الحزب الحاكم «التجمع الدستوري الديمقراطي» وقرروا طرد بنعلي من رئاسة الحزب، وفصلوا كل القيادات التي كانت أدواته لحكم تونس. وقبل أن ينتهي الأسبوع الأول في تونس بدون بنعلي، جرت مياه كثيرة تحت جسر قرطاج. لكن اللافت هو"لعبة تغيير الولاءات"، وكيف تحركت بسرعة وفعالية وبشكل مثير للسخرية أحيانا، والألم أحيانا أخرى... النظام الذي كان مئات الآلاف ينتفعون من ورائه، في الأمن والإدارة والاقتصاد والمخابرات والإعلام والمال والأعمال... في لحظة وجد نفسه عاريا من كل دعم، ولا أحد امتلك الشجاعة وخرج يدافع عن الرئيس. الحزب الذي كانت "آلته" الدعائية تقول إنه يتوفر على مليون عضو، غرس رأسه في الرمل، وجلس وزراؤه في حكومة تحاول أن تنقذ ما يمكن إنقاذه. أمس، صادروا ممتلكات «الزعيم» وفتحوا تحقيقا في سيرته المالية والحقوقية واعتقلوا زبانيته، هذا فيما استحيى محمد الغنوشي من إقفال خط الهاتف في وجهه عندما كلمه بنعلي من منفاه معاتبا ومتحسرا على كرسي حكمه، لكن ولا واحد من الذين كانوا يهتفون ويصفقون للزعيم ويعبدون شخصه امتلك الشجاعة للخروج أمام ثورة الياسمين والدفاع عن الدكتاتور، إن لم يكن عن قناعة، فعلى الأقل عرفانا بالجميل الذي أنعم به الرئيس وزوجته وعائلته على المتملقين والآكلين من كل صحن... لم تصمد عشرات الإذاعات والتلفزيونات والصحف والملصقات، التي كانت تسوق صورة بنعلي، أمام ثورة الأنترنت وتعليقات الشباب على الفايس بوك وتويتر ويوتوب. وطبعا لم تصمد قلاع بنعلي الإعلامية أمام قصف قناة الجزيرة القطرية، التي اختارها الوزير الأول ليوجه من خلالها أول خطاب له إبان 12 ساعة التي حكم فيها تونس بعد فرار الطاغية. اختار الغنوشي الجزيرة التي كانت ممقوتة من نظام بنعلي، والتي كان صحافيوها يتعرضون للجلد كل يوم في الصحف المتملقة، ليوجه أول خطاب له إلى الأمة. هل هناك عبرة أكثر من هذه؟ وهل هناك درس أكبر من هذا لكل الأنظمة العربية التي مازالت مترددة في إغلاق قنوات الدعاية، وتحويل تلفزيوناتها إلى متاحف، وفتح الباب مشرعا أمام قنوات حديثة وعصرية وذكية وقريبة من قلب وعقل الناس. لعبة تغيير الولاءات الجارية الآن في تونس تعطي فكرة عن «حاشية الحاكم العربي»، التي لا تؤمن بعقيدة ولا بمبدأ، ولا تتمتع ب«الرجولة» حتى، ودينها الوحيد هو «الله ينصر من أصبح».. فبمجرد سقوط التمثال، هرع المحيطون بالرئيس المخلوع إلى تغيير ولاءاتهم أسرع مما يفعلون عندما يغيرون معاطفهم. * صحفي مدير نشر أخبار اليوم المغربية