وكأنَّ الأقدارَ تأبَى إلّا أنْ يستمرَّ الموتُ في خطْفِ أشهرِ الفنّانين الأمازيغ خلالَ السنوات الأخيرة، واحداً تلْوَ آخر، تاركين خلْفهم فراغا يصعُبُ مَلْؤه، وفي كلّ دورةٍ من الدّورات الثلاث الأخيرة لمهرجان تيميتار.. علامات وثقافة"، الذي يُنظّمُ بمدينة أكادير، يتمّ تكريمُ هؤلاء الفنانين الراحلين، عرفاناً لهُمْ بما أسْدوْه للفنّ الأمازيغي، في مختلف مجالاته، ولمَا قدّموه من خدماتٍ جليلة للثقافة الأمازيغية بشكْلٍ عامّ. فبعْدَ أنْ تمّ تكريمُ العضو السابق في مجموعة "إزنزارن إكوتْ عبد الهادي"، الحسن بوفرتال، والذي خطفه المنون سنة 2011، خلال الدّورة التاسعة لمهرجان "تيميتار"، وتكريم العضو السابق في مجموعة "أرشاش" عزيز الشامخ، الذي التحقَ بالرفيق الأعلى خلالَ السنة الماضية، افتُتحتْ دورة هذه السنة نت المهرجان الذي انطلقتْ فعّاليّاته مساء الأربعاء بتكريم الفنان الراحل عموري مبارك. واستقطبَ حفْل تكريم أحد أبرز أعلام الموسيقى الأمازيغية المعاصرة، والذي وافتْه المنيّة أواسط شهر فبراير الماضي، جمْهورا واسعا من عُشّاق عاشق آلة القيثارة التي طالمَا أتْحفَ بألحانها النابعة منْ عُمق معاناة الإنسان وأفراحه وأتراحه، حجّوا إلى المعهد الفرنسيّ بمدينة أكادير، حيثُ نُظّم حفْل التكريم. واضطرَّ عددٌ من الجمهور الذي حضرَ حفْل التكريم إلى متابعة أطوار الحفل واقفينَ، بسبب امتلاء فضاء المسرح الصغير الذي أقيمَ فيه الحفْل، وهوَ ما دفعَ عددا من الحاضرين إلى التساؤل عنْ سبب تنظيم الحفل في المعهد الفرنسي، رغمَ المساحة الضيّقة لمسْرحه، بدَلَ تنظيمه في مسرح الهواء الطلق، كما هو الحالُ بالنسبة لحفْل تكريم مجموعة "إزنزارن"، خاّصة وأنّ للراحل عموري مبارك جمهورا واسعا، لمْ يُسمح لعدد منه بالدخول إلى المعهد الفرنسي لعدم توفرهم على دعوات. وعرَفَ حفْل تكريم عموري مبارك، الذي ماتَ في صمْتٍ إثرَ صراعٍ مع المرض، عرْض مسرحيّة "تازْويتْ نْرَا نيكْديمْ أنمونْ"، وتعني بالعربية "أريدُ مرافقتَكِ يَا نحلة"، وهُوَ عنوانٌ لقصيدةٍ كتبها الشاعر الأمازيغي محمد المستاوي وأدّاها الفنان الراحل عموري مبارك. المسرحيّة التي أخرجها المخرج المسرحي عبد الرزاق بليزيد، وشارك فيها ممثلون مغاربة وفرنسيّون، قدّمتْ جُزءً من حياة الراحل في طفولته، واللحظة التي قرّرَ فيها معانقة الفنّ، كمَا قدّمتْ أغانيه تمثيلا، ولمْ يتمالك الممثل الذي أدّى دورَ عموري مبارك في طفولته نفسه حينَ انتهى العرْض فبكى تأتّرا. عميدُ المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية أحمد بوكوس، الذي حضر حفْل التكريم قالَ في تصريح لهسبريس: "ما أعطاه المرحوم عموري مبارك للثقافة الأمازيغية والأغنية المغربية شيء عظيم جدا"، وأضاف: "لقدْ أحدث الراحل ثورة في مجال الأغنية الأمازيغية، لا من حيث المضامين ولا من حيث الإيقاعات". ويرَى بوكوس أنَّ عموري مبارك وإنْ كانَ قد غادرَ الحياة إلّا أنّ رحيله لا يعني أنّه مات، ما دامَ أنَّه تركَ رصيدا فنّيا زاخراَ، يُعتبر ذاكرةً ستظلّ حاضرة بقوّة على الساحة الفنّية الأمازيغية. واختُتمَ حفْل تكريم الفنان الراحل بأداءِ أغانٍ كانَ قدْ أدّاها إبّانَ حياته، من طرفِ الفنان أماسين، والفنانة زهرة تيتريت، وهي زوجة الراحل، الذي حرِص مسؤولو جمعية تيميتار المنظمة للحفل، على أنْ تكونَ القيثارة التي رافقته في مشواره الفنّي إلى أنّ فرّق بينهما الموت حاضرة على المنصّة، وقالَ بوكوس تعليقا على الأغاني التي أدّاها الفنان أماسين وزوجة الراحل: "رحل عموري مبارك، لكنّه ترك الخلَف، وهذا هو الأساس، فقدْ خلّف بذورا ستساهمُ في تطوّر الأغنية الأمازيغية".