2/3 قبل أن أدمن التوجه إلى المسجد لإقامة الصلوات الأربع (عدا الفجر، اللهم لماما كما هو أغلب المصلين في هذا الوطن)، كنت أقرأ الكثير من الكتب الدينية.. كانت "فاطمة م"، أستاذتي الفاضلة في السنة الأولى إعدادي، (النظام القديم، أي السادس ابتدائي حاليا) قد انتبهت إلى حبي الكبير للمطالعة فزودتني بأول كتابين "دينيين" في حياتي.. الاول كان عنوانه "الخلفاء الراشدون" وهو من تأليف محمود شاكر والثاني هو "رجال حول الرسول" لمؤلفه خالد محمد خالد..أنهيتهما في فترة وجيزة لأني أعجبت بهما وانغمست في قراءتهما بكامل جوارحي.. كنت أعشق كل لحظة من لحظات التاريخ الإسلامي المجيد وكنت أشعر أني لدي كل الأسباب للإحساس بالفخر لأمة ملائكية بكل المقاييس.. كان كل شيء جميلا.. الخلفاء الراشدون الخمسة (إذا ما أضفنا إليهم عمر بن عبد العزيز) وأولئك الستين رجلا حول الرسول الذين أجاد خالد محمد خالد تجميل صورهم في ذهني إلى حد التقديس والتبجيل.. رجال لا يأتيهم الباطل أبدا.. رجال ملائكيون وفترة ذهبية ملائكية... كنت كلما توجهت إلى المسجد وكلما فعلت فعلا أتعبد الله من خلاله أشعر بالقرب من أولئك الشخوص.. أشعر أني باقترابي من سلوكياتهم الملائكية أقترب أكثر واكثر من الجنة.. كان هناك عالم من المثل الجميلة قد تشكل داخل رأسي بفضل قراءتي لتاريخ مثالي لا شائبة تشوبه وسير رجال تعلمت أن أردف نعت "العظام" كلما أوردت ذكرهم.. إنها التقديس التام.. الاستسلام التام لنموذج جاهز من المعاني الجميلة والقيم الأخلاقية العالية.. كنت كلما عبدت الله أكثر كلما حاولت أن أكون نسخة عن هؤلاء، وقد تحول هذا إلى هم كبير في مرحلة ما من مراحل حياتي.. المشكلة أني بقدر ما أقرأ من الكتب الدينية وسير العظماء في تاريخنا الإسلامي بقدر ما كانت ترعبني فكرة عدم القدرة على الامتثال التام للأوامر الإلهية والنواهي.. كنت أبخس من قدر نفسي كلما ارتكبت معصية أندم عليها لأني أقارنني كل مرة بواحدة من تلك الشخوص العظيمة... كنت أشعر أني بعيد عن المدينة الفاضلة المرسومة في ذهني...ولم أكن أشعر يوما أنها هي البعيدة عني وعن طبعي كما خلقني ربي... لتحقيق المدينة الفاضلة التي أحلم بها تعلمت أن أحترم (وأبجل) كل من دعا إليها وكل من أراد لها التحقق في المغرب، ولهذه الأسباب تعلمت أن أحترم كثيرا أيقونات التيار الديني.. الجماعات الدينية، والفرق الدينية والأحزاب الدينية وكل من قال أو ادعى أن مرجعيته هي الإسلام، والشريعة الإسلامية.. كانت تلك المدينة الفاضلة التي أحلم بها يقدمها لي أولئك على طابق أحلام من ذهب.. إنهم "الغيورون على الدين الذين سيحققون الحلم"...لهذا تعلمت أن كل تلك التيارات الدينية وأيقوناتها وزعماءها كيفما كانوا هم الأقرب إلى الله والأقرب إلى الرسول والأقرب إلى الصواب حتما بحكم ذلك..كنت أغضب كلما تطاول أحدهم على رجال الدين أو بخس من قيمتهم.. كنت أصم أذناي ولا أكترث لما يقولونه..بل إني لا أسمع منهم أساسا ولا أقرأ لهم.. لهذا لم أستطع أبدا أن أواصل قراءة فرج فوذة آنذاك.. كنت أتذكر كل ما قاله لي الشيوخ عنه من كونه عدو الدين الذي يرفض عودة شرائع الله وعودة الإسلام إلى مكانته الأولى.. كنت أتذكر كل النعوت القدحية التي يطلقها مشايخي الأجلاء على الرجل فأرمي بكتابه جانبا وأقول لنفسي.. مادام الشيوخ قد قالوها فهم يعرفون أكثر مني... لا بد أن كلامهم على حق.. كل العلمانيين كفرة وعملاء للغرب ودعاة للفسق والفجور.. وانتهى الكلام.. من أجل هذا انتميت إلى العدل والإحسان لفترة قصيرة سنة 1997، ومن اجل هذا كنت أتعاطف مع التيار الديني عموما وأسانده بكل طرق البوليميك في الحلقيات التي تجمعهم بالرفاق الشيوعيين..ومن أجل هذا رغبت في الانتماء ذات سنة إلى حزب العدالة والتنمية، ومن أجل هذا كنت أستمع للقرضاوي وأقرأ لأيقونات الفكر الديني وهو يواجه الفكر العلماني الكافر رغم أني لم أقرأ يوما عن العلمانية ولا عرفت عنها أكثر من كونها دعوة فاسقة إلى المجون ودعوة كافرة إلى الفصل بين الدين والدولة.. كنت ألخص العلمانية في الانحلال الأخلاقي والبعد عن الدين ولم أسمح لنفسي يوما بقراءة الطرف الآخر... المهم أني أصبحت ألوك عبارات لا أستطيع تبريرها أو الخوض فيها أو التدليل عليها وتقديم الحجة والبرهان.. "الإسلام هو الحل".. "كنا متقدمين وسادة العالم عندما كنا ملتزمين بشرع الله"..."نحن خير أمة أخرجت للناس" و"نحن الوحيدون الذين سندخل الجنة والباقي إلى جهنم".. "الله خلق الجميع، ولكنه أحبنا نحن فقط"..."الشريعة الإسلامية شريعة إلهية".. "الإسلام دين ودولة"..."الإسلام صالح لكل مكان وزمان"... كلام كثير وعبارات كالببغاء كنت أرددها ولا أفقه في كنهها أو تفصيلها شيئا.. قالها لي المشايخ أو سمعتها في هذا المكان أو ذاك، وترددت في مجالس كثيرة مع الأصدقاء بصفتها مسلمات قطعية تقال على عجالة قبل أن نمر إلى مواضيع أخرى عن فدوى ونجاة ونهيلة ورونالدو (البرازيلي) ومنتخب 86 وابن الحومة الذي هاجر إلى فرنسا والجريمة التي وقعت في "درب الفقراء"... كانت وسائل الاتصال شبه منعدمة.. فلا هاتف محمول ولا أنترنت ولا قنوات متعددة وفيرة.. كان أمامي الكتاب فقط.. وفي يوم من الأيام قرأت محمد عابد الجابري... قرأت رباعية نقد العقل العربي...توقفت كثيرا عند الجزء الأول.. ثم توقفت أكثر عند الجزء الثالث...قرأت تاريخا آخرا.. تاريخا ليس ملائكيا بالمرة.. قلت لنفسي مهلا، إنها دسائس المستشرقين الذين طالما سمعت عن افتراءاتهم ضد هذا الدين الحنيف... ثم أعدت الوقفة التي كانت أكثر تمهلا.. فلأعد إلى المراجع.. يا إلهي.. إن هذه الروايات كلها واردة في أمهات كتب السيرة والحديث...في البخاري، ومسلم، وسنن أحمد، وموطأ مالك، وسيرة بن هشام، والطبري، وابن إسحاق..هذه هوامش واردة بالصفحات والمراجع... ما هذا التاريخ الجديد؟ أين هي المدينة الفاضلة التي كلمني عنها المشايخ والتي قرأت جزء منها في مادة التربية الإسلامية طوال سنوات الدراسة؟.. أين عثمان بن عفان المبشر بالجنة؟ أين عمرو بن العاص الذي قرأت عنه في "رجال حول الرسول"؟ أين "معاوية بن أبي سفيان؟" الذي روى فيه النبي (ص) أحاديثا تمجد فيه؟.. أين هي عائشة أم المؤمنين التي قرأت عنها في "عبقرية عائشة" لعباس محمود العقاد؟ أين هو خالد بن الوليد، سيف الله المسلول؟ أين تلك الأيقونات التي كنت أعتقدها ملائكة طاهرين؟ أين هي المدينة الفاضلة؟...تركت الجابري جانبا وتناولت "نقد نقد العقل العربي" لكاتبه جورج طرابيشي لعلي أكفر بما جاء عن سير الأولين في رباعية الجابري وأستعيد أملي في وجود المدينة الأخلاقية الفاضلة ولكن الخلاصات تكرست.. قرأت كتبا أخرى وازداد اليقين بانعدام المدينة الفاضلة ولما تعبت من الشك عدت إلى أمهات كتب السيرة والحديث وقرأت بأم عيني صحة كل ما قرأته في تلك الكتب الأولى.. نعم لا وجود للمدينة الفاضلة.. هناك السياسة والمصلحة فقط حتى في تلك الأزمنة التي كنت أعتقد أنها ملائكية وشخوصها ملائكيون.. دماء وأشلاء في كل مكان، وفرق تتناحر.. عائشة والزبير وطلحة يقاتلون عليا بن أبي طالب، ومعاوية يقاتل عليا بعد هزيمة عائشة، والمسلمون يموتون على الطرفين فمن منهم إلى الجنة ومن إلى النار؟.. وهل صحيح أن رفاق عائشة ومعاوية إلى النار لأن صحيح البخاري يورد حديثا عن عمار بن ياسر يقول فيه أن من يقاتل ضد عمار فهو من أهل النار...؟...عثمان بن عفان يجزل العطايا لأهله ولا يولي غيرهم على الأمصار ولا يرد عن أهل الأمصار ظلمهم حتى ثاروا عليه وهاجوا وقتلوه وهو يقرأ القرآن وكان أول من أوغل فيه السيف هو "محمد بن أبي بكر" بن رفيقه وزميله وحبيبه وأقرب صحابة رسول الله إليه؟... عمرو بن العاص، ذلك الرجل العظيم في "رجال حول الرسول" يقتل قاتل عثمان بن عفان بطريقة بشعة.. يدفنه في جثة حمار نافق ويضرم فيه النار بعد عودة الأمر إلى الأمويين واغتيال علي بن أبي طالب وعودة مصر إلى أحضان عمرو بن العاص..رجال خالد بن الوليد يعيثون فسادا ونهبا وسبيا واغتصابا في القبائل المحررة في حروب الردة التي تلت وفاة الرسول (ص)...اليزيد بن معاوية يلعب بقضيب حديدي في رأس الحسين بن علي بن أبي طالب بعد أن جاءوه به إثر فاجعة كربلاء.. الأنصار والمهاجرون يختلفون حد الافتتان حول من يخلف الرسول ولولا لطف الله والاتفاق حول "أبي بكر الصديق" لوقعت الفتنة الكبرى قبل موعدها ب 24 سنة..أين هي المدينة الفاضلة إذا؟.. أين هي...لقد كانت وهما وسرابا...لا وجود للمدينة الإسلامية الفاضلة، ولا وجود للأخلاق الإسلامية الملائكية لأن من اعتقدت أنهم كانوا حاملين لتلك الحمولة كلها ثبت لي أنهم أبعد منها بعد الشمس عن القمر... المدينة الفاضلة وهم كبير...فمن المسؤول عن ترسيخ هذا الوهم في ذهني وكيف يصر أصحاب وقادة التيار الديني على رسم هذا الحلم في ذهني... لماذا كانوا يبشروني بالمدينة الفاضلة التي لا وجود لها أساسا... مدينة المثل والقيم الخالصة.. لماذا يفعلون ذلك؟... لماذا كذب علينا التيار الديني...؟ هذا ما زال مستمرا إلى الآن.. مازال مسلسل التجهيل مستمرا إلى الآن.. مازال التيار الديني يستغل الوهم والجهل والأمية لكي يواصل خداعه للناس بتحقيق المدينة الفاضلة والنضال من أجلها.. مدينة الأخلاق الحسنة والسير الفضلى...مازالوا يمارسون نفس الخديعة ويكذبون على الناس ويقولون لهم "نحن الدين والدين نحن"...الناس لا زالوا يحلمون بالمدينة الفاضلة.. عامة الناس.. المواطنون البسطاء..حاملو الشهادات العليا، الدكاترة المعطلون، هيفاء وهبي، زوج خالتي، صاحبة صالون الحلاقة، أساتذتنا في الجامعة، قضاتنا في المحاكم، سياسيونا من فوف كراسيهم النائمة، موتانا في القبور.. الجميع لا زال يحلم بالمدينة الفاضلة ويعتقد بوجودها ويساند من يعده بها...كم نحن مثيرون للشفقة حقا... اليوم فهمت أن التيار الديني نوعان.. أو بالأحرى، قسمان...قسم دهاقنة الإسلام السياسي ومنظروه..وقسم "ببغاوات الشعبوية"..هؤلاء يعملان بتناغم تام (ولا أقول تنسيق لأني لا أومن بنظرية المؤامرة)..هؤلاء يساهمان في تكريس الجهل المركب وفي الإبقاء على نفس المسلمات الجاهزة لدى العامة وفي الدفع بهم إلى ترديد نفس المقولات ونفس الشعارات ونفس الكلام المكرور كذاك الذي كنت أكرره بدوري ذات زمن... القسم الأول يمثله كبار الكتاب ومشاهير الفقه في العالم الإسلامي.. أتكلم عن أولئك الذين يملكون رصيدا معرفيا جيدا في مختلف المجالات رغم تخصصهم في مجالات "الفكر والفقه الدينيين" على وجه الخصوص.. نتكلم مثلا عن شخصية كالسيد أحمد الريسوني الذي لدي اليقين التام من كونه قرأ في التاريخ الإسلامي ما يكفي وعرف منه ما بلغ معظم العلمانيين ولكنه يصر على الإبقاء على دائرة الوهم فارغة في أدهان الناس لأسباب ودوافع سياسية محضة... نفس الشيء حدث مع منظري التيار الإخواني الكبار وفي مقدمتهم "حسن البنا" مؤسس جماعة الإخوان المسلمين سنة 1928... وصاحب المقولة الشهيرة التي يعتقد الكثيرون أنها خلقت مع زمن النبوة "الإسلام صالح لكل مكان وزمان"...هناك القرضاوي وما أدراك ما القرضاوي الذي تعرفون كل شيء عن علاقته بالبترودولار القطري بلا شك...هؤلاء يعلمون كل شيء ولكن السياسة التي هي التعبير الأكثر تجليا ل"المصلحة" هي التي تدفعهم إلى مواصلة المسرحية ومواصلة بث الأمل بوجود المدينة الفاضلة التي لم توجد أبدا إلا في أذهان مخترعيها... هؤلاء يعلمون أنه لا وجود لشيء في الإسلام اسمه "الدولة الإسلامية" ولا "الجماعة الإسلامية" فالرسول لم يكن لا شيعيا ولا سنيا، ولم يكن من "الدعوة والتبيليغ" ولا من العدل والإحسان، ولا هو بالأحمدي، ولا بالبهائي ولا بالدرزي ولم يسبق له أن كان من أهل الحديث، ولا من الخوارج، ولم تكن له أبدا بطاقة عضوية في حزب العدالة والتنمية.. فأي واحد من هؤلاء إذا يمثل الإسلام الصحيح كما كان على عهد الرسول (ص) ومن منهم الأجدر بالاتباع؟ ... أي فرقة من هؤلاء هي الفرقة الناجية؟ وهل بلغ عددها 73 فرقة كما قال الرسول (ص) في حديث شهير أم أن نصاب الفُرْقَةِ لم يكتمل بعد؟... دهاقنة التيار الديني يعلمون أن الإسلام لم يترك نظاما للحكم ولا لإدارة الدولة...هم يعلمون أن كل خليفة من الخلفاء الراشدين انتخب بطريقة مختلفة، وفوق هذا وذاك يعلمون أنه لا وجود لشيء اسمه الديمقراطية في الإسلام.. هم يعلمون كما يعلم الجميع أن الديمقراطية آلية غربية كافرة لا تمت للشريعة أو الفقه بصلة.. هم يعلمون أن الديمقراطية كافرة ولكنها جيدة مادامت قد توصلهم إلى الحكم خصوصا إن هم واصلوا خداع الناس بحديثهم المتواصل عن الحلم.. الحلم بالمدينة الفاضلة... لا بد أن يواصلوا خداع الناس وإيهامهم بأنهم وكلاء الله في الأرض حتى إذا ما اقتنع الناس بذلك (وهم مقتنعون) صوتوا عليهم في الانتخابات وأوصلوهم إلى سدة الحكم.. (وهذا ما حدث تماما بعد ما يسمى بالربيع الديمقراطي)..حين يصلون إلى الحكم ينقلبون على كل عنترياتهم إبان الحملة الانتخابية وتختفي الوعود بتطبيق الشريعة ومعاداة إسرائيل وتحرير القدس وغيرها من "الآمال الكاذبة"...هم أساسا لا يريدون من الديمقراطية غير آلية الانتخاب التي توصلهم إلى الحكم وحين تقول لهم أن هتلر أيضا وصل إلى الحكم بطريقة ديمقراطية جدا يقولون لك...نحن أكثر ديمقراطية من هتلر لأننا حملة الحلم...ثم يواصلون كذبهم بعد الوصول إلى سدة الحكم ويكفي أمام عامة الناس المساكين الحالمين بالجنة في الآخرة أن يبكي رئيس الحكومة الملتحي من أجلهم (عوض أن يجد لهم حلولا) لكي يغفروا له كل الخطايا السياسية المعيشية مادامت لحيته رمزا للقرب من الله... (أتذكرون فرحة أنصار الإخوان المسلمين بمرسي لأنه يصلي ويؤم المؤمنين وكأن صلاته هي التي ستحل المشاكل الاقتصادية لمصر؟)... إن الحلم بالمدينة الفاضلة نكبر معه منذ سنوات الطفولة..نتعايش معه سنوات طويلة جدا ولهذا يصعب علينا الكفر به في بضع سنوات من المسؤولية الحكومية..يكفي أنهم حملة ل"المشروع الإسلامي".. رغم أنه لا أحد إلى حد الآن يعرف معالم المشروع الإسلامي في الاقتصاد والسياسة الخارجية والحرب والسلم والاجتماع وغيرها.. هو مشروع بالعودة إلى المدينة الفاضلة وانتهت الحكاية بتصفيق الحشود لأن الحلم مازال قائما لطالما بقيت حقيقة تلك المدينة الفاضلة مخفية عن الجميع... القسم الثاني من "صانعي الحلم"، أي "ببغاوات الشعبوية هم الأخطر من وجهة نظري لأنهم على تواصل مباشر مع العامة ماداموا ينتمون مباشرة إلى العامة.. كل ما يميزهم هو ذكاء، أو بالأحرى دهاء، من نوع خاص جعلهم يجيدون استغلال أفكارهم الشعبوية لكسب مصالح دنيوية قائمة أهمها الشهرة (وشيء من المال لا يضر)..هؤلاء وعلى عكس القسم الأول يؤمنون بوجود المدينة الفاضلة لأنهم لم يطلعوا على حقيقة وجودها أبدا...هم يكررون المسلمات ذاتها التي يكررها العامة من الناس من أصحاب المستويات المعرفية المتواضعة (أقول المعرفية وليس الأكاديمية لأن المستوى الاكاديمي لفلان أو علان في بلداننا الإسلامية لا يعكس بالضرورة المستوى الثقافي لصاحبه)...هم يكررون نفس الحلم بالمدينة الفاضلة ولكن الفرق بينهم وبين العامة أنهم عرفوا كيف ينتقلون بتلك المسلمات من مرحلة التسليم الذاتي إلى مرحلة تكرارها أمام جمهور العامة للحصول على مآرب دنيوية خالصة.. بالحديث عن هذا القسم نبدأ الجزء الثالث من مقالنا هذا...