لن أتحدث الآن عن فشل مشاريع الإصلاح التي عرفتها المنظومة التعليمية في الوصول إلى ما ينبغي أن يصل إليه المغرب في مسيرته التنموية العامة عن طريق الدعامة الاساسية في هذه المسيرة و هي النظام التعليمي. و قد تحدثت في مقالات سابقة عن إخفاق إصلاح 1965 / و 1980 و 1985 / و الميثاق الوطني 1999 - 2009 و المخطط الاستعجالي 2009-2012 و بعثت بجملة منها الى المجلس الأعلى للتربية والتكوين إبان مناقشة الموضوعات التربوية و القضايا البييداغوجية. و بالمقابل لا يمكن أن ننكر الجهود التي تبذلها الدولة المغربية في ميدان إنشاء المدارس و المعاهد و الجامعات و تخرج أفواج الطلاب من المهندسين و الأطباء و المحامين و القضاة و الأساتذة الجامعيين و أقطاب السياسة و الاقتصاد و رجال الدولة. و نحن نطمح دائما إلى أن تؤدي هذه المنظومة التعليمية الغرض الأسمى من الرقي و التطور الذي تتطلع كل الدول إلى الوصول إليه ، لذلك يحز في نفوسنا هذه الشكوى المزمنة التي تطارد المغاربة: تلاميذ و طلاب و آباء، مسؤولين و غير مسؤولين، و الإحساس بالإخفاق الذي يلاحقهم عقب انتهاء كل إصلاح أو ميثاق وطني و في انتظار نشر التقرير التربوي الذي انجزه المجلس الأعلى للتربية والتكوين و ما سيسفر عنه البرنامج الاصلاحي لوزارة التربية والتكوين 2013-2016. لا بد من الإشارة إلى ملاحظتين اوليتين. تتعلق الأولى بالاخذ بتجربة المجلس الأوروبي في مجال تعليم اللغات حسب ما ورد في فقرة من العرض الذي قدمه رئيس المجلس أمام الملك محمد السادس. و تتعلق الملاحظة الثانية بتجربة ميكروسوفت التي تنوي وزارة التربية والتكوين تطبيقها في المدرسة المغربية. بالنسبة للفكرة الأولى فإنه ينبغي الأخذ بها بالطريقة التي يتعامل بها الأوروبيون و من شروطها : 1- أن لا تتنازع فيها اللغات المقترحة مع اللغة الأم سواء من حيث الكم أو الكيف. 2- أن لا تتناصف فيها عدد الساعات أو تتجاوز حصص اللغة الوطنية. 3- أن تكون اللغة الثانية إجبارية و اللغة الثالثة اختيارية 4- أن يكون اختيار اللغة الثالثة حسب المناطق و النقط الحدودية المتقاربة. 5- أن تكون للمدارس و المعاهد حرية التصرف في المقاطعات و حكومات و مجالس الجهات بحسب الظروف المواتية للوضعيات المختلفة. 6- إن عدد الساعات الأجنبية المقترحة داخل الغلاف الزمني لأي دولة من دول الاتحاد الأوروبي يتراوح بين ساعتين و ثلاث ساعات. 7- في بعض المدارس الإبتدائية الفرنسية أو الاسبانية مثلا لا يتجاوز عدد ساعات اللغة العربية ساعة ونصف إلى ساعتين في الأسبوع تعطى بعد الحصص الرسمية للأطفال المنحدرين من الهجرة و قد ألغيت نهائيا في هولندا. أما إذا كان التقرير يرمي مرة أخرى إلى اثقال كاهل التلميذ و تدريس اللغة الفرنسية و اللغة الإنجليزية و اللغة العربية و اللغة الأمازيغية بنفس الحصص أو إعطاء اللغات الأجنبية حصة الأسد و تهميش اللغة الوطنية فهاذا يعني فشل التجربة من بدايتها. و مازلنا ننادي باعتماد اللغة العربية وحدها في الابتدائي و تدريس الانجليزية و الفرنسية كلغات للعلم و التكنولوجيا في الإعدادي و الثانوي. أما بالنسبة للفكرة الثانية : تجربة الميكروسوفت بمعنى استخدام اللوحات الإلكترونية في الأقسام الدراسية و حصول الأساتذة على شهادة ال :MOS (Microsoft office spécialité) فهي تحيلنا مباشرة على صفقة بيداغوجيا الإدماج و برنامج الكفايات و برنامج التعليم عن طريق الأهداف. ..الخ والواقع أن العيب ليس في هذه الطرق البيداغوجية و إنما العيب في التطبيق. لذلك سنحاول شرح بعض عوائق التطبيق بالنسبة للمدرسة المغربية. و لعله يغيب عن بعض المسؤولين أو الكثير منهم في وزارة التربية الوطنية و قطاع التعليم ما يجري في المدارس العمومية في المدن والقرى والبوادي و في شرائط البؤس المحيطة بالمدن حيت تنعدم المقومات الأساسية لعملية التعليم من مقاعد وسبورات، و كتب مدرسية، و أساتذة ومعلمين، وماء وكهرباء، ودورات المياه، و حيث الاكتظاظ و العنف واللامبالاة، و العزوف عن الدرس والسلوك المشين، و الغش في الامتحانات. و حيث تتحول قاعة الدرس إلى سجن قسري بالنسبة للأساتذة و التلاميذ على حد سواء.و تعترف مكونات المجتمع بفشل المدرسة المغربية بسبب غياب المنظور الوطني الحقيقي في مجال التربية والتكوين واقرار التبعية الثقافية للمد الفرنكوفوني رغم ما ينفق على هذه المنظومة من اموال الشعب المغربي . إن المدارس في المغرب ليست كلها على شاكلة المدارس الخصوصية أو مدارس البعثات الأجنبية وعلى رأسها مدارس البعثة الفرنسية، و بعض المدارس العمومية في الأحياء الراقية في الرباط و فاس والدار البيضاء على قلتها و علاتها كذلك. و عوض ان يهتم المسؤولون بمعالجة الأسباب الحقيقية التي تنخر المنظومة التعليمية منذ عقود من الزمن و هي أسباب هيكلية عميقة تهم الهوية، و اللغة، و الضمير الأخلاقي، و الحس الوطني، فهم يتسارعون كل عام إلى اغراق المنظومة التربوية المستوردة المكلفة لخزينة الدولة من غير نتيجة و ﻻ منفعة و من دون اي نقد بناء من قبل المكلفين بالتسيير الإداري و التربوي من موجهين و مفتشين ورجال التربية و غيرهم. وإذا كانت هذه البيداغوجيات قد نشأت في الغرب بترتيبها المرحلي دعت إليها الحاجة في المدارس الأمريكية والأوربية بصفة عامة، ووفق سيرورة تاريخية. ومعطيات موضوعية: اجتماعية واقتصادية تؤطرها دراسات علمية وتطبيقية توصل إليها الفلاسفة وعلماء التربية في أوروبا وأمريكا، فإن الوضع يختلف في الدول النامية والدول المتخلفة ومنها المغرب، ذلك أن تطبيق أي منهاج بيداغوجي أو برنامج دراسي لا يستمد شرعيته من الوضع القائم في البلد بقدر ما يتم عن طريق الاسقاط والتجريب. فنظام المنهجية الجديدة، أو نظام الوحدات، والتدريس بالأهداف، والتدريس بالكفايات أنظمة تربوية لم تخضع لترتيب مرحلي ملائم للواقع الاجتماعي المغربي، ولم تتوصل إليها اجتهادات المعلمين والمفتشين ورجال التربية المغاربة لكي تكون عناصر تطبيقها ملائمة لجسم المجتمع نفسه، وإنما هي مجرد نقل مبتور لمناهج تربوية من لدن بعض الباحثين المغاربة عن المدرسة البلجيكية أو الفرنسية كما تداولها كزافيي روجرس xavier Rogerz . والفرنسي إدكار موران Edgar morin العضو الشرفي في اللجنة الخاصة بالبرامج والمناهج في المدرسة المغربية، واحتضنتها المشاريع المتأخرة لإصلاح منظومة التعليم. وخصوصا منها إصلاح 81-1980. والميثاق الوطني للتربية والتكوين 2009-1999 وبرنامج المخطط الاستعجالي 2012-2009 دون ارتباط هذا المنهاج أو ذاك بالبيئة المغربية. أو ملائمته للمواصفات التي توجد عليها المدرسة المغربية، أو الوضعيات الاجتماعية والاقتصادية للتلاميذ، أو الثقافية لأوليائهم وللوسط الاجتماعي عموما. فلن يفيد المدرسة والجامعة، ولا التلميذ والطالب، ولا المدرس والمربي أن ننقل إليه منظومة من التعاريف والمصطلحات المترجمة عن الأهداف والكفايات وبيداغوجيا الإدماج في واجهة براقة من كتاب، أو مؤلف تربوي قد تغيب مصطلحاتها ومفاهيمها وأهدافها عن المؤلف نفسه، لكي نقول بعد ذلك إننا ننخرط في مجتمع تربوي حداثي يواكب النظريات التربوية التي تظهر في أوروبا أو تدعي الوزارات المعنية بأنها وصلت إلى مصاف الدول المتقدمة التي قطعت أشواطا بعيدة في مجال التربية والتعليم. فالحديث عن الكفاية المتعلمة والمكتسبة، والكفاية هي معرفة تجديد وتعبئة، والكفاية هي معرفة التوليف، وخاصية التحويل، وخاصية الانتقاء، والمقبولية والتكيف... وغيرها من المصطلحات المترجمة لا تزيد عن كونها ألفاظا صماء لا قيمة لها في ذهن المدرس والتلميذ، ولا في ذهن المفتش والوزير. سوف يقال بأن المعرفة ملك مشاع لجميع الناس، وهذا صحيح، ولكنها أيضا ليست سائبة يتداولها أي أحد. فللمعرفة أيا كانت، ومنها المعرفة التربوية، أسسها وقوانينها، وظروفها، وضوابطها، وأهدافها، إذا لم تراع هذه القوانين والظروف والأحكام فإنها تؤدي إلى النتائج العكسية كما هو حاصل اليوم في التجربة التربوية المغربية مع الكفايات وبيداغوجيا الإدماج. في التربية الحديثة تقوم الكفايات على إخراج مضمون مواد التدريس من جدران الحجرة الدراسية إلى مجالات المجتمع، بمعنى أن يكون التلميذ وهو المقصود بهذه العملية التربوية على قدر كاف من الاندماج في المجتمع من خلال ما تعلمه في المدرسة، والتدريس بالكفايات يتنافى مع اعتماد تدريس المواد كل على حدة كما هو الشأن بالنسبة للتدريس بالأهداف، أي اعتبار الرياضيات مادة مستقلة عن الكيمياء، والفيزياء، والمطالعة، والقراءة والكتابة، والتاريخ والجغرافيا والفلسفة... الخ لأن المقصود بما يصطلح عليه بالكفاية في التربية الحديثة هو قيام مجموع هذه المواد والدروس بتكوين الطفل والتلميذ دون وجود حدود بين هذه المواد وكأنها تتضافر جميعا في عملية التربية والتكوين، وهذه الروح في طرق التعليم بالكفايات إنما هي تعبير عن واقع الفلسفة السائدة وفكر العولمة الرائج الآن في أوربا وأمريكا. وهي طريقة من الطرق التربوية التي تولد وتنشأ مع كل مرحلة من مراحل تكوين وتطور المجتمعات. وقد سبقت هذه الطريقة، طريقة التعليم بالأهداف التي واكبت التطور التكنولوجي. وسبقت هاتين الطريقتين طرق بيداغوجية متعددة معروفة في التاريخ التربوي الحديث والمعاصر قبل استفحال ظاهرة العولمة. وقد سبقت الإشارة إلى أن كل طريقة من هذه الطرق إنما تستمد مشروعيتها من النسق القلسفي المتجدد. فمن النسق الفلسفي الطبيعي مع روسو، إلى الاجتماعي مع دوركايم، إلى التجريبي مع موتنيسوري وكلاباريد، إلى البنيوي مع بياجي إلى الوجودي والواقعي والآلي والعولمي... إلخ. وشرط التدرج والنسقية لا يتوفران في المدرسة المغربية ولا في مدارس العالم الثالث، وجميع هذه الطرق تتدافع وتتساقط على رأس المدرس والمفتش والتلميذ بكيفية سريعة ومتلاحقة لا يكاد يتبين معالمها وبداياتها ونهايتها، ثم إن الوزارات المعنية تلاحق هؤلاء بالمذكرات والنشرات بكيفية عشوائية، تطبيقا لتوصيات البنك العالمي وآراء الخبرات الأجنبية، الأمر الذي يؤدي حتما إلى فشل تطبيق هذه الطرق وعدم نجاعتها.