حينما يحاول المسؤول شرعنة اللاشرعي، عندما يريد خلقنة اللااخلاقي، كن على يقين انك في بلد من بلدان العالم الثالث، في بلد تتبادل فيه الأدوار بين الظالم والمظلوم، في بلد لا يدرك قيمة مواطنيه ما أدراك بأن يعز نخبه وكفاءاته، في بلد يوضع فيه الصالح في موضع الطالح، والطالح في موضع المصلح، في بلد ترقى فيه الذاتية وتحقيق المصلحة الشخصية على المنفعة العامة، في بلد تسوق فيه الأكاذيب على أنها حقائق، ما دمت في مثل هذا البلد فلا تلومنه، بل لُم الذين يسيرونه، ويسهرون على ابرز قطاعاته. قطاع الصحة على سبيل المثال، يعيش على صفيح ساخن هذه الأيام، وقد دقت طبول الحرب بين الوزير المكلف به وبين أطر الصحة من الممرضين والأطباء، وذلك بمجرد إعلانه عن مشروع الخدمة الإلزامية في أحد أكبر الأوهام والمغالطات التي تشهدها الساحة السياسية المغربية. حينما يحاول الوزير إيهام الرأي العام أن الأطباء لا يريدون العمل في المناطق النائية، في حين أن ذلك كان الحال منذ الأزل، وان ذلك هو مصير المعينين الجدد الناجحين في مباريات الوظيفة العمومية التي يريد إلغائها بهذا القانون (والتي عرفت تراجع كارثي في عدد المناصب، أخرها كان 15 منصبا هذا العام)، حينما يحاول الوزير تغليط الرأي العام بان طالب الطب مدين للدولة بمصاريف تكوينه لذلك وجب عليه رد الدين للدولة في حين أن التعليم الجامعي مجاني في المغرب، حينما يحاول الوزير تنويم المواطن في الأحلام بأن الطبيب بيده الدواء السحري لكل داء دون الأخذ بعين الاعتبار بضرورة توفر كافة الوسائل الضرورية لذلك من بنيات تحتية وتقنية ولوجيستكية، حينما يفعل كل هذا وأكثر، ويوهم الناس بأن الحل السحري هو إلزام وإكراه الأطباء بالعمل في المناطق النائية لسنتين وان كل الأمور ستحل بذلك، فاعلم انه يحاول شرعنة اللاشرعي، وتخليق اللااخلاقي. حينما تحس بالمهانة والذل، حينما تحس انه غير مرغوب بك في بلدك، حينما تدرك أن كرامتك ستمس وتصبح عرضة للقاص والداني حتى ولو كنت ملاكا، حتى ولو كنت أنت الإنسانية بنفسها صعب أن تبقى صامدا لمدة طويلة ترد الإساءة بالجميل، صعب أن تواصل الكد بأمانة ونزاهة، صعب أن تواصل الصمود أمام الطغاة وأصحاب النفوذ، صعب أن تقاوم وتقف في طريق أولائك الذين ألفوا الركوب على مصالح الناس، صعب أن تنصرف لقضاء حوائج الناس على حساب نفسك، صعب لكننا لن نرضخ لهم ولأهوائهم وأهدافهم، سنبقى وفيين لقيمنا وأخلاقنا ونبل مهنتنا، لن ندعهم يدخلون اليأس إلى قلوبنا، لن ندع لهم المجال لوأد أنبل تكوين عرفته البشرية، لن ندع لهم المجال لوأد أحلامنا وتصوراتنا لوطن الغد، فكلنا من يصنع ذلك الغد، ونحن لهم بالمرصاد كيفما اقتضى الحال. لماذا نحن ضد هذا القانون؟ طابع الإكراه والإلزام الذي يريد أن يطبق به هذا القانون، مس للكرامة الإنسانية لأي شخص كان، ونوع من أنواع عبودية هذا الزمان، ولا تقبل أي نفس حرة أن يفرض عليها أمر ليست ملزمة به ولا يفرضه أي تعاقد كان، هذا هو السبب الرئيسي لأن ننتفض قبل فوات الأوان، بغض النظر عن ظروف وشروط الاشتغال، وعن التعويضات هزيلة كانت آو بمليون دينار. وماذا بعد السنتان؟ بطالة واهانة لمهنة حكماء كل الأزمان: فبعد ذلك سيرمى أولائك الذين أدوا الخدمة الإجبارية إلى براثن البطالة، فلن تكون بعد ذلك أي مباريات للوظيفة العمومية لأن جل المناصب ستصبح مملوءة بالمتخرجين الجدد، وسيفتح الباب أمام سماسرة القطاع الخاص لإهانة والحط من قيمة الطبيب المغربي لارتفاع الطلب وقلة العرض. وما الحل إذن، أليس من حق مرضى المناطق النائية أن يتداووا ؟ لم يكن الطبيب المغربي في عموم المنتمين إليه ضد خدمة الشعب المغربي، وخدمة مواطني المناطق النائية، والأدهى كيف لأبناء تلك المناطق آلا تريد خدمتها ؟ وقد ولى زمن احتكار الطب من طرف الأغنياء؟ الحل ملزمة به والدولة أولا بتحقيق مبدأ المساواة بين المواطنين وفك العزلة وتنمية هذه المناطق، وملزمة به وزار الصحة ثانيا، ففي الدول التي تحترم نفسها ومواطنيها وكفاءتها، الحلول تكون دائما في صالح الجميع، التي يقتبس منها مسئولينا لكن بطريقة فهمهم المعوجة، الحل في تلك البلدان غالبا ما يكون خدمة اختيارية يختارها من يريد، بشروط تحفيزية مهمة، فقط حل بكل هذه البساطة من بين أخرى كثيرة منها الادماج المباشر في الوظيفة العمومية وفقا للنظام الأساسي المنظم لها لا قانون استبدادي، لكن ماذا عساك تفعل لمن مازال يريد أن يسير الأمور بالقوة والجبروت؟ في ظل كل هذه الظروف الحالية المتميزة بقصف من المواطن المغيب بتوجيه من الوزارة ورئاسة الحكومة وكذلك الإعلام الموجه، لأسباب لا ندريها، آ الحسد؟ آم الكره؟ أم التشفي؟ أم الرغبة في معاقبة المفسدين بمعاقبة الجميع؟ آم رغبة في تحميل فشل المنظومة للأطر الصحية؟ أم شيء آخر ؟؟ ندعو المواطن إلى التريث والمعاملة الحسنة مع عن ذلك الموظف البسيط الذي يجده في المقاطعة والمستشفى والنيابة ... فلن تقضى أغراضه إلى على يديه (ليس إكراما وتفضيلا وإنما وجوبا لأجرته) فنادرا ما ينزل أي مسؤول من مكتبه الفخم لكي يسهر على خدمته إلا إذا تعلق الأمر لغاية في نفسه، بل لزم عليه أن يوجه نقذه إليه، وان يكون على يقين أنهم كما عودوه سيفعلون، يستغلونه لأغراضهم ثم ينصرفون. طالب بكلية الطب مراكش