هذه سلسلة من حلقات يومية ، تعنى بإعراب آيات القرآن الكريم و بيانها ، نهجت فيها سبيل التبسيط و سلاسة التركيب و وضوح المعاني و الأفكار ، و نأيت عن التعقيد و الإغراق فيما شب من خلافات المتقدمين و المتأخرين ، حاولت أن أقدم هذا العمل في شكل قشيب ، فتدبرت المعاني اللغوية و البلاغية للآيات المعنية بالدراسة ، و أخذت ما سيفيد القارئ أكثر من أي شيء آخر ،بعد ذلك دلفت إلى إعرابها إعرابا ميسرا ، بعيدا عن الإبهام أو الغبش . سيجد قارئ هذا العمل المتواضع بعضا مما قد ينير ضالته في درب المسائل اللغوية ، خاصة أنه يعالج أكثر الكلام فصاحة و بلاغة و بيانا . أسأل الله العلي القدير أن ينفع بهذا العمل ، و أن يجزي صاحبه و يعفو عنه و أهله و ذريته ، و أن يتقبله خالصا لوجهه الكريم إنه سميع مجيب الدعاء . أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ فوائد الاستعاذة اللغوية و الصرفية : أعوذ التي بدئت بها الاستعاذة ، لغةً معناها : الاعتصام و الامتناع ، فدلالة الاستعاذة إذن الاعتصام بالله و المنعة به من إغواءات الشيطان . الشيطان على وزن فعلان ، من فعل شاط يشيط ، أما الرجيم فوزنها فعيل ، و هي بمعنى مفعول ، أي المطرود و الملعون من رحمة الله عز و جل ، و هناك من العلماء من قال إن وزن فعيل هنا بمعنى فاعل ، أي إن الشيطان هو من يفعل الإغواء و التضليل للعباد . إعرابها : أعوذ : فعل مضارع مرفوع بالضم الظاهر و هو فعل معتل أجوف ، فاعله ضمير مستتر وجوبا تقديره أنا . بالله : جار و مجرور متعلقان بالفعل أعوذ . من الشيطان : جار و مجرور متعلقان بالفعل أعوذ أيضا . الرجيم : نعت حقيقي تابع لمنعوته في جميع أحواله . و جملة الاستعاذة ابتدائية لا محل لها من الإعراب . بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فوائد البسملة اللغوية و الصرفية و البلاغية : بسم التي بدئت بها البسملة بمعنى اسم ، و معناه في اللغة السمو و هو العلو ، و هناك من قال إنه مشتق من السمة و هي العلامة ، و كلاهما صحيح . أما اسم الجلالة الله فهو علم يطلق على المعبود بحق ، خاص لا يشركه فيه أحد ، و هو مرتجل غير مشتق ، و معنى مرتجل أنه غير منقول ، تفرد به الله سبحانه و تعالى وحده . و البسملة كلمة منحوتة من بسم الله الرحمن الرحيم ، مثل كلمة حوقل المنحوت من لا حول و لا قوة إلأ بالله ، و هيلل إذا قال لا إله إلا الله ، و حيصل و حيهل إذا قال حي على الصلاة و حي على الفلاح ، و حمدل إذا قال الحمد لله ... ، من فوائد البسملة أيضا أنه لا يوصف بالرحمن بالألف و اللام في العربية إلا الله تعالى فالرحمن على وزن فعلان ، فيه وصف للدلالة على المبالغة في الشيء مثل عطشان و غرثان ... ، أما الرحيم فهو على وزن فعيل، و هو أيضا وصف دلالته المبالغة مثله مثل الرحمن . أما فوائدها البلاغية فهي دقيقة و تسترعي الانتباه و النظر ، ففي بسم : جار و مجرور متعلقان بفعل أو اسم ، و كلاهما جائز ، فإن تعلقت بفعل مضارع كان تقديره أبدأ أو ما شابهه ، و المستفاد من تعلق بسم بالفعل المضارع لأنه يدل على التجدد الاستمراري ، و الغاية من ذلك تجدد و استمرار المؤمنين في بدء أمورهم بالله تعالى . أما إن تعلقت باسم ، فهو أيضا جائز ، شرط أن يكون الاسم تقديره الله ، و فائدته البلاغية أنه ثابت عكس الفعل المتجدد ، و المستفاد من ثباته إلزام المؤمنين بثباتهم في الابتداء باسم الجلالة الله في أمورهم . إعرابها : ( بسم )جار و مجرور متعلقان إما بفعل تقديره أبدأ أو باسم تقديره الله ، و قد تقدم شرح هذا ، و هو مضاف ، الله مضاف إليه مجرور و علامة جره الكسرة الظاهرة على آخره ، ( الرحمن و الرحيم ) صفتان أو بدلان من المبدل منه الله و كلاهما جائز ، و جملة البسملة ابتدائية لا محل لها من الإعراب . -أستاذ مادة اللغة العربية