لم تعد الشبكات اﻻجتماعية مجرد مورد للتعارف وتبادل الرسائل والصور والذكريات، لقد تحولت الى منشأ لبناء التاريخ الشخصي للا فراد والجماعات من خلال ما يستعرض على الجدران من معلومات ومناشر وصور وكتابات أحيانا ذاتية وأخرى مفكر فيها جيدا .فالمسألة لم تعد تلقائية مباشرة غير محسوبة فإنها تعدت ذلك إلى حساسيات مكشوفة قد تنبأ بمواقف معلنة أو متسترة. فهذا الكم الهائل من البروفيلات قد يختلف من شخص إلى آخر, وقد يحمل للمطلع دون أن تكون له دراية بعلم النفس أو السوسيولوجيا أو السيميولوجيا لتنكشف له وفي أول اطﻻلة على البروفايل, الملامح الشخصية اﻻساسية لصاحب الصفحة. فمن خلال طبيعة اللغة ونوع المنشورات والصور يمكن الحصول دون عناء على ميوﻻت اﻻشخاص واهتماماتهم وانشغاﻻتهم وانشطتهم ومواقفهم ونزعاتهم الفكرية واﻻديولوجية الى حد ما,و من خلال ايضا التعاليق ولو البسيطة والتلقائية منها تقفز إلى ذهنك صنوف البشر الذين تتعامل معهم فمنهم المساند المستند الى راي قد ينجذب او يتعصب اليه ,ومنهم المعارض لمواقف واراء اجتماعية او سياسية ,وكثير منهم المهادن الذي يبدو الى حد ما محايدا سلبا او ايجابا ,والذي قد يلعب دور المتفرج اللاهي , فهذه المعادن او الصنوف من الشخوص او الشخصيات والتي قد تماثل في اختلافها شخوص الروايات العبثية ذات اللمسات الكفكاوية, فانها تكشف في العمق و المقابل تعدد الواقع وتهافته وتفككه وعدم انسجامه الى درجة اللانضباط والتشتت , وحتى الذين يلعبون دور المتفرج المتتبع فقط للعبة الشبكية والذين يظلون عند حدود اﻻطﻻع دون إبداء أي رأي , الا انهم مع ذلك قد أنتجوا بروفايلات أدخلتهم عنوة إلى سوق الشبكة المكشوف وان كانوا يقترون في الابلاغ عن تفاصيل حياتهم الشخصية , لكنهم كثيرا ما يكشفون عن ميولاتهم داخل دوائر يحسبون انها مغلقة ولكنها بالكاد هي مخزونة في غياهب دواليب متخصصة في الحفظ والصون ,والتي اصبحت تنكشف خيوط لعبتها المدمومة يوما بعد يوم . وبالجملة فان الكل له الحق في خوض التجربة .فالباب مفتوح على مصراعيه لبث الخطابات والبيانات وأحيانا بث الجراحات والتاوهات وفي احايين كثيرة استعراض العضلات سواء الفكرية او الاكاديمية او بث مواقف مزاجية غيررزينة في معظم الاوقات من خلال سيل من التعاليق المجذفة والمسيئة للذوق العام, قد تحمل عقدا نفسية تجد فرصتها الذهبية للنشر المجاني في هذه الشبكات , والتي تعتبر بمثابة المتنفس الخصب لنفثها والتهليل بها دون حسيب او رقيب مع ان عواقبها غير مدركة في حينه ,وقد تكون معظم هذه التفاصيل المبهمة ايضا تتوخى اهدافا مسطرة اصلا , لكنها غير معلنة المصادر او غير مصرح بمقاصدها سواء كانت شرعية او غير شرعية ليفسح لها المجال للخوض في "برادكم " السلطة المفقودة في واقع هذه الشخصيات مما ينتج عنه التضخم " الافتراضي " في الانا وحب الظهور أحيانا لتمرير سيميائيات مرمزة قابلة لمختلف التاويلات. وبذلك فد ينتقل البروفايل من اداة لخلق شبكة من التعارف الداخلية بإعادة إنتاج العلاقات التقليدية( الصداقات القديمة مثلا ) او الخارجية ببناء علاقات جديدة قدتكون بمحض الصدفة أو اختيارية أو بمبررات ومعايير محددة ذات اسس فكرية أو نزعية؛إلى خطاب قائم الذات يشمل كل مكونات آليات الخطاب وأدواته، حيث تبث مضامين ومواقف وإشارات ومن خلالها يمكن تفكيك وتصنيف الشخصيات الحاملة لهذا الخطاب وبناء نظرة شمولية تعري تموقفاتها اوتموقعاتها من مسالة او قضية معينة ذات ابعاد ذاتية او موضوعية , محلية , وطنية او دولية , وحينها يبدا المتلقي بعملية الغربلة للاقتناع أو للامتناع عن ربط الجسور باﻻخر للانضمام الى مجموعة البروفايل المعد حسب مقاييس اختيارية محضة عادة ما تاخذ انزياحات مع تراكم دينامية جدلية البث والتلقي فالنتيجة عادة ما تاخذ منحنيين الرفض بالاستضافة او القبول, وهذا منحى اخر يتطلب تعميق البحث . وللاشارة فان الاطناب في تقديم بعض تفاصيل البناءات الشبكية الاجتماعية ليس هو الاساسي في حد ذاته بل ما يتمخض عن سيرورة هذا البناء من نتائج و"الاثر" المحصل عليه بعد تراكم هذا البناء عن وعي او غير وعي ,عن قصدية ام عن الهاء و"لعب" ??????, فاالمسألة أصبحت أخطر من ذلك وتتعداه إلى حدود التحديد والتحكم في مستقبلك المهني سواء في بداية البحث عن العمل أو اقبالك عليه وحتى مباشرتك ومزاولتك له. فقد أصبح الكثير من أرباب العمل في الغرب وخصوصا في كندا والكيبيك خاصة يعتمدون في عملية اﻻندماج العملي الرجوع إلى البروفيلات المعتمدة في الشبكات اﻻجتماعية بحيث ما قد ينشرفيها من معلومات ومواقف وصورا فد يصير عاملا محفزا ومساعدا في عملية ادماجك المهني وقد يكون ايضا حاجزا وحائلا دون ولوجك سوق الشغل , واﻻدهى من ذلك قد يكون يمثابة المسمار الذي يدق في نعشك المهني وانت قد تخطيت مجرد القبول إلى المزاولة , وبالرغم من ارتفاع الاصوات المعارضة لكل تدخل في الحياة الشخصية للمواطنين , الا ان القوانين الان في كندا اصبحت تعتبر ما يبث في الشبكات الاجتماعية من مواقف عنصرية او محرضة على التمييز بكل اشكاله او على الدعوة بالمس بالاستقرار والامن الداخلي , قضية تستوجب العقاب ,لذلك اصبحت الشبكات الاجتماعية مراجع اساسية للمشغلين في جميع المجالات , بل يمنع جملة وتفصيلا على المزاولين المس بسمعة مؤسساتهم , او بث او تبني مواقف لا تتفق وشروط ومواثيق اشتغال هذه المؤسسات 'فالنتيجة الحتمية لهذا " الاعتداء الافتراضي "هو الفصل المؤقت او الطرد النهائ , وبناء على كل ذلك , ونقلا عن جريدة "le journal de montreal " الصادرة يوم السبت 6 – يونيو2015 اعلنت المغنية ومنشطة البرامج الكيبكية المشهورة Marie chantal Toupin والتي تنشط مجموعة من البرامج التلفزية الموجهة للنساء , انها تلقت خلال هذا اﻻسبوع ,بلاغا مزلزلا لحياتها العملية والمهنية من الشركة المشغلة يخبرها بالفصل النهائي من العمل وخاصة أنها كانت مقبلة على تنشيط برنامج كبير ومكلف موجه للمرأة. فقد تفاجأت المنشطة بهذا الخبر بالرغم من أن الشركة الموظفة تعترف في بيان العزل بعلو كعب وموهبة هذه المنشطة ,اﻻ أنها أعلنت أن مواقف هذه أﻻخيرة والتي بتث على جدار صفحتها في الفيسبوك تتنافى والخط التحريري للشركة المنظمة والممولة للبرنامج ,وبذلك تم اتخاذ قرار العزل لكي ﻻ يقال الطرد .والحكاية وما فيها أن هذه المنشطة لو تتوانى في مساندتها لمواقف اعتبرتها الشركة المشغلة مواقف عنصرية حيث عمدت المنشطة على جدارها الفيسبوكي دعوة كافة المحجبات وبطريقة ساخرة وحاملة في طياتها نبرات عنصرية مقيتة إلى اﻻقتداء بامرأة محجبة التف حجابها بعجلات سيارات السباق الصغيرة « Karling »في فيينا حيث تعرضت للخنق بوسطة حجابها نفسه , فاسلمت الروح لبارئها ، فهي بهذا تدعو المنشطة مازحة وساخرة كافة المحجبات إلى ركوب هذا النوع من سيارات السباق حتى يتعرضن لنفس المصير ويلقين حتفهن . ..اﻻ أن اﻻدهى أن هذا الموقف المزعج قد بث قبل عشر سنوات من طرف موقع فرنسي لم تعلق عليه المنشطة , الاخلال شهر ابريل الماضي على جدار صفحتها " الفايسبوكية" بالرغم ان الشركة لم تصدر قرارها الا يوم الجمعة الماضي معلنة انها لم تكن على علم بمواقف المنشطة العنصرية حتى اخر لحظة مما استوجب معه اتخاذ قرار الطرد فورا , وخلاصة القول فان هذا القرار يؤكد أن الشبكات اﻻجتماعية أصبحت أدوات أساسية في عملية تقييم الشخصية من خلال البيانات المخزنة والتي قد يطالها النسيان اﻻ أنها تظل سيفا ذو حدين فلذلك وجب التنبيه إلى دوافع النشر وآثاره المستقبلية على جدران هذه الشبكات.