من النقاشات السياسية ما يعلي قدر أمة وينمي الذكاء الجماعي للمواطنين، ومنها ما يُقزم الأشخاص ويستغبي عقولهم. إن المشهد الذي يقدمه سياسيو بلدنا عبر خطبهم، مواقفهم ومبارزاتهم اللفظية، يُرجعنا للعصور العتيقة للسياسة والغوص فجأة في فترة سحيقة. تكفينا بعض الأمثلة لقياس حجم القفزة في الزمن. فقصة الغرام الرومانسي ما بين الوزيرين الشوباني وابن خلدون كانت فرصة غير متوقعة لمواجهة سياسية ترمي إلى تسلية الجمهور العريض. وكان الهدف من ذلك إضعاف الوزيرين، ومن خلالهما، رئيس الحكومة، بضربهما في صميم العقيدة السياسية لحزب العدالة والتنمية، التي هي الآداب والمبادئ الأخلاقية. بالنسبة لعامة الشعب، إنه "المُدين المدان" الذي افتضح أمره في واضحة النهار. لكن عرض الحياة الخاصة لأعضاء الحكومة على الملأ، والتي لا تهم أحد سواهما، ينتمي إلى عصر آخر ويُظهر إرادة الحط من النقاش السياسي. هذا النهج يُصرف انتباه المواطنين ويخدم في نهاية المطاف، مصلحة المسيرين المُتورطين، بمنحهم إمكانية تحويل الانتباه وأن يصبحوا ضحايا، والسماح لهم من التهرب من تقييم أفعالهم السياسية. لقد أدى التعديل إلى إقالة الوزيرين، وقال الجميع بأنهما قد دفعا ثمن حماقتهما، ولكن لا أحد اهتم بالحصيلة الكارثية لعملهما على رأس إدارتيهما. ومع ذلك، هناك جدال سياسي حقيقي يستحق أن يُناقش حول نطاق مسؤوليتيهما. فلنأخذ مثال الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني. فعلاقة الحكومة مع المعارضة البرلمانية لم تكن متوترة بمثل هذه الحدة، والمواجهات، بهذا العنف والمناقشات، بهذا العقم. فقد فشل الوزير في خلق علاقة، إن لم تكن ذات ثقة، على الأقل من الاحترام ما بين الطرفين. فالهجمات الشخصية حادة والمواقف المتحيزة ضد المرأة، أمر جار. فجواب عبد الإله بنكيران، ذو الطابع الجنسي، للنائبة ورئيسة الفريق البرلماني ميلودة حازب، وكذا شتيمة "سفاهة" التي قذف بها الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ستظل مدونة في سجلات مجلس النواب. كما أن 61 رسالة اعتذار، الموجهة إلى رئيس مجلس المستشارين من قبل منتخبين غائبين عن الجلسة العامة، تدل على استمرار الغياب البرلماني. علما أن مساهمة النواب في أعمال اللجان ووضع التشريعات لا يزال هامشيا. وعلى الرغم من شبكة جمعوية ديناميكية ترى مجالات حرياتها تتوسع تدريجيا، يظل مبدأ الديمقراطية التشاركية، المُكرس من قبل الدستور، بعيد المنال. فعلاوة على الهشاشة المالية الناتجة عن التمويل الحكومي المتواضع والحصول بشكل تقديري، على صفة "المنفعة العامة"، تواجه الجمعيات صعوبات جمة على مستوى الحريات العامة وفعالية القانون. إذ يتم عرقلتها عند نيتها تنظيم بعض التظاهرات التي تهم القضايا الاجتماعية أو حقوق الإنسان. فيتم أحيانا حظرها بكل بساطة، دون إخطار رسمي. كما لا يتم تسليم الإيصالات المؤقتة بإيداع التصريح بوجود الجمعية بصورة منهجية، في انتهاك للنص التشريعي المُنظم للحق في تكوين الجمعيات. أما فيما يخص مقترح مشروعي القانون الأساسي حول حق تقديم عريضة والمبادرة التشريعية، واللذان ظلا يتجسدان لما لا يقل عن ثلاث سنوات، فيثيران بالتالي حفيظة الجمعيات، التي تدين طابعهما جد المُقيد وترى فيهما تراجعا هائلا، مقارنة مع روح الدستور. لا يمكن لتصرفات الوزيرين المُتيَّمين أن تعتبر متنفسا للتعبير عن الغضب الشعبي. لا يجب لحالتهما الخاصة أن تخفي غياب نقاش سياسي حول القضايا الاستراتيجية للبلد. ففي مجال السياسة الاقتصادية، تكتفي السلطة التنفيذية بالإعلان عن المؤشرات التي تنحو نحو الأخضر تحت تأثير الظرفية الاقتصادية، في حين تشير المعارضة إلى تلك المتواجدة في الأحمر: التخلي عن المقاصة والحد من العجز المزدوج بالنسبة للبعض، البطالة، تراجع التصنيع وتفاقم الفوارق الاجتماعية بالنسبة للآخرين. لا أحد يقترح نموذجا بديلا لاستراتيجية اقتصادية، من شأنها توسيع الوعاء الجبائي، زيادة العائد الضريبي، تحسين المرافق العامة، خلق المزيد من مناصب الشغل، تشجيع الاستهلاك ومدخرات الأسر، زيادة استثمار المقاولات، تطوير الابتكار التكنولوجي، خفض تضخم الإدارة، تحسين فعالية الموظفين ومكافحة الرشوة، إلخ. وفي مجال السياسة الخارجية، الكل يؤدي بشكل جماعي نفس الأغنية القديمة المُتهمة للجزائر، جبهة البوليساريو وجمعيات "حقوق الإنسانيين" الإسبانية والأمريكية، دون اقتراح أي مبادرة دبلوماسية تُمكن جيران الشرق من الخروج برأس مرفوع من هذا الوضع المعقد، وتسمح للمملكة بطي صفحة هذا النزاع الإقليمي بشكل نهائي في احترام لسيادتها. في مجال التعليم، المناقشات داخل اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين مطبوعة بشكل مبالغ فيه بخلاف حول اختيار لغة التعلُّم، بدلا من التركيز على محتواه والغرض منه. فهي تسعى قبل كل شيء لإنتاج مغاربة "متعلمين"، لكنها تهتم قليلا بمحتوى البرنامج، الطرق البيداغوجية، أدوات التقييم أو قدرة المواطنين الشباب على أن يكونوا فاعلين في التكوينات الخاصة بهم، بفضل تحرر حكمهم الشخصي وتنمية تفكيرهم النقدي. إذا ما استحضرنا كل هذه المناوشات السياسية، يمكن القول أننا في بداية سنة انتخابية لا تبشر بخير. وحدها متطلبات المواطنة ستمكن من رفض سلوكات أولئك الذين يريدون إرجاعنا إلى عهد أهل الكهف السياسي. - عضو المكتب التنفيذي لجمعية ضمير ولرابطة الاقتصاديين الاستقلاليين.