يستمر الجدل المثار حول الإبقاء على اللغة الفرنسية كثاني لغة للتدريس بدل الإنجليزية، ضمن التوصيات الأخيرة للتقرير الاستراتيجي للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، الذي سيرفع قريبا للملك، حيث قال مركز الرباط للدراسات السياسية والإستراتيجية إن إقرار ذلك "غير مبني على معايير تخدم فرص المتعلم المغربي". وشدد المركز، ضمن تقرير حول "لغات التدريس في منظومة التعليم المغرب"، على ضرورة اعتماد اللغة الإنجليزية في النظام التعليمي بالمغرب، وأن يعمم تدريسها كلغة ثانية بعد اللغة العربية منذ التعليم الأولي، حتى تخطو البلاد للأمام في شتى المجالات، ويفتح آفاقا واسعة أمام حملة الشواهد الجامعية". وأورد المركز البحثي أن اللغة الفرنسية لم تعد تنتج أي معرفة علمية"، مبرزا أن "العالم الرقمي إنجليزي بامتياز، والبحوث العلمية المتقدمة منشورة بالإنجليزية"، في خضم توقعات بانقراض الفرنسية"، لافتا إلى وجود توجه كبير في المغرب يطالب بتشجيع اللغة الإنجليزية، خصوصًا في منظومة البحث والتكوين. وسجل التقرير ذاته، والذي اطلعت عليه هسبريس، أن "اللغة الفرنسية صارت عبئًا على الثقافة المغربية وتضييقًا لمجال الانفتاح على شعوب العالم"، وذلك رغم حضورها القوي في المجتمع المغربي لأسباب تاريخية، إذ يشكل مستعملوها 11 مليون شخص حسب بعض الإحصائيات. وأوضح التقرير أن اللغة الانجليزية، أول لغة عالمية اليوم، "هي لغة التداول والتبادل العالميين، وهي لغة التواصل العالمية ولغة العلم العالمية"، باعتبار أن "المجلات العلمية المفهرسة دوليا تصدر جلها بل كلها بالإنجليزية، حتى صار شرط فهرسة أي مجلة دولية أن تكون مكتوبة، ولو جزئيا، باللغة الإنجليزية". واستدل التقرير بإسبانيا، التي كانت فيها اللغة الفرنسية، إلى جانب ألمانيا والبرتغال وغيرها "كل هذه البلدان انتقلت من الفرنسية كلغة أولى بعد اللغة الوطنية في تعليمها إلى اللغة الإنجليزية"، مشيرا إلى أن بعض الدول الإفريقية التي كانت مستعمرات قديمة لفرنسا أو لبلجيكا هي التي مازالت محتفظة باللغة الفرنسية كلغة أولى أجنبية للتدريس". وتابع بأن الدروس الدولية التي انتشرت في عدد من الدول الأوروبية منذ التسعينيات، أضحت تلّقن باللغة الإنجليزية، معطيًا المثال بألمانيا التي 'كانت متشبثة في وقت ما بلغتها، لكنها ما لبثت أن عممت هذه الدروس، بمعنى أن هناك دروسا كالفيزياء والكيمياء والطب إلى غير ذلك تلقى باللغة الإنجليزية في الجامعات الألمانية، وهي التجربة التي عممت في فرنسا نفسها، وقبلها في عدد من الدول الأوروبية". وزاد التقرير أن المحاولات التي قامت بها الدولة المغربية منذ عام 1968 من أجل اعتماد الإنجليزية، بقيت "عاجزة عن تحقيق قفزة نوعية يتم بواسطتها سد الكثير من الفراغات التي تعيق الخروج من التيه الذي تعانيه منظومة التعليم ببلادنا، وخاصة على مستوى جودة التعلمات التي ترتبط بجودة طرائق إيصالها وبطبيعة المعارف التي يتم تلقينها. وحول وضعية اللغة العربية، سجّل التقرير مفارقةً بين وضعيتها كلُغة رسمية للمغرب وواقع ممارستها اليومية في المدرسة والمجتمع، "رغم كون تعلم لغة الضاد إجباريّ منذ سنوات التعليم الأولى إلى التعليم الثانوي التأهيلي، فإنّ هذا المُستوى يتميّز ب"التناقص التدريجي في ساعات التدريس، ليتساوى مع حجم ساعات تدريس اللغة الفرنسية في سنوات التعليم الثانوي التأهيلي". وتوقف المركز عند إشكالية عدم التمكن من اللغات، الذي يترتب عنه "تكلفة باهظة" تمس بالأساس المنظومة التربوية "سواء من حيث مردوديتها الداخلية والخارجية أو على مستوى البحث العلمي وولوج مجتمع المعرفة"، كما تمس أيضا مختلف الميادين الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والثقافية والعلمية، يضيف التقرير. وأورد مركز الرباط للدراسات السياسية والإستراتيجية أن "منظومة المغرب التربوية تعاني من اختلالات عميقة، "منها ما يرتبط بالسياسة التربوية العامة التي تؤطر المجال التربوي وتشابكها مع المصالح والأيديولوجيات المختلفة"، و"منها ما يرتبط بالتدبير المزاجي والارتجالي".