ساهم باحثون ومحللون مغاربة في ورشة عمل دولية، نظمها مركز الإمارات للسياسات، في أبوظبي، تحت عنوان: "القتل باسم الله" الجماعات الإرهابية: البنية والمسارات والمآلات"، وذلك بمشاركة أمنيين وعسكريين وخبراء من أمريكا، وبريطانيا، وفرنسا، والسعودية، والإمارات، والبحرين، ومصر، والأردن. الروداني: الانتشار الجغرافي الشرقاوي الروداني، خبير في الشؤون الإستراتيجية، وعضو مجلس النواب المغربي، اختار في محاضرة له، ضمن أشغال ورشة العمل تلك، سبر أغوار الانتشار الجغرافي للجماعات الإرهابية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث نبه إلى خصوصية مناطق الاستقطاب. واستدل المحلل ذاته بمنطقة القصرين في تونس، ودرنة في ليبيا، والمناطق المجاورة للجزائر العاصمة، والتي تحولت إلى مناطق مستقطبة"، رابطا التوسع الإرهابي وانتشاره بمحددات متقاطعة فيما بينها، من قبيل المحدد الجيو سياسي، والجيو أمني، والجيو ديني. وأورد الخبير بأن هذه المحددات المتقاطعة فيما بينها سهلت بشكل حاسم عملية تأسيس مناطق التأثر الإرهابي بأحزمة إستراتجية إرهابية، تتحرك في الزمان والمكان،مستغلة تواجد ديمقراطيات فاشلة غالبا ما تفتقد للآليات المندمجة في محاربة ومواجهة هذه الآفة. وانتقل الروداني إلى تحليل الوضع في شمال مالي، لافتا إلى أن تواجد مجموعة من الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل الافريقي وجنوب الصحراء، الى جانب مبايعة "داعش"، يؤسس لتوجه جديد، صانعا مثلثا إرهابيا برؤوس القرن الإفريقي، بقيادة جماعة بوكوحرام، وشمال إفريقي، بقيادة تنظيم المرابطين لمختار بلمختار، ثم الشرق الأوسط، يتزعمهم تنظيم القاعدة في اليمن. وسجل الروداني أن الخطوط التي تربط رؤوس المثلث تمر من دول تعيش اوضاعا صعبة، و تتغذى من مركز الثقل الذي هو تنظيم داعش، مشيرا إلى أن الأوضاع التي تعيشها ليبيا قد يعصف بأمن تونس ومصر التي تعرف أكبر عدد من الخلايا الأمنية وذهب الروداني إلى أنه على مستوى شمال أفريقيا، يجب الحسم في الحوار الليبي، والدفع إلى إنهاء الانقسام؛ إلى جانب ضرورة القضاء على االإرهاب بشمال مالي، والدفع نحو الخروج من النفق المسدود، وفي الشرق الأوسط، يدعو الروداني إلى ضرورة الحسم في اليمن وسورياوالعراق. طارق: يحدد معالم التشريع المغربي وأسهب حسن طارق، أستاذ العلوم السياسية والنائب البرلماني، في بسط محددات السياسة التشريعية للمغرب في مجال مجال مكافحة الاٍرهاب، سواءٌ من حيث المضامين أوالتوقيت، منخرطةً في سياقٍ عال، فرضته التحولات الكبرى التي عرفها المجتمع الدولي بعد شتنبر 2011. وأوضح طارق، ضمن أشغال الورشة الدولية ذاتها، أن تلك المحددات يمكن أن تقرأ كجوابٍ على سياقٍ وطني ضاغط، مبرزا أن الحدود أصبحت أكثر هشاشةً وتداخلاً، حيث التحدي الإرهابي أصبح عابراً للأوطان والدول. وقال الباحث إن استحضار هذا الإطار المعياري الدولي الغني، لا يعني أن المرجعيات الدولية هي المحدد الأساسي في صناعة التشريع المُواجه للإرهاب، فغالباً ما كانت السياقات الوطنية هي الحاسمة في وضع القوانين ذات الصلة بمواجهة الظاهرة الإرهابية. واستدل المحاضر في هذا السياق بمشروع القانون رقم 86.14، المتعلق بتجريم الالتحاق بمناطق التوتر الإرهابي ، تبلور قبل مصادقة مجلس الأمن الدولي على قرار يحظر الانضمام إلىالتنظيمات الإرهابية، ويشجع الدول على منع هذه الإلتحاقات. وأشار المتحدث إلى أنه في المقابل ارتبط تقديم الحكومة لمشروع قانون رقم 154.12 الذي يتعلق بمكافحة غسل الأموال، في فبراير 2013، بشكل مباشر بتصنيفات مجموعة العمل المالي(GAFI)، حيث كان المغرب على القائمة الرمادية، ومهددا بالانتقال إلى اللائحة السوداء، ما دعى المغرب للوفاء لالتزاماته الدولية ومطابقة المنظومة الوطنية في مجال غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وأفاد المتحدث بأن "ارتباط الحوار العمومي حول السياسة التشريعية بهاجس الملائمة بين الفعالية والنجاعة، مع الحرص دون تهميش مقاربة حماية حقوق الإنسان، جعل المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان تلعب دوراً أساسيا في صناعة التشريعات المواجهة للإرهاب". وتابع طارق بأنه "سنة قبل ذلك كان المجلس الوطني لحقوق الإنسان، قد عبر عن رأيه في إطار المبادرة الذاتية، حول مشروع قانون يتعلق بمحاربة غسيل الأموال"، ليخلص إلى أن "تقييم السياسة التشريعية ذات الصلة بمواجهة الإرهاب، في الحالة المغربية، يبقى ممارسة مُكرسة". وأكمل الباحث بأن هذه الممارسة تكرست سواء من خلال مؤسسات وطنية، أو من خلال انخراط المغرب في النظام الدولي للمساءلة الحقوقية، إما عبر تلقي العديد من الملاحظات والتوصيات من طرف هيئات المعاهدات، أو أصحاب الولايات برسم المساطر الخاصة، أو في إطار الاستعراض الدوري الشامل". اسليمي: سيناريوهات ومخاطر ومن جهته، استعرض عبد الرحيم المنار اسليمي، رئيس وحدة شمال إفريقيا بمركز الإمارات للسياسات بالإمارات، في اللقاء عينه، السياسات الأمنية المتبعة لمكافحة الإرهاب في التجارب الوطنية، ومخاطر الموجة الجديدة من الجماعات الإرهابية، والسيناريوهات القادمة. وحدد الباحث تلك المخاطر في خمسة أمور، الأول عدم وجود تعريف مشترك للإرهابي الأجنبي المقاتل، وضعف قاعدة المعلومات عن هوية المقاتلين، وهو ما يرفع من درجة الخطر على مستويين: أولا، انتباه "داعش" لاستعمال الأجهزة الأمنية للأشرطة التي ينشرها لجمع معلومان عن هوية المقاتلين. والمستوى الثاني، وفق الخبير ذاته، سهولة انتقال المقاتلين الإرهابيين بين الدول لغموض هويتهم، وعدم وجود بنك معطيات مشترك بين الدول حول مساراتهم وانتقالاتهم، ولحصولهم على جوازات سفر مزورة من حكومات في الدول الفاشلة. وأما الخطر الثاني، تبعا للمحاضر ذاته، تفكير بعض الدول في الجماعات الإرهابية، كورقة توازن في اللعبة الدولية، فتركيا الدولة المحورية في الذهاب والإياب نحو سوريا تصنف العبور بأنه إجراء إداري، وليس قضائيا". والخطر الثالث، يضيف اسليمي، وجود تحول مقلق في تكتيكات الجماعات الإرهابية، ف"داعش" يمزج بين مقدرات حرب الشوارع، وحرب عصابات، وحرب الجيوش العسكرية النظامية، ومقابل ذلك ، طَور تنظيم القاعدة بدوره أسلوبه من التفجيرات الى استخدام الهجوم بالأسلحة، وطَور تنظيم خرسان تقنياته في تفجير الطائرات". وأما الخطر الرابع، فيتمثل في "مواجهة السلطات الأمنية لعدو مرن يتكيف مع مختلف الظروف، ومن الصعب هزيمته بشكل نهائي، فأهداف التنظيمات الإرهابية باتت تلتقي كلها حول مشروع البقاء والتوسع، وتحتلف حول الطموح للعالمية". والخطر الخامس، يقول اسليمي، أن "داعش" ينهج إستراتيجية احتلال المدن، فالأمر يتعلق بشكل جديد من العمل الإرهابي، سيجعل من كل خلايا التنظيم المنتشرة في العالم العربي مقبلة على استغلال كل الفراغات الموجودة في الدول الفاشلة، أو التي هي في طريق الفشل لإعلان نواة ترابية في مدن مستولى عليها". وتوقع الباحث، بناء على المخاطر الخمسة المذكورة، أن تشهد مواجهة الجماعات الإرهابية أحد السيناريوهين؛ الأول كارثي والثاني إيجابي إنقاذي، مبرزا أن "السيناريوهات القادمة في الخمس سنوات المقبلة تُبنى على مجموعة معطيات مترابطة تجعل من السياسات الأمنية الوطنية في مكافحة الإرهاب متغيرا تابعا لما جرى داخل النظام الدولي. السيناريو الأول، يراه اسليمي كارثيا، وهو ضعيف الوقوع، مبنيا على وصول "داعش" إلى وسط بغداد بظهور تحالفات جديدة بين قيادات التنظيم، وما تبقى من العشائر السنية، وجيش صدام حسين، وسقوط نظام الأسد، واقتسام سوريا بين جبهة "النصرة" و"داعش"، وارتفاع درجة المخاطر الأمنية في مصر في مواجهة جماعة الإخوان.. وبالمقابل، يرجح اسليمي سيناريو ثان يتسم بالإيجابية، ذلك أن بداية استشعار القوى الكبري المؤثرة في القرار الدولي ستدفعها إلى بناء حملة سريعة لإنقاذ توازن النظام الدولي من الانهيار، والسقوط عن طريق مشهد تساعد فيه هذه الدول على نجاح العملية السياسية في العراق بكبح جماح ايران في العراقوسوريا، وكبح جماح أحزاب الله، وإعادة بناء التحالف في مواجهة تنظيم "داعش"..