لقى التفجير الذي استهدف مساء الجمعة الماضية كنيسة "القديسين" بمدينة الإسكندرية وأسفر عن مقتل 21 شخصا وإصابة 79 آخرين بينهم ثمانية مسلمين، إدانة إسلامية وعربية واسعة، مثيرا موجة من التساؤلات حول المسئول عنه والمستفيد منه في مثل هذا الوقت بالذات الذي يسود التوتر العلاقات بين المسلمين و"المسيحيين" في مصر. عن طبيعة الهجوم، قالت وزارة الداخلية المصرية إنه وقع عندما فجر شخص عبوة متفجرة وقد لقى مصرعه ضمن الآخرين، مشيرة إلى أن العبوة التى تسببت فى الحادث محلية الصنع، وتحتوى على "صواميل ورولمان بلى" لإحداث أكبر عدد من الإصابات، وأن الموجة الانفجارية التى تسببت فى تلفيات بسيارتين، كانتا موضع اشتباه، كان اتجاهها من خارج السيارتين وبالتالى لم تكن أى منهما مصدرا للانفجار. وأضاف المصدر الأمنى أن ملابسات الحادث فى ظل الأساليب السائدة حاليا للأنشطة الإرهابية على مستوى العالم والمنطقة، تشير بوضوح إلى أن عناصر خارجية قد قامت بالتخطيط ومتابعة التنفيذ. كما نوه المصدر إلى إصابة أحد ضباط الشرطة وثلاثة من الأفراد كانوا معينين لتأمين احتفال "المسيحيين" بالكنيسة، وهو الإجراء الذى تم اتخاذه لتأمين كافة الكنائس على مستوى الجمهورية فى ظل التهديدات المتصاعدة من تنظيم القاعدة للعديد من الدول. وكان تنظيم القاعدة في العراق قد هدد "المسيحيين" في مصر باستهدافهم عقب حادثة كنيسة سيدة النجاة للسريان الكاثوليك في 31 أكتوبر في بغداد، جاء التهديد موجها لمحتجزى "مأسورات فى سجون أديرة" فى مصر، وعلى رأسهم كاميليا شحاتة التي احتجزتها الكنيسة منذ عدة أشهر بعد اعتناقها الإسلام، وقبلها وفاء قسطنطين وغيرهن من المسلمات التي تحتجزهن الكنيسة بعلم الدولة وتتحاشى الدخول في مواجهة مع الأقباط. وعقب حادث التفجير بالكنيسة توعد الرئيس حسني مبارك بملاحقة المخططين والمتورطين في الهجوم مؤكدا أن مصر مستهدفة من الإرهاب مسلميها وأقباطها. وقد رفعت أجهزة الأمن المصرية درجات الاستنفار القصوى وعززت قوات الشرطة انتشارها في البلاد مع تزايد التحذيرات من احتمال وقوع هجمات أخرى، خاصة أن أحد شهود العيان أفاد بأن إحدى السيارات الواقفة بالقرب من الكنيسة كانت تحمل ملصقاً على الزجاج الخلفي مكتوب عليه "البقية تأتي". واعتبر مسئولون مصريون أن هناك مخططات أجنبية لزرع الفتنة بمنطقة الشرق الأوسط، وأن توقيت الحادث يتشابه مع أحداث الكشح في نهاية التسعينيات. ومن المتوقع أن يزيد عدد الضحايا عن العدد المذكور، نظرا لوجود جثث أخرى داخل الكنيسة لم يتم حصرها، فضلا عن كثرة عدد الأقباط الذين كانوا داخل الكنيسة وقت الانفجار ، حيث قال أحد قساوستها إن ما يربو على ألف شخص كانوا داخل الكنيسة لحضور قداس، وإن الانفجار وقع بعد نهاية القداس. وعقب الانفجار الذي تسبب في تلفيات بمبنى الكنيسة ومسجد مقابل لها، قام بعض "المسيحيين" بمداهمة أحد المساجد القريبة وقال مراسل الأخبار المصرية إن "مسيحيين قد أشعلوا فيه النيران" ثم تطورت الاحتجاجات إلى اشتباك بين مسلمين و"مسيحيين" استخدمت فيه الحجارة والزجاجات الفارغة. وتصاعدت الإدانات الإسلامية من داخل مصر وخارجها، حيث أكد الأزهر الشريف، أن الحادث لا يمكن أن يصدر من مسلم يعرف الإسلام، لأن الإسلام من الناحية الشرعية يكلف المسلمين بالحفاظ على أمن وحرمة دور العبادة جميعًا، سواء كانت إسلامية أو غير ذلك. كما استنكرت كل من جماعة الإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية حادث تفجير الكنيسة، واصفين إياه بالعمل الإجرامي والخطيئة. وأعرب الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، الدكتور أكمل الدين إحسان أوغلي، والعديد من الدول الإسلامية وبأشد العبارات، عن إدانتهم الشديدة للعمل الإجرامي الذي استهدف مواطنين عزل كانوا يؤدون طقوسهم الدينية في كنيسة الإسكندرية. وتشهد مصر توترا طائفيا محسوسا منذ احتجاز الكنيسة لكاميليا شحاتة التي أشهرت إسلامها وتحتجزها الكنيسة منذ ذلك الوقت في أحد الأديرة ، حيث قام المسلمون بمظاهرات عديدة للإفراج عنها لكن دون استجابة، حيث تصر الكنيسة أنها لم تعتنق الإسلام. ولم يعلن أحد حتى الآن مسئوليته عن الهجوم، ما تعذر معه إدانة أحد حتى الآن برغم أن وسائل إعلام "مسيحية" في مصر ظلت توجه اتهامات إلى الإخوان وحماس و"حزب الله" والقاعدة، لكن الحدث نفسه وتوقيته، يتجه فورا إلى مزيد من الشحن الطائفى الذي سيفيد بعض الأطراف في تأجيج المشكلة. ويعتبر مراقبون أن ثمة أسباباً تغذي مثل هذه الحوادث ويمكنها أن تزيد الأمر اشتعالاً بسبب الإخفاق في حل المشاكل الدينية الحقيقية التي أشعلت العديد من المظاهرات والاحتجاجات السابقة لاسيما فيما يتعلق بحرية العقيدة الإسلامية، وحصول بعض مظاهر التمييز الديني الذي يمكن الإرهابيين من تقديم أسباب يسوقونها لتبرير تلك الجريمة. ويقول محللون إنه إذا كان هناك من يدعو إلى دولة عادلة لكل المواطنين بوضوح، فهؤلاء يلمسون الظلم وغياب تكافؤ الفرص للجميع الذى يغذى الحس الطائفى لدى الطرفين، ويجعل من الصعب المبالغة فى هذه المشاعر وتحويلها إلى مشاعر سلبية". ومن هنا فإن أى إدانة للخارج، أو اتهام لجهات خارجية، يجب أن تتضمن إدانة لأطراف داخلية تثير الشحن، والبغضاء، أو تمارس الظلم وترفض تطبيق قواعد العدالة وتكافؤ الفرص. وعلى أجهزة الدولة التى تطالب المصريين بمواجهة الطائفية والإرهاب، أن تعطى للمواطنين الفرصة، قبل أن تطلب منهم، والفرصة فى نظام عادل ينهى كل هذا الشحن الذى يسمح للخارج والداخل بصنع الطائفية. ولعل مثل هذه الأعمال غير الشرعية سيكون لها مردود سلبي تجاه المسلمين الذين يستنكرونها وبشدة، فهل سيستمرون مثلا بعد هذا الحادث في مطالبهم العادلة من الدولة والكنيسة التي تعتبر بمثابة "دولة داخل دولة" وعلى رأسها إطلاق سراح أسيرات الكنيسة كاميليا وأخواتها؟! كما أن هناك من يربط بين التفجير وجهات غربية خاصة "إسرائيل" قد تكون مسئولة عن الحادث بهدف زعزعة الأمن داخل البلاد والرد على كشف الأجهزة الأمنية لشبكة التجسس "الإسرائيلية" الأخيرة.