لم يكن لافتاً للانتباه في الالتحاق الأخير لأحد رموز ما سمي ب"السلفية الجهادية"، عبد الكريم الشاذلي، رفقة عدد من السلفيين بحزب "الحركة الديمقراطية الاجتماعية"، أكثر من تجاوزهم لحزب العدالة والتنمية، ذي المرجعية الإسلامية، ليطرح السؤال حول اختيار هؤلاء لأحزاب بعيدة عن خلفياتهم الدينية. وقبل عامين، أعلن بعض رموز السلفية وقادة "الشبيبة الإسلامية" بالمغرب الانضمام إلى حزب "النهضة والفضيلة"، ويقوده حاليا محمد خليدي، أبرزهم محمد عبد الوهاب رفيقي، الذي عين نائبا للأمين العام لحزب "الشمس"، إلى جانب هشام التمسماني، وعمر الحدوني، وجلال المودن، وقبلهم الشيخ عبد الباري الزمزمي، الذي مثل الحزب في الانتخابات السابقة، قبل أن يعلن استقالته. وكان معتقلون مدانون بقانون مكافحة الإرهاب، في مقدمتهم حسن خطاب زعيم خلية "أنصار المهدي"، والمدان بالسجن 30 سنة، وعبد الرزاق سوماح، المدان ب20 سنة لتزعمه "حركة المجاهدين بالمغرب"، قد أعلنوا قرب انفراج في ملفهم، على إثْر إصدارهم لوَثائق تهم "المراجعة والمصالحة". وأكد السلفيون المعتقلون، وفق ذات الإعلان، تأسيس "تيار سلفي إصلاحي" من داخل السجون، والمحتمل أن يفضي إلى تأسيس حزب سياسي جديد، "سيتم من خلاله استحضار تجربة حزب العدالة والتنمية، بعد دخول إخوان بنكيران في حزب الراحل عبد الكريم الخطيب". استيعاب السلفيين المعتقلين أحمد راكز، المحامي المباشر لعدد من سجناء "السلفية الجهادية" ورئيس هيئة المحامين الوسطاء للتصالح الوطني في الملف، اعتبر أن حزب العدالة والتنمية كان مؤهلاً ليحتوي المعتقلين المفرج عنهم، لخلفيته الإسلامية، "لكنه فشل حاليا لأسباب متعددة، يبقى أبرزها أنه يناقض نفسه، وتنكر لبرنامجه السياسي الذي ينهل من المرجعية الإسلامية". وأضاف راكز، في تصريح لهسبريس، "لا يمكن للعدالة والتنمية أن يستوعب السلفية الجهادية لأنه ارتكب أخطاءً"، موردا تجربة وزير العدل والحريات مع ملف المعتقلين "قبل التجربة الحكومية الحالية كان الرميد ممسكا بالملف كمحام ظل يترافع في الملف وأيضا كحقوقي بصفته رئيسا لمنتدى الكرامة، إلا أنه لما أصبح وزيرا تخلى عن الملف نهائياً". وسجل راكز ارتياحه لأي "تحرك إيجابي للدولة يفضي في نهاية المطاف إلى الإفراج عن المعتقلين، وعودتهم إلى أسرهم وحياتهم العادية"، إلا أنه أشار إلى أن هذا الانفتاح الأخير "متأخر وناقص يجب تكميله"، مسجلا تغييب كل الفئات الحقوقية والسياسية والمدنية التي سبق لها أن اشتغلت على تلك الملفات منذ ثلاثة سنوات. واعتبر الناشط الحقوقي ذاته أن رؤية الدولة تجاه ملف السلفيين المعتقلين، يجب أن تبتعد عن الرؤية القصيرة، ومحاولة فرض وجهة نظر معينة، "لأن رموز السلفية بدأوا في المراجعات منذ سنوات، بمن فيهم المتطرفين"، على حد قوله. وأورد راكز تجربة المعتقل حسن الخطاب "الذي أنتج آلاف الصفحات في المراجعة، وله محاولات للاندماج بمفهومه السياسي، ودرء الأخطاء السابقة، والأخطار التي يمكن أن تكون"، قبل أن يشدد على ضرورة أن تتبنى الدّولة مصالحة شاملة لا تقوم فقط على رؤى سياسية، بل تربوية وفكرية واجتماعية". وأشار المتحدث إلى أن المغرب رغم ذلك حقق مكتسبات في محاربة الإرهاب والتطرف، و"يسعى منذ فترة للريادة على المستوى الدولي، عبر تسويق نموذجه في تلك الحرب"، مضيفا أن "البلد يحاول أن ينتزع اعترفا دوليا في نجاحه في احتواء الإرهاب"، بحسب تعبيره. وتابع "يجب على الدولة أن تشرك مختلف الشركاء السياسيين والحقوقيين في محاولتها السياسية مع المعتقلين"، موردا أن هؤلاء المعتلقين يتحفظون على عدم وجود أي تحرك في ملفهم، وأردف "عكس ما أثير مؤخرا، فليس هناك زيارة لأي مسؤولين لهم، والحوار الأخير كان مع معتقلين في سجن عكاشة حول مطالب إدارية". وطالب راكز بضرورة الدفع بمعتقلي السلفية الجهادية إلى مصالحة أعمق، عبر تطبيق شامل وحقيقي لسياسة الإدماج في المجال العقابي، وحقوق الإنسان في المحاكمات، داعيا إلى ضرورة أن تسلك الدولة "التواصل الديني" داخل السجون، "يجب إدخال العلماء والأئمة لفتح حوار ديني وعقلاني مع رموز السلفية، مثلما حصل مع التجربة السعودية".