المغرب يريد ان يسجل ابناءه في مدرسة الجودة و الإنصاف و تكافئ الفرص و اندماج الفرد و التطور الإجتماعي. هذا ما تقوله الرؤية الاستراتيجية لإصلاح المدرسة المغربية (2030 – 2015)، لِدى فالجميع مطالب بالإنخراط في أوراشها. لم يكن الأمر سهلا على مجلس السيد عزيمان أن يصل إلى صياغة هذه الإستراتجية الطموحة لو لم يحسم أمره بشأن قضيتين أساسيتين: أولا، الإقرار بأن التعليم الحالي مضطرب و تسوده الفوضى و ثانيا، الإقرار بضرورة الانتقال إلى تعليم منظم ذو رؤية و أهداف. هذا الحسم حجَّم منذ البداية تأثير بعض أعضاء المجلس الذين جاءوا إليه بغاية التشويش خدمة لميولاتهم الايديولوجية و بخاصة الإسلاموية أو الفركوفونية. السيد عزيمان قال بأنه لا يمكن أن يستمر تحكُّم الميولات الأيديولوجية في مصير تكوين ابناءنا. الأمر يتعلق بمرحلة تأسيسية للنهوض بتعليم حديث يتلاءم مع افكار العصر و يتناغم مع منحى التطور كما هو متعارف عليه دوليا و يستهدف صياغة محتوى و أساليب بيداغوجية حديثة تتجاوب مع مستوى سوق العمل. لكن ما هي المخاطر التي تتهدد تنفيذ هذه الإستراتجية؟ يمكن لحكومة يطغى عليها الإسلاميون أن تشكل خطرا على الإستراتيجية. كان الخطأ كبيرا و واضحا في منح حقيبة وزارة التعليم العالي للسيد الداودي، لهذا لا ينبغي أن يتكرر هذا الخطأ. يجب أن يبقى التعليم بكل أسلاكه بين أيدي أحزاب و طنية حداثية. لا يمكن لمن تطغى عليه ذهنية الوحي و منطق الأمر أن يكون جرّيئا و فعّالا في تطبيق الإستراتيجة التي تتطلب الكثير من الشجاعة و الإنخراط التام في متطلبات مستقبل الإنسان كإنسان على كوكب الأرض. يمكن لأشخاص يخدمون كالعبيد أجندات أجنبية أن يشكلوا خطرا على تنفيذ الإستراتيجية. يجب ابعادهم أو على الأقل التحكم التام في طموحهم في تغليب العامية و اللغة الفرنسية في اسلاك التعليم. نحن في بداية مشروع كبير نستحق تمليكه لتلاميذاتنا و طلبتنا و إذا تغافلنا عن هؤلاء الأشخاص فسيعملون، عند التطبيق، على نسف منصة الأخلاق التي ارستها الإستراتجية و طَابَقتْ بفضلها الإحتياجات مع الحلول على نحوٍ لم يسبق له مثيل: مدرسة الجودة للجميع، تعميم إلزامية التعليم ما قبل المدرسي، و وضع تمييز إيجابي لفائدة المدرسة القروية و دوي الاحتياجات الخاصة. من المفروض أن تصل بنا الإستراتجية إلى تكوين العدد الكافي من المتخرجين القادرين على شغل الوظائف التي تحتكرها الأطر الاجنبية التي استنزفت مناصب سوق العمل بسبب لا كفاءة خريجي مدارس اليوم. إن ما يجب أن ينصب عليه الاهتمام هو انتاج ما نحتاجه من أطر مؤهلة في مجال المعرفة و الإبتكار و كذلك الشأن في مجال العمل اليدوي التنفيذي. يجب التوازن في التكوين بين الإبداع و التنفيذ و أن لا ننسى أن حجر الزاوية في الإستراتيجية هو أنه علينا منافسة دول نجحت في اصلاح تعليمها و انضمت إلى الإقتصاديات الصاعدة. يجب استلهام الطرق التي اتبعتها تلك الدول، خاصة التايلاند و ماليزيا،في تنفيذ اصلاح تعليمها. لقد حسم الخبراء الكبار في الجيوبولتيك بأن التقسيم الأكثر أهمية في العالم لم يعد بين الشرق والغرب، بين الرأسمالية و الشيوعية. إنهم يقولون بأن الصراع أصبح الآن بين عالم النظام مقابل عالم اللانظام. على إستراتيجيتنا الجديدة للتعليم أن تنجو بنا إلى عالم النظام، عليها أن تنقدنا من الضغوط البيئية والثقافية و الاجتماعية التي تهدد بتحطيم دولتنا و جعلها دولة ضعيفة أو فاشلة. الجميع يقرأ اليوم عن المهاجرين الذين يفرون من عالم اللانظام إلى عالم النظام: الروهينجا يفرون من ميانمار وبنجلاديش ويحاولون الوصول الى تايلاندوماليزيا. الأفارقة و شباب شمال أفريقيا يعبرون البحر المتوسط إلى أوروبا. شباب أمريكا الوسطى يفرون إلى الولاياتالمتحدة. اعداد كبيرة من السودانيين و الإريتريين يفرون نحو اسرائيل. وكالة الأممالمتحدة لشؤون اللاجئين تقول أنه في العام الماضي فاق عدد النازحين في جميع أنحاء العالم 50 مليون نسمة، و هو عدد لم يسجل منذ الحرب العالمية الثانية. إذا فشل تعليمنا فسينتظر أبناءنا نفس المصير، سيركبون بكثافة مغامرة البحر و ستكون العواقب وخيمة بينما سيفوز بمناصب الشغل إما الأجانب أو المغاربة الذين لديهم امكانيات للتكوين في البعثات او المعاهد الأجنبة الكبرى. ثم يجب أن لا ننسى الخطورة الكبرى المتعلقة بالتنفيذ الواقعي و العقلاني و المستقل للرؤية. لقد مرت بالدولة المغربية تجارب فاشلة رغم وجود استراتجيات عبقرية. كان السبب، تاريخيا، هو الإعتماد المجحف على الأعيان ثم على القيّاد ثم على البروقراطية ثم على التقنقراط لتنفيذ الأوامر و السيطرة على المشاكل. لكن نحن الآن نعيش في مرحلة ما بعد الأعيان و القيّاد بل في مرحلة ما بعد البروقراطية و التقنوقراط. الخطورة الآن هي إذا ما تهربت الكفاءات الوطنية المستقلة، خوفا من عرقلة مهامها، عن تحمل مسؤولية التنفيذ العقلاني و الواقعي لهذه الاستراتجية. من سينفذها إذن؟ ماذا لو كان الجواب لا أحد؟ آنذاك سنعلم بالملموس بأن لدينا أزمة عويصة و هي أزمة زعامات مستقلة و متخصصة في قيادة معارك استراتجية مجتمعية مصيرية و من ثم يجب أن نضع هذه النقطة، اي تكوين تلك الزعامات، على رأس اولوياتنا الوطنية.