قدم خلال منتدى «لاماب» محاور الرؤية الاستراتيجية لإصلاح المدرسة المغربية أكد عمر عزيمان، رئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، أن رفع تحدي إصلاح منظومة التعليم وتفعيل ما تتضمنه الرؤية الاستراتيجية للإصلاح، التي أنجزها المجلس وقدمها للملك محمد السادس خلال شهر ماي الماضي، يتطلب تعبئة وطنية من أجل ترسيخ مدرسة جديدة، تقوم على الإنصاف وتكافؤ الفرص والجودة للجميع والاندماج الفردي والارتقاء والتقدم المجتمعي، ومضاعفة العمل وبذل أقصى الجهد لوقف النزيف واستمرار تدهور المدرسة المغربية. وقال عزيمان، خلال استضافته صباح أمس الثلاثاء من طرف ملتقى وكالة المغرب العربي للأنباء الذي خصص لمناقشة سؤال "أية استراتيجية من أجل مدرسة الجودة والتفوق البيداغوجي؟"، إن التعبئة ينبغي أن تشمل جميع الأطراف على حد سواء، بما فيها الدولة والجماعات الترابية والأسر والمنظمات النقابية والقطاع الخاص والمجتمع المدني والمثقفين والفعاليات الفنية والإعلام، "فإصلاح منظومة التعليم بات اليوم قضية ملحة للحيلولة دون حدوث سناريو كارثي على الصعيدين الاجتماعي والسياسي". وجدد التأكيد على أن اللحظة حاسمة ويجب أخذها بعين الاعتبار لتنفيذ الإصلاح وانبثاق مدرسة مغربية في مستوى الانتظارات والطموحات، مشيرا أنه "في حالة ما إذا استمر الأمر على ما هو عليه، وتم الاكتفاء باتخاذ بعض الإجراءات الجزئية وغير المؤسَّسَة، فإننا سنصطدم، لا محالة، بتفاقم الأزمة، سواء بالنسبة لتضخم نسبة الهدر والانقطاع الدراسي، والأمية والجهل، وما يمكن أن ينجم عنها من مشاكل خطيرة على المستويين السياسي والاجتماعي، والتراجعات الحتمية عن المكتسبات الوطنية التي تواكب ذلك، فضلا عن تدهور أكيد في جودة التكوينات وانعكاساتها على الاقتصاد الوطني، وعلى أداء الإدارة، وكذا على التنمية السوسيو اقتصادية والثقافية، بل وما يمكن أن يفضي إليه ذلك من تعاظم للتهديدات التي تنتج عن مثل هذه الاختلالات كالبطالة والفقر والتهميش، ومضاعفاتها على التماسك والاستقرار الاجتماعيين". واعتبر رئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين، أن هذه اللحظة الحاسمة والظرفية توفران حظوظا كبيرة ومواتية ومحفزة للنجاح في مسار إصلاح المدرسة، وتنزيل الرؤية الاستراتيجية للإصلاح التي تمتد على مدى سنوات 2015-2030، وذلك بالنظر للإرادة الحازمة لجلالة الملك محمد السادس الذي أكد خلال خطاب العرش الأخير على الإصلاح العميق للتعليم كقطاع حيوي، بل وحسم أيضا في الجدالات المرتبطة بالإشكالات المتعلقة باللغات الأجنبية في علاقتها بالهوية الوطنية، وشدد على أن الإصلاح بات غير قابل للتأجيل. وأشار عزيمان إلى إجماع الأمة المغربية على ضرورة وإلحاحية الإصلاح السريع للمدرسة، فضلا عن التعاون الجيد والمثمر الذي يميز علاقة المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي مع الحكومة والقطاعات الوزارية المكلفة بالتربية والتكوين، في احترام متبادل للوضع الدستوري والاختصاصات المخولة لكل طرف. وكشف عزيمان بالمناسبة أن الرؤية الاستراتيجية للإصلاح قد دخلت بالفعل حيز التنفيذ، مسجلا بهذا الشأن الاستجابة الآنية والتفاعل السريع للحكومة ولاسيما القطاعات الوزارية المكلفة بالتربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي، والتي شرعت في الاشتغال على أولى مراحل تفعيل الرؤية الاستراتيجية. وشدد في هذا الصدد على أهمية الدور الذي تضطلع به الأسرة التربوية لأجل إنجاح إصلاح المدرسة، "فهي الفاعل الجوهري في كل تغيير من أجل إنجاح التعبئة حول إصلاح المدرسة، ولذا ينبغي العمل في المدى القريب على إرساء تعاقد معنوي لتجديد الثقة وإعطاء نفس جديد لأدوار هؤلاء الفاعلين وانخراطهم في الإصلاح المأمول"، كما يؤكد رئيس المجلس الأعلى للتعليم الذي أضاف بهذا الخصوص قائلا: "إذا استطعنا جعل الرؤية الاستراتيجية في ملك الفاعلين التربويين، سيعملون على تطبيقها، وإذا تمت تعبئتهم سنضمن نجاح هذا الإصلاح". وأعلن عزيمان، في هذا الصدد، أن النهج الجديد المقترح لإنجاح التعبئة حول مسار الإصلاح يهم أيضا جانب الجماعات الترابية، حيث تضمنت استراتيجية الإصلاح مقترحا يدعو إلى استثمار جميع الإمكانات التي بات يتيحها نظام الجهوية الموسعة والقانون التنظيمي الجديد للجماعات الترابية، بجعل المدرسة في قلب النقاش السياسي الجهوي والمحلي، وتوفير الدعم المنتظم لها. وهذا يمكن اعتباره بمثابة إشارة ضمنية إلى تجارب مقارنة معمول بها في دول مجاورة، مثل إسبانيا، نجحت في جعل التعليم شأنا جهويا ومحليا ونزعت طابع المركزية عنه. وفي ذات الموضوع، أشار المتحدث إلى مقترح يخص تعبئة الأسر حول الإصلاح، حيث تمت الدعوة إلى إرساء آليات جديدة من شأنها تمكين الأسر من التتبع اليقظ لأبنائها وإشراكهم في تدبير المؤسسة، عبر تثمين دور جمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ، والتي باتت هي الأخرى مطالبة بتجديد منهجيات عملها وتقوية تعاونها مع المؤسسات ومشاركتها الفعلية في التدبير والتتبع. يشار إلى أن عمر عزيمان، رئيس رئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، قدم خلال هذا اللقاء، الرؤية الاستراتيجية التي وضعها المجلس والتي كانت نتاج نقاش وطني وعمل جماعي، وهي تتضمن 23 رافعة كبرى للتغيير، تتوخى إرساء مدرسة الإنصاف وتكافؤ الفرص، وبناء مدرسة الجودة للجميع، وإقامة مدرسة التفتح الفردي والارتقاء المجتمعي، ثم منهجية تدبير التغيير. وتقترح الرؤية الاستراتيجية لتحقيق جودة التعليم، إعادة النظر في مهن التربية والتكوين، على مستويات شروط الولوج واكتساب الكفايات، بالإضافة إلى "إصلاح النموذج البيداغوجي" بمراجعة البرامج والمناهج والطرائق، والنهوض بأدوار التكوين المهني، وتعزيز موقع الجامعة كقاطرة للبحث والابتكار والتنمية.